* كان بلال بن رباح من بين سبعة أظهروا إسلامهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر الصديق وعمار بن ياسر وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما ابوبكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس، أما بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول (أحدٌ، أحد).
وكانوا يطوفون به والحبل في عنقه بين أخشبي مكة، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول: (أحدٌ احد) فيمر به ورقة بن نوفل وهو على تلك الحال فيقول: (أحدٌ أحد يا بلال لئن قتلتموه لأتخذه حناناً).
وكان الذي يعذب بلالاً هو أمية بن خلف، ويشفق النبي صلى الله عليه وسلم على بلال من هذا العذاب الذي لا تحتمله الجبال فيقول لأبي بكر الصديق: لو كان عندنا مال لاشترينا بلالاً وأعتقناه، ويفهم أبوبكر اشارة النبي صلى الله عليه وسلم ويذهب إلى أمية بن خلف يعرض عليه شراء بلال ويزهده فيه فيبيعه له واشتراه أبوبكر وأعتقه لوجه الله.. ثم أعتق معه على الإسلام قبل أن يهاجر من مكة ستة رقاب بلال سابعهم، وفي عتق بلال الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: (كان عمر يقول: أبوبكر سيدنا وأعتق سيدنا - يعني بلالاً -). رواه البخاري.
وكان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: (لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى) وهو يقول في ذلك البلاء.. (أحدٌ أحد). وتمضي الأيام ويهاجر بلال بن رباح إلى المدينة المنورة ويخرج بلال مع النبي ويرى من بين جموع المشركين أمية بن خلف فيهتف بلال قائلاً لأمية بن خلف (لا نجوت إن نجا) ويهجم عليه هجمة الأسد الجريح ويمكنه الله منه فيقتله بيده التي كان يوثقها أمية، ويشفي الله صدر بلال ويذهب غيظ قلبه، ويهتف المسلمون ببدر (أحد، أحد).
وتمر الأيام ويلازم بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصبح أول مؤذن في الإسلام يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وفي الحضر ولا يتخلف عن غزوة أو سفر يحمل طعامه الذي أشار له النبي صلى الله عليه وسلم. بقوله: (لقد أُذيت في الله وما يؤذى أحد. ولقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ ما وارى إبط بلال) رواه بن ماجة في سننه وأخرجه الترمذي.
وتمضي الأيام ويأتي فتح مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويدخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة ومعه بلال وأسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصلي ركعتين ويحطم الأصنام وكانت ثلاثمائة وستين صنماً وهو يقول: (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فيرقى على سطح الكعبة ليهتف بأول أذان في مكة: (الله أكبر.. الله أكبر) فتردد جبال مكة أذان بلال بكلمة الحق بعد ما ردد من قبل (أحد، أحد).
وينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ويذهب بلال إلى أبوبكر الصديق فيقول له: (ياخليفة رسول الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أفضل أعمال أمتي الجهاد في سبيل الله). وقد أردت أن ارابط في سبيل الله حتى أموت ائذن لي في الارتحال إلى الشام. فقال أبوبكر: (يا بلال أنشد الله يا بلال وحرمتي وحقي، قد كبرت واقترب أجلي أقم معي ولا تتركني) فأقام بلال مع أبي بكر - رضي الله عنه - يؤذن، حتى مات أبوبكر الصديق، وتولى الخلافة عمر بن الخطاب، فذهب إليه وقال له مثل ما قال لأبي بكر، وحاول عمر أن يثنيه عن عزمه فأبى وارتحل إلى الشام مع أخٍ له في الله (أبو رويحة). وتزوجا في الشام. وبقي بلال في الشام حتى جاء عمر بن الخطاب فكان المؤذن في بيت المقدس، وهاجت ذكرياته فبكى في أذانه وامتنع عن الأذان بعد ذلك إلى أن التقى الحسن والحسين وقبلهما وبكى. فقالا له: يا بلال نشتهي أن تؤذن في السحر فلم يستطع أن يرفض هذا الطلب في هذا المقام فعلا سطح المنزل في السحر وقال الله أكبر.. الله أكبر فارتجت المدينة فلما قال أشهد ان لا إله إلا الله زادت رجتها، فلما قال أشهد أن محمداً رسول الله خرج الرجال جميعاً وخرجت النساء من خدورهن فقد هيج أذانه وصوته الرخيم أحزان الناس وأشواقهم لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
وبعد ذلك شد بلال رحاله عائداً إلى الشام مرابطاً فيها متفائلاً ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لدف نعليه في الجنة.
فعن ابي هريرة - رضي الله عنه - ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر إلاّ وصليت بذلك الطهور ماكتب لي أن أصلي). وتأتي لحظة الرحيل ويموت بلال عن بضع وستين عاماً ويدفن في الشام ويلحق بالرفيق الأعلى ليتقدم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.
|