ما تزال مشكلة الأعمال الروائية في عالمنا الإسلامي قائمة، أعني مشكلة حدود الحرية في القصة والرواية، ومدى أهمية مراعاة القيم والضوابط الشرعية، وهل يمكن الجمع بين الفن الروائي والالتزام الديني؟
ولعل سبب وجود هذه المشكلة هو انتشار كثير من مذاهب الأدب الغربي بين كثير من أدباء المسلمين، وهي مذاهب ذات أيديولوجيات خاصة بها، تنطلق من واقع الانفلات الغربي من الدين، ومن وجود موجاتٍ (غير أخلاقية) عارمة اكتسحت المجتمعات الغربية حتى أصبحت واقعاً معاشاً يحميه القانون البشري، وتصنعه مظاهر التفلُّت من القيم التي أصبحت سمةً بارزة لكثير من المجتمعات الغربية.
لقد تشبَّع كثير من أدباء العرب والمسلمين في هذا العصر بأفكار وثقافات الغرب، وأصبحت ثقافاتهم ثقافة غربية بحتة، وصاروا تلاميذ لمدارس الأدب الغربي على اختلاف اتجاهاتها وأهدافها.
وهنا نشأت عندنا - نحن المسلمين - مشكلة (الأدب المكشوف) وأصبحت مشكلة كبيرة بحق، في مجتمع مسلم له دينه الواضح، وله قيمه وآدابه وأخلاقه المنبثقة من هذا الدين الحنيف.
حينما نقرأ لبعض الروائيين وكتاب القصة العرب والمسلمين نشعر أننا أمام فكر غريب، وثقافة وافدة، وأساليب مصادمة لديننا وقيمنا، مع ما في كتاباتهم من جودة فنية تحقق ما يتطلَّبه الفن الروائي من مهارة في الحبكة الفنية، ومقدرة على رسم الأشخاص رسماً منسجماً مع طبيعة الأحداث التي تعرضها أعمالهم.
هكذا بقينا نعاني من مشكلة هذه الأعمال القصصية الخارجة على قيمنا، المصادمة لأخلاق مجتمعاتنا المسلمة.
لقد أثيرت ضجة إعلامية حول الفيلم السينمائي المصري (عمارة يعقوبيان) بسبب ما فيه من المقاطع المنافية للأخلاق الكريمة، والمصادمة لقيم الأمة المسلمة، والمشبعة لأنماط من السلوك المنحرف، وقد حُذف جزء كبير من هذا الفيلم قبل عرضه في الكويت، وأثار ذلك غضب بعض المؤيدين للحرية المطلقة للأديب والفنان، وبعض المتشبعين بثقافة الغرب، وآدابه المتحلِّلة من ضوابط الدين.
ونحن لا نرى في حذف مثل هذا العمل أو في منعه كلّياً غضاضة ابداً، بل هي مسؤولية خلقية لا يصح لنا أن نماري فيها، أو أن نخجل من تطبيقها، والدعوة إليها.
إن رواية عمارة يعقوبيان بما فيها من مظاهر فساد وشذوذ جنسي جديرة بأن نعلن موقفنا منها ومن مثلها بوضوح دون خوف من أحد، أو مجاملةٍ لأحد، فإذا تحوَّلت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي - وقد حصل ذلك - فإن إعلان موقف الرفض لها يكون أوجب، ولا يضر ذلك بحرية الأدب ولا حرية الأديب، فالحرية المطلقة أسلوب حيواني لا يليق بالإنسان العاقل الذي قامت عليه حجة بيان الحق من الباطل والخير من الشر، والخطأ من الصواب من خلال أنبياء الله سبحانه وتعالى ورسله، ومن يتبعهم من المصلحين.
إن الذين يستشهدون من دعاة الحرية المطلقة من المسلمين بالحرية الغربية يتناسون أن رفض الأعمال الروائية والأفلام التي تصادم الدين ما يزال قائماً بوضوح في الغرب، فذلك فيلم (شيفرة دافنشي) والرواية التي هي أصل الفيلم لاقت هجوماً عنيفاً جداً في أمريكا وأوروبا، ورفضاً قوياً لعرضه على شاشات التلفاز، فلماذا لا يصف أتباع الغرب من المسلمين هذا الرفض الغربي بالعنف والانغلاق؟.
إن من حقِّ كل مسلم ومسلمة، يعرفون ربَّهم معرفة صحيحة، ويعرفون دينهم وتعاليمه، وشرعه الحكيم، أن يرفضوا كلَّ عملٍ منحرفٍ بلا تردُّدٍ، فهذا جزء من واجبهم تجاه دينهم، ومجتمعهم وأمتهم.
إن الانحراف الهائل عن جادَّة الحقِّ في عالم الغرب لا يُعدُّ تقدماً ولا تطوُّراً، بل هو تخلُّف وتراجع وانهزام، فما أجدرنا ببيان الحقِّ وما أحوج أمتنا إلى ذلك!
إشارة:
أفلا يكون الفنُّ إلاَّ عِرْقاً من الأهواء يُفْصَدْ |
www.awfaz.com |