في هذه الأيام نواجه تيارات قوية مختلفة في المذاهب، والاتجاهات، والأفكار بسبب الانفتاح على العالم الخارجي، ودخول ثقافات متعددة من كل حدب وصوب، منها ما هو ضار ومنها ما هو نافع، ومع سهولة الاطلاع عليها تلاشت بعض الهويّات الإسلامية، واختلط الحابل بالنابل، ونحن في هذا البلد المبارك مجتمع مسلم له هويته وثقافته وخصوصيته التي تميزه عن سائر المجتمعات، ومع ذلك بدأنا نلمس تغيراً لدى أفراد المجتمع من حيث الابتعاد والانسلاخ من هوية المواطن السعودي المسلم إما عن طريق الملابس وإما السلوك والتصرفات، أو الألفاظ والكلمات الأجنبية، أو الانفتان بحياة الغرب والتقليد الأعمى لهم، حتى وصل الأمر بالبعض إلى الإعجاب بكل ما هو غربي دون تمحيص، وتلحظ هذا بالمدارس والشوارع والأسواق، وكل أمة تريد البقاء والقوة لا بد لها من الاعتزاز بثقافتها والتمسك بهويتها المستمدة من أسلافها لأن في ذلك مصدر قوة وعزة لها، ومن هذا المنطلق فقد أصبح من الضروري ومن الأمور الملحّة الحفاظ على الهوية السعودية المسلمة التي تتميز بالوسطية وهذا لا يتم إلا من خلال تلك البرامج المركزة والمكثفة على شريحة الأطفال والناشئة فهم أمل المستقبل ورجاله، ولأنهم الأكثر تأثراً، واستجابة لكل غريب وجديد، والأكثر تقليدا دون تمييز، ولديهم القدرة على تلقي المعلومات سريعاً سلبية كانت أم ايجابية ومن ثمّ محاكاتها.
وبالنظرة السريعة لواقع أطفالنا يلاحظ عليهم التأثر بالثقافات الخارجية ومحاكاتها - وهذا خلل يؤثر على المدى البعيد - وقلة المعلومات عن وطنهم، والإدمان على الرسوم المتحركة والأفلام المليئة بالمخالفات الشرعية والإنسانية التي تدعو إلى العنف والعري والانسلاخ من القيم والأخلاق، وهذا بلا شك يؤثر سلبا على هوية الطفل السعودي المسلم، فكم من طفل شاهدناه وقد تخلى عن هويته السعودية الإسلامية بتصرفاته البريئة المقلّدة وهو لا يعلم خطر ما صدر منه. إننا في هذه الأيام نمر بمرحلة خطيرة وحسّاسة لابد من الثبات على الهوية والاعتزاز بها فهي المحك الحقيقي لإثبات الوجود، وإعلامنا لم يقدّم شيئا يذكر فيه فائدة لأطفالنا فلذات أكبادنا سوى ترفيههم بتوم وجيري، فما يتابعه أطفالنا من خلال القنوات الأجنبية أو التجارية الكرتونية وغيرها لا يغرس فيهم العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة والقيم والمبادئ السليمة ولا يربي فيهم الانتماء وحب الوطن ولا سعة الثقافة والاعتزاز بالتاريخ وبطولات الأجداد، فقد ثبت بالدراسات العلمية أن الطفل يمكث أمام التلفاز ساعات طويلة في متابعة الرسوم المتحركة التي أكدت الدراسات ضررها من الناحية العقدية والأخلاقية على الأطفال، والتي تم نشرها في هذه الجريدة الغراء يوم الجمعة الموافق 27-5-1427هـ عدد 12321 تحت عنوان (دراسة علمية تؤكد: الرسوم المتحركة المستوردة أكبر خطر على عقائد أطفالنا).
ومن هذا المنطلق كان من الضروري هذه الأيام بث قناة خاصة بالأطفال من أهم أهدافها التعليم والترفيه - فالتعليم بالترفيه اثبت نجاحه - ويتم من خلالها غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلوب الأطفال وتعليمهم الأخلاق والقيم والمبادئ الفاضلة، كما تعرّفهم على معالم وطنهم، وقدراته، وخيراته، ومكانته، وتنمي فيهم الانتماء وحب الوطن والاعتزاز بهويتهم السعودية الإسلامية بأسلوب مسلٍّ وترفيهي يناسب مرحلتهم العمرية، إن كثيرا من العبادات (كالمحافظة على الصلوات، واحترام بيوت الله، وبر الوالدين، وغيرها) والأخلاق الفاضلة التي نحن بأمس الحاجة إليها هذه الأيام (مثل الصدق، والأمانة، والحوار الهادي، وتقبل الرأي الآخر واحترامه، وحسن المعاملة، والتعاون، والتراحم، والحفاظ على الممتلكات العامة) والتعرف على قصص الأنبياء وسيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والسلف الصالح، وحب اللغة العربية وإتقانها نستطيع إكسابها وغرسها في نفوس الأطفال عن طريق هذه القناة بالتسلية والترفيه، والبرامج الهادفة الملائمة لمراحلهم العمرية والمنتجة بشكل جذاب ومتقن إما رسوما كرتونية وإما تمثيلا محببا لنفوسهم، فنحن ولله الحمد دولة قوية لدينا الإمكانيات والطاقات والتقنية الحديثة التي تواكب العصر، وإن كان هناك بعض المؤسسات الإعلامية الفردية وبجهد متواضع استطاعت أن تملأ بعض الفراغ لدى الأطفال بالنافع المسلّي، فما بالك لو تبنّى هذا الأمر مؤسسة حكومية مدعومة كوزارة الثقافة والإعلام؟ فمتى خرجت هذه القناة بثوب جذّاب تنافس بقية القنوات وفيها من الإبداع والتشويق والتجديد ما يجذب ويحبب الأطفال إليها، فستغنيهم بإذن الله عن متابعة القنوات الكرتونية المليئة بالخرافات وإضاعة الأوقات والتي تربيهم على التعلق بشخصيات وهمية كبات مان، وسوبرمان، وبباي، وتزرع فيهم السلوك العدواني، والسير في الحياة بلا هدف، وتشل عقولهم عن التفكير، وتبلد إحساسهم، وتحفظهم من مشاهدة أفلام الرعب، والعنف، والقتل، والجريمة والتحريض عليها، وتكفيهم شر اللقطات الفاسخة الخليعة.
إن الإعلام له دوره المؤثر في عقول ونفوس الأطفال - ولا شك في ذلك - لذا جاءت المطالبة بقناة خاصة للأطفال تكون رافداً معيناً على التربية بالتعاون مع التربية والتعليم ويسيران متوازيين للوصول لبناء شخصية ذات هوية مميزة في العالم.
إدارة التربية والتعليم بالرياض |