قضية المبتعث السعودي حميدان التركي تذكرنا بقصة مشهورة مذكورة في تاريخنا الإسلامي ومفادها أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه اختصم مع يهودي عند القاضي شريح في درع كان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وجلس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بكل تواضع مع خصمه اليهودي جلس مع خصمه وهو يعتبر الآمر الناهي في الدولة الإسلامية والحاكم لهذه الدولة أي ما يسمى في عصرنا الحالي برئيس الدولة وعندما ادعى رضي الله عنه أن الدرع له سأله القاضي شريح هل لديك شهود على ملكية هذا الدرع فقال له ليس لدي أحد إلا ابني الحسن فسأل اليهودي فقال اليهودي الدرع لي وهو معي الآن فقضى القاضي بأن الدرع لليهودي وليس لأمير المؤمنين فرضي علي بهذا الحكم وعندما أراد أن يذهب تأثر اليهودي من هذا العدل الذي لم يفرق بين أمير المؤمنين وهذا اليهودي غير المسلم وقال الصحيح أن الدرع لأمير المؤمنين وليس لي وأنا أخذته منه وأمام هذا الموقف أعلن اليهودي إسلامه، وهذا هو الإسلام الذي جاء بالعدل بين الناس مهما اختلفت جنسياتهم أو ديانتهم أو ألوانهم، وقد سمعنا كثيراً بالعدالة الأمريكية عبر وسائل الإعلام المختلفة لكن بعد الحكم على حميدان التركي بثمانية وعشرين سنة تساءل المسلمون وهل ثبتت تلك التهم عليه فعلاً؟ وإذا ثبتت تلك التهم فهل تناسب هذه المدة الطويلة من السجن؟، وهل مثل هذه الأحكام صدرت على غيره من غير المسلمين، ومنشأ هذا التساؤل والاستغراب هو أن المسلمين قد اعتادوا على العدل مع كل متهم وهم يعلمون تمام العلم أن الشريعة الإسلامية التي جاءت من لدن حكيم خبير وجاءت صالحة لكل البشر وأن الله تعالى قد أمر بالعدل ونهى عن الظلم حتى لو كان مع غير مسلم وحتى لو كان مع شخص يبغضه القاضي لقول الله تعالى آمراً بالعدل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (سورة المائدة: 8) كما أنه سبحانه قد حرم الظلم على نفسه وبين عباده فقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي (ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) ولذلك فإن من المتقرر عند المسلمين أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وأن الأصل هو البراءة الأصلية بمعنى أن التهم لا تثبت ضد المتهم حتى يعترف بها أو يشهد شهود عدل بأنه فعل ذلك الفعل وإذا كانت التهمة في حق من حقوق يستلزم حدا شرعيا كالزنا أو شرب الخمر أو السرقة الحدية أو الردة أو البغي عند بعض العلماء وهي ما تسمى بالحدود فإن هذه التهم تسقط بمجرد وجود شبهة في القضية سواء في الاعتراف أو في الشهادة أو في الحكم الشرعي كأن يكون فيه خلاف مثلاً لأن القاعدة الشرعية أن الحدود تدرأ بالشبهات ولما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم) صححه الإمام الألباني رحمه الله كما أن هذه الحدود هي من حقوق الله تعالى وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وهذا يبين بوضوح أن التعذيب للمتهم ليس مقصودا في شريعة الإسلام لكن المقصود هو حفظ الحقوق وأن يؤدي الإنسان أوامر الله تعالى فيقوم بالواجبات وينتهي عن ما نهى الله عنه فهي بمثابة التهذيب للمسلم حتى يعود لجادة الصواب ويعتبر غيره بما حصل له. ولهذا تفاجأ المسلمون بالحكم الصادر على المبتعث السعودي حميدان التركي وتمنى الكثير من المسلمين أن يعيد القضاء الأمريكي النظر في قضية حميدان التركي فالمسلمين ليس بينهم وبين الشعب الأمريكي عداء وبعض الشعب الأمريكي هم من المسلمين كما أن المسلمين ليسوا راضين عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لأنها قتل لأبرياء ليس لهم ذنب وهم من المدنيين، وقضية حميدان التركي وزوجته بلا شك جعلت الكثير من المسلمين يفكرون ألف مرة قبل أن يرسلوا أبناءهم أو يذهبوا هم وأسرهم إلى أمريكا خشية أن يقع لهم مثل ما وقع لحميدان التركي وزوجته وأبنائه.
أسأل الله تبارك وتعالى الذي إذا دعي أجاب أن يرد أخانا حميدان التركي إلى وطنه وأهله وأحبابه وأن يجمعه بهم قريبا وأن يرد جميع إخواننا المسلمين الموقوفين في أمريكا إلى أهلهم وذويهم وأن يجعل ما أصابهم رفعة لدرجاتهم وتكفيراً لسيئاتهم إنه خير مسؤول، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
nhalotibi@uae.us |