قد يعجب إخوتي القراء من عنوان هذا المقال القصير، فهو يذهب بهم إلى ضمير النحو الذي ما زال محتفظاً بقوته وبنائه رغم الحركات من حوله في خضم الجمل والعبارات.
إن الضمير المتصل الذي قصدته هو الضمير الذي استشعر عظمة الخالق عز وجل والخوف منه في السراء والضراء، والسر والجهر. إن الضمير الحي المتزن هو أساس الوفاء والولاء الذي يحلق بصاحبه في رحاب الأمان والنجاة، فيجني ثمار عمله الدؤوب وهناك سؤال يطرح نفسه وهو: أين الضمير المتصل بالله عند من احتضنه وطنه الغالي، ومد إليه يد الحنان، فعضها وأساء إليها، ورد الخير بالشر؟ أما كان الأجدر به أن يستحي ويعض أنامله ندماً على ما جنى وارتكب؟ أين الضمير المتصل عند من ابتعدوا عن نهج الشريعة الغراء، ونورها الذي أضاء الكون فأشرقت به الدنيا؟ أين ضميرهم حينما تعلقوا بكلاليب الأهواء والأباطيل والآراء الجوفاء؟ فهل يجنى من الشوك العنب؟ ألم يشاهدوا شمس الحقيقة في وضح النهار ترسل أشعتها الذهبية على فيوض الأمن والرخاء، وخضرة الأرض والنماء، وسندس العيش الرغد؟ أما سألوا الرمال السمراء وهي تعانق البدر وتحاكيه متوجة بالكفاح العطر؟ أما عاشوا لذة ما هم فيه، واستشعروا نداء الآباء والجدود وقسوة معيشتهم وصبرهم على الشدائد من أجل البناء والتعمير؟
أين الضمير المتصل عند من رموا ببيعة الولاء التي في أعناقهم، فتنكروا لوطنهم الغالي المشرق وكأنهم غاب عنهم قول الأول:
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
أين الضمير المتصل عند من سفكوا الدماء البريئة وهي تروي أجساد فلذات الأكباد في زهرة عمرهم الباسم؟ أين الضمير المتصل عند من أبكوا الأمهات والآباء والاخوة والجدود والصغار والكبار، وهدموا جسر الحنان في محيط الأسر؟ لقد أماتوا بسمة الصغير، ورسموا على الجباه الآمنة شعار الخوف والقلق. فهل من المعقول عند ذي أدنى بصيرة أن ترد قبلة الحب بطعنة سيف، وأن يقابل الوفاء بالجفاء، والسرور بالحزن، والتواضع بالكبر، والأمانة بالغلول؟ فما بهذه الطيرقة تورد الإبل يا سعد!
يا ليتهم استشعروا حرمة هذا البلد الآمن، وأهله الأمجاد الطيبين الساجدين الشاكرين، أما هنئوا بنعمة الأمن والاقتصاد والصحة ومرافق الخير والعلم والراحة في موطن السعادة؟ أما علموا أن الجائع في الأمن ينام وأن الخائف يحرم لذة نومه في شبعه، أم أنهم ينظرون بعين دون أخرى؟
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
كما أن عين السخط تبدي المساويا
إذاً لابد من الاهتمام بضمائرنا مع ربطها بحبل الله المتين والاعتصام به، فهو السد المنيع الواقي من الأهواء والأدواء.
|