التحية والاعتراف بالجميل لجريدة العلم والأدب والفن، جريدة الشمولية والتنوع بإصداراتها وملاحقها المجانية (الرقمية، والثقافية، ومجلة الجزيرة) إنها الجريدة التي تحمل اسم مهد الدين والعروبة، إنها المنبر المفتوح للفكر والرأي وللحوار والنقاش.
الشكر المتواصل لكل من يساهمون في إخراجها في طلعتها البهية كل بزوغ شمس طريّة شهية، وعلى رأسهم رئيس تحريرها الأستاذ خالد المالك.
يشدني وعموم القراء كل جديد على صفحات جريدة الجزيرة الغراء، وأتابع ما يكتب عن لغتنا العربية الخالدة، كمقالة د. حمد بن محمد الفريان: (الغيرة على اللغة العربية فضيلة) صفحة الرأي الخميس 24-6- 1427هـ ومقالة الأستاذ د. أحمد بن محمد الضبيب (استعمال المفردات والتعبيرات الأجنبية هل هو تلاقح حضاري أم استلاب؟) صفحة عزيزتي الجزيرة الأحد 19-7-1427هـ.
وبما أنني من أبناء هذه اللغة الفاضلة ومن محبيها المخلصين ومن المتخصصين فيها وآدابها؛ فلا عذر لي في ترك مشاركة الأساتذة الكرام الذين يهمهم أمرها ويذبون عنها باعتبارها لسان الدين ورباط القومية ولكونها لغة إنسانية كبرى تحوي أعظم وأفضل وأحكم تراث فكري أدبي إنساني عرفته البشرية.
وإننا لنتساءل: ما بال بعضنا - وهم للأسف والجزع في تكاثر - يكرهون لغتهم العربية الجميلة ويهملونها ويتركون مفرداتها وألفاظها وتعابيرها السهلة العذبة تتساقط ميتة، ويتشوقون للمفردات والمصطلحات والجمل الأجنبية من كل لغة يرقعون بها رداء العربية الفصفاض بعد أن بقروه ومزقوه!!
أن يتعلم المرء لغة أو أكثر بجانب لغته الأساسية فهذا فضل وزيادة في العلم. أمّا أن يهجر ويضيِّع لغته التي رضعها مع ثدي أمه وترعرع بها فذلك العقّ والسذاجة والخسران المبين.
كل أمم الأرض شغوفة بلغاتها وتتحمس لها وتحافظ عليها وتعلي شأنها وهي لغات دون العربية في كل الجوانب والخصائص والمزايا.
هؤلاء اليابانيون لغتهم في غاية الصعوبة والتعقيد ورسمها مضرب المثل في الصعوبة وهم أمة متطورة - بمنظور من يرى التطور في الصناعات فقط - فهل أضاعوا لغتهم أو استبدلوها بلغات الغَرْب.؟!
وهؤلاء الصينيون والكوريون والروس والألمان وهلم جرا حتى أضعف الأمم في العدد والعدة، كل تلك الأمم والشعوب لم تتخل عن ألسنتها ولم تتهاون بها، وهي كلها لا ترقى إلى سمو العربية وشرفها وفخامتها وكمالها وجمالها حرفاً وجرساً ومعنى وعمقاً ورسماً. ولا تقارب العربية في أصالتها وبيانها وبلاغتها وسعتها وإعجاز تصويرها ودلالاتها الحقيقية والمجازية كل ذلك معروف مشاهد وبشهادة أهل الاختصاص من غير أهلها من علماء اللغات وأرباب صناعة الخطوط.
لقد أحيا اليهود لغتهم العبرية وهي لغيّة شرذمة قليلة العدد والشأن، لغيّة باهتة ميتة لا قوام لها ومع ذلك أحيوها بجهود فردية ثم تكاتفوا على ذلك، وكان بإمكانهم أن يكتفوا بلغات الأمم الأوروبية التي يجيدونها. ولكنهم لم يركنوا إلى التخاذل والانهزامية وبذلوا المستحيل حتى أحيوا لغتهم العبرية لتكون لهم لغةً قومية مشتركة ذلك لتقديرهم أهمية اللسان القومي الموحد في الجمع والترابط الانتمائي.
وبعضنا يتساهل ويهمل وينبذ بل ويزدري ويكره ويميت اللسان العربي الذي اصطفاه الله ذو العزة والجلال وانتقاه وهو اللطيف الخبير بعباده ليكون أبلغ وأفضل ترجمان لمعاني ومقاصد الشرع المحكم المطهر.
كيف نضيِّع لساناً شريفاً أيده الخالق سبحانه؟! كيف لا نريد لساناً تكلم به أسلافنا وأجدادنا منذ ألوف السنين؟! نعم أقول ألوف السنين فتاريخ العربية ضارب في أعماق الزمان، وليس في العالم اليوم لغة يفهم أهلها بكل وضوح ما نطق أسلافهم القدماء من الشعر والحكم والأمثال والوصايا منذ ما يقارب الألفي عام أو يزيد إلاّ اللغة العربية.!!
وكل اللغات أرضية، أما العربية فهي لغة السماء والأرض فقد أوحى بها الله تعالى إلى نبيه العربي القرشي، وأنزل الله بها القرآن العظيم الكريم قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وهي التي تكلم بها أشرف خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وتكلم بها صحابته وتابعوه وبها بلغوا ونشروا أشرف الرسالات السماوية.
وقد نطق بها حكماء الجاهلية والإسلام وسطروا بها أبلغ الحكم والأمثال وبها صاغ شعراء الجاهلية العظام وشعراء الإسلام الكرام أسمى مراتب المشاعر والأحاسيس.. قصائد يرويها الزمن ويرددها بفخر واعتزاز.
والعربية الخالدة لغة عالمية قد تكلم بها كل العالم المتحضر أجمع من شرق الصين إلى ما وراء جزائر الخالدات غرباً. بل دونوا بها أفانين العلوم والآداب والمعارف الإنسانية. والعربية يتعبد بها كل المسلمين في جميع أصقاع المعمورة بل وفي الماء وفي الهواء وستظل كذلك ما شاء الله إلى يوم القيامة.
والعربية قد شهد وأشاد بفضلها وسموها وروعة أسرارها وكمال ألفاظها وتراكيبها، وحلاوتها وطلاوتها وإعجاز وفضل بيانها الكثيرون ممن تعلموها من أهل العقول الراجحة والمنصفين من أساطين العلماء والمستشرقين.
كيف لا يخجل من يتهاون منّا أبناء العرب بلغته المباركة، كيف لا يخاف الله من يتحامل على هذه اللغة من أبنائها وهو يعلم أنها لغة الشريعة العالمية ولغة آبائه وأجداده ألا يدري أن ذلك يؤدي إلى الكفر والعقوق.؟!
والله لو كانت لغتنا العربية المفخرة لغيرنا من الأمم لباهى بها العالمين ولجعل حبها وتعلمها وتعليمها والدفاع عنها فرضاً وواجباً دينياً وقومياً لا يفتقر التقصير فيه، ولسن لتنفيذه أصرم القوانين وأروع الجزاءات.
إن الغرابة والعجب والاستنكار لموقف من يتنكرون للغة العربية، ويجعلونها سبباً للتأخر المزعوم في الأمة العربية، ما ذنب هذه اللغة الكريمة وهي لسان حالهم ومنطق دينهم وأمتهم، هؤلاء الذين يطالعوننا في مختلف وسائل الإعلام وفي الأندية والمحافل بل وفي المجالس العامة وفي المدارس ودور التعليم ومؤسساته - وهذا أمر جلل - بل وفي مختلف الممارسات والمعاملات الحياتية العامة يظهرون صنوفاً من الإهمال والتنكر بل يصل الهوان باللغة العربية إلى الاحتقار والزراية والكره والعداوة، ويتعداها من بعضنا إلى الأمة التي تتكلمها إلى أمة العَرَب حاملة لواء شرع الله المقدس أمة الأدب والفكر الزكي إن بيننا أناساً - مخدوعين - يرون أن الشهرة والإعلان عن الذات وتمام الثقافة إنما هي بغمس القلم في حبر ملوث مشبوه وتلطيخ الصحائف البيض النزيهة لأمتنا العربية الأبية ولسانها الشريف. افتحوا عيونكم وآذانكم أيها الأكارم وستجدون طروحات ظاهرها الإصلاح والبراءة وباطنها الهدم والكراهة بل ستجدون أشياء صريحة مكشوفة.
اللغة - أيّ لغة - أيها الأفاضل لها حرمة وقدسية وإكرام عند أهلها خاصة. إنها من جنس العرض أو هي بعضه فهي قوام الأمة وأفرادها ولسانهم الناطق المبين عما في ذواتهم وهي اللحمة لترابطهم وهي الرباط الضام لوحدتهم وكينونتهم. إن التعدي على اللغة - أي لغة - أو التفريط فيها من عظائم الأمور وأبشع الجنايات وهو إضعاف وهدم لبنيان الناطقين بها.
وإذا كان هذا الكلام يصدق على كل لغة في أمتها فإنه في أمتنا العربية وفي لغتها المشرفة أوثق وأصدق. كيف لا يكون كذلك وهي اللغة المباركة التي اصطفاها خالق الكون وموجد الشعوب والأمم، وجاعل لكل أمة لساناً خاصاً بها يتناسب مع ما يعلمه سبحانه في كل أمة وفي كل لغة وهو العليم الخبير.
إن الاهتمام باللغة العربية تعلمها وتعليمها والدفاع عنها فرض ديني قبل أي اعتبار، ذلك أنها لغة القرآن الكريم ولسان الدين القويم ومفرداته وألفاظه وجمله وهي عماده فلا إسلام من غير اللسان العربي المبين.
إن من يستبدل المفردات والتعابير العربية بأخرى أجنبية - كما يحصل اليوم بكثرة مخيفة، وهو يعلم ما يصنع فهو عاق متنكر جافٍ لدينه ولغته وأمته ويتوجب ردعه عن غيّه، وإن كان لا يعلم وإنما يقلد غيره دون وعي لخطر ما يفعله فلا يعذر أهل الكفاءة ممن يسمعه أو يقرأ له أن ينبهه ويبين له أبعاد ما يفعل.
إن ما يضيع من المفردات والدلالات بل والمواد العربية العميقة العريقة لا حصر له وما أصعب رده، وعلينا جميعاً الانتباه لذلك.
من ذا الذي يفرّط في كلامه الجميل الأصيل ويستجدي رطانة يلوكها لا تمت له ولا لدينه ولا لأهله وذويه ولا لأصالته وثوابته بصلة.؟!
من ذا الذي يجلب لنفسه ولقومه الخَرَس.؟!
إن من لا لسان له لا منطق له ولا حجة ولا حضور ولا احترام بين الأمم .. إن جميع أشكال الممارسات السلبية - من أبناء الأمة العربية تجاه أمتهم ودينها المطهر ولغتها الشريفة، هي التبعية العمياء الصماء.
عبد الرحمن حمد السنيدي التميمي محافظة شقراء ص ب 73 الرمز 11961 |