عبدالسلام محمود القرعاني
كتب هربرت متجانج في نيويورك تايمز في مايو 1990، في صفحة كتب الزمن: إن أجمل عبارات ذكية في شعر السيد أودن في سبتمبر من عام 1939 حين أطلق على حقبة الثلاثينيات في الولايات المتحدة صفة حقبة انعدام الأمانة والمصداقية. وفي أشهر كُتب الثمانينيات بعنوان (أسوأ سنوات في حياتنا) علقت الكاتبة السيدة بار برا اهرنرك عن حقبة الثمانينيات بنعتها باسم حقبة الطمع. ويقول السيد ريتشارد مكنزي في مجلة جامعة كلفورنيا ارفن عن حقبة الطمع: إن الثمانينيات كانت حقبة الانفتاح الاقتصادي وإنها فترة نمو اقتصادي وارتفاع في معدلات الإنتاجية. ولكنه يعترف بأن الدين العام قفز بشكل كبير جداً وأن ديون الشركات أصبحت مرهقة مقابل انخفاض في الضرائب ومقابل تدني في الضمانات وفقدان مليون وظيفة صناعية. ولكن هذه النتيجة كانت طبيعية لكي تستمر الصناعات في المنافسة. أما جيمس هجن فقد كتب في مجلة معهد كليرمونت في يوليو 2002 بعنوان حقبة الطمع الحقيقية حيث قال: إن حقبة التسعينيات كانت حقبة جيدة لتطبيق سياسة أن تصبح غنياً بسرعة. فالذين ملكوا أسهماً في شركات ومن هم داخلها وأصدقاؤهم والذين اكتتبوا أو ملكوا أسهماً في هذه الشركات قبل طرحها في السوق للاكتتاب العام أصبحوا أغنياء.
وبالعودة إلى عنوان الموضوع.. وهو علاوة الإصدار.. ذلك اللغز المحير الذي لم أستطع أن أجد له معادلة رياضية، أو قاعدة محاسبية معروفة في ظروفنا الاقتصادية الحالية. بحيث يمكننا أن نعرف حجم علاوة الإصدار قبل الترخيص للشركة بطرح أسهمها للاكتتاب العام وذلك حال الاطلاع على آخر قوائم مالية معلنة، وإلا تضل حتى آخر لحظة من قبيل المفاجآت إلى الدرجة التي يضطر فيها بعض متعهدي الاكتتاب رفض قبول هذه المهمة ما لم تعدل هذه العلاوة لما فيها من مبالغة غير مقبولة. وهذا الموقف يذكرني بالمكاتب العقارية ذات الخبرة الجيدة بأنها ترفض قبول عارض البيع إذا كان سعره غير منطقي ولا يتناسب وسعر السوق.
ورغم أن الأنظمة المحلية مثل معايير المراجعة التي وضعتها الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لم تتطرق بعد لهذا الجانب الحيوي من حياة الاستثمارات ومستقبلها، أو الأنظمة التنفيذية التي سنتها هيئة سوق المال رغم أنها أدرجت مجموعة من عناوين الأنظمة التطبيقية التي هي تحت التطوير. وبالرجوع إلى موقع الهيئة الالكتروني فإني لم أستطع أن أجد أي مناقشة لموضوع علاوة الإصدار. كذلك فإن نظام هيئة الأوراق المالية والسلع في القانون الاتحادي الإماراتي رقم 4 لعام 2000 لم يناقش هذه الظاهرة.
وفي هذا الخصوص كتب الدكتور عبدالرحمن محمد السلطان بعنوان كيف تتضخم علاوة الإصدار في 27-7-1427 ما مفاده أن علاوة الإصدار في المملكة تتحدد من مكررات الربحية، التي هي في الأصل لن ترتب أي تكلفة على الشركة، مثل الضرائب وغيرها من الالتزامات الأخرى، ولذا فمن السهل أن تقوم الشركة بتضخيم حجم أرباحها أو مبيعاتها وبالتالي نتائج أعمالها. وقد أشار الدكتور السلطان إلى فضيحة مكتب آرثر اندرسون مع شركة انرون في عام 2001 التي نتجت عنها خسائر هائلة بدلاً من مستقبل مشرق.
ومهما كانت العوامل والأسس فإن طرح شركة قائمة سواء كلها أو جزء منها للاكتتاب العام لا يخرج من منطق إدخال شركاء جدد في شركة قائمة. وأنا لا أريد أن أخوض في المبررات المالية والقانونية لذلك، ولكن سأكتفي بأننا قبلنا إدخال شركاء جدد مع شركاء قدامى. وإن هذا الأمر قد حددت الأصول المحاسبية المتعارف عليها أسسه بشكل ثابت، وهو يتطلب مرحلتين: الأولى: تتمثل في أهمية التحديد العادل لقيمة الشركة في تاريخ التحويل. وثانياً: اختيار الأسلوب العادل لتحديد عناصر أصول الشركة ومعالجتها. ومن هذا المنطلق فإن علاوة الإصدار يجب أن تتناسب والقيمة العادلة للشركة وفقاً لتقديرات السوق. وأي فرق ناتج بين القيمة المباعة وبين القيمة السوقية للشركة فيعتبر قيمة شهرة المحل. إذاً يمكننا القول إن علاوة الإصدار في جميع الأحوال هي مقابل شهرة المحل أو أصول غير ملموسة أخرى. وعموماً فإن هناك أربعة أساليب من احتساب قيمة شهرة المحل:
الأسلوب الأول: احتساب الفرق بين القيمة السوقية والقيمة المدفوعة:
ولتوضيح الصورة في هذه الحالة فأورد المثال التالي:
نفترض أن مجموعة من الناس قاموا بشراء شركة بمبلغ 1000 ريال وأن أصول الشركة الثابتة = 890 ريالاً
أصول غير ملموسة:
براءات اختراع: 14
امتيازات 16
اجمالي الأصول 920
- الخصوم 120
صافي قيمة الشركة الحقيقية 800
الفارق يعتبر شهرة محل 200
يلاحظ أن شهرة المحل جزء من أصول المنشأة الجديدة، ولا يمكن إقفالها إلا من خلال الإطفاء التدريجي وفقاً لسياسات الشركة المحاسبية.
الأسلوب الثاني لاحتساب شهرة المحل:
رأسمالة الأرباح أو الدخل المتوقع:
بهذه الطريقة يمكننا احتساب شهرة المحل كأحد أهم عنصر في تحديد علاوة الإصدار من خلال احتساب الفرق بين قيمة الأصول الحالية وقيمة الأصول المتوقعة، التي ستعالج بأنها شهرة محل وفي هذه الحالة نحتاج إلى التعرف على العائد الطبيعي على الاستثمار ومتى ما تم ذلك نستطيع مقارنته بالدخل المتوقع ويتم احتساب شهرة المحل على أساسه.
وللشرح أورد المثال التالي:
شركة ذات متوسط دخل يساوي 10000 ريال
المعدل القياسي السائد للقطاع 12%
إجمالي الأصول المطبقة تساوي 10000 /12%= 83.333
ولو علمنا أن حجم الأصول متوقع عند 50.000 ريال
إذاً فإن شهرة المحل هي الفرق ليصبح 33.333
الأسلوب الثالث:
راسمالة الدخل الفائض:
وهذا يتطلب اختيار معدل عائد معين ليطبق على العائد على الاستثمار، وهذا هو معدل الرأسمالة المحدد، ثم يجب افتراض أن هذا المعدل السنوي يطبق لاستعادة الأصول الثابتة الناتجة من العائد الإضافي. وبطبيعة الحال يجب أن يكون المعدل الخاص أو الافتراضي أعلى من المعدل القياسي أو السائد. ذلك أن المخاطرة تكمن في عدم القدرة على الاسترداد نتيجة لعدم القدرة على تحقيق معدل يفوق المعدل القياسي. وكلما كانت المخاطرة متوقعة كلما كان المعدل الافتراضي أعلى بكثير من المعدل القياسي أو السائد.
ومثال هذه الحالة نورده في التالي:
متوسط الدخل السنوي المتوقع 10.000 ريال
العائد وفقاً للمعدل السائد هو
50.000*12%= 6000
الفرق يساوي الدخل الإضافي وقدره 4.000
إذا العائد الإضافي يرسمل عند المعدل المتوقع وهو 20%
وعليه يكون حساب الشهرة 4000- 20%=20000 ريال
الأسلوب الرابع:
احتساب قيمة شهرة المحل بطريق احتساب سنوات الاسترداد:
وهذه المعالجة المبسطة تتم من خلال ضرب عدد سنوات استرداد قيمة شهرة المحل في قيمة الكسب الإضافي.
ومثاله بنفس الافتراضات:
متوسط الدخل المتوقع 50.000*20%=10.000
العائد السائد 50.000*12%=6.000
فائض العائد 4.000
المدة المتوقعة للاسترداد هي 5 سنوات *5
قيمة شهرة المحل المتوقعة 20.000 ريال
وفي أحيان كثيرة تستخدم معادلات محذورة خصوصاً تلك التي تستبعد معالجة الإيرادات المتوقعة المعالجة السليمة قبل إدخالها للمعادلة مما ينتج عنه تضخيم لقيمة شهرة المحل، ومثال ذلك:
الإيراد السنوي المتوقع 20.000
سنوات الاسترداد 5
القيمة المقدرة لشهرة المحل 100.000
وهذه الطريقة تجعل عدد السنوات المضروبة في الإيراد المتوقع هي الأساس في تقدير حجم شهرة المحل.
لماذا نهتم بدراسة قيمة شهرة المحل في موضوع قياس خطورة احتساب علاوة الإصدار؟
من المهم للمساهمين الجدد أن يقفوا على حقيقة أن شهرة المحل ملتصقة دائماً بالأصول المعنوية وغير الملموسة، وهي التي يمكن أن يكون لها دور في احتساب صافي قيمة الشركة أو ما يمكن أن يحدد صافي حقوق ملكية الشركاء الأصليين. وعلى هذا الأساس فإن مجموعة من الحقائق يجب ألا تغفل عند التعرض لاحتساب الأصول غير الملموسة أو إعادة تقييم الأصول الملموسة، ومن هذه العوامل: أولاً: طول عمر المنشأة. ثانياً: نوعية الصناعة وهل تندرج تحت براءات الاختراع والتطوير المتميز مثل بعض شركات الأدوية أو برامج الحاسبات الآلية. ثالثاً: ملكية الأراضي، خصوصاً إذا علمنا أن النظام في المملكة يبقي على الأراضي المستثمرة في بعض القطاعات مثلاً ملكاً للدولة، إضافة إلى أن صيانة المعدات مثلاً وعدم كفايتها يجعل الإسراع في عمليات الاستهلاك أمراً لن تستفيد منه الشركة المطروحة للاكتتاب. وعلى هذا الأساس فلن يتبقى من عناصر ذات تأثر على احتساب علاوة الإصدار سوى تقييم شهرة المحل وما يندرج تحت الأرباح المستقبلية المتوقعة. وهو موضوع غير مجد طالما بالإمكان تأسيس منشآت منافسة أو مكملة لحجم الطلب ما وجد جدوى من إقامة مثل هذه المشاريع. وإن توزيع المخاطرة هو أقرب للنفع العام من التوجه للاحتكار. من ناحية أخرى، وإذا كانت الأرباح المبقاة في الشركة قد ضخمت بطبيعتها حجم، رأس المال المستثمر في بداية قيام الشركة فإن التقييم لحجم الاستثمار الجديد قد حصل آلياً دون تدخل، ما لم يقابل التضخم في حجم رأس المال مبالغ نقدية أو حسابات بنكية أو ما في حكمها وظهور قروض وما في حكمها. ففي هذه الحالة فإن الوضع يحتاج إلى تعمق أكبر في تحديد القيمة الحقيقية للشركة.
وبشكل أقرب للواقع فإني أورد هذا المثال:
حقوق المساهمين 10000 ريال
قروض 8000 ريال
نقدية بالبنك 9000 ريال
الأصول الثابتة 9000 ريال
ولذا فإن البيانات المالية المذكورة أعلاه توضح الحقائق التالية:
1- مجموع حقوق المساهمين 10000 ريال
2- إجمالي المطلوبات 8000 تقريباً
3- ومن هنا يمكن قياس الأصول بعد استبعاد مبلغ 9000 عبارة عن نقد وما في حكمه وهي تمثل الأصول الإنتاجية للشركة.
5- يتضح أن القروض هي قروض غير مستغلة.
ولو افترضنا أن إنتاجية الأصول كانت عند متوسط 20% فسيكون اجمالي المبيعات بافتراض المبيعات مساوي للإنتاج فسيكون:
9000*20%=1800
وبافتراض أن تكلفة الإنتاج تساوي 50% مع 10% مصاريف إدارية ومالية فإن صافي الإيرادات سيكون: 1800-(9000+180)=720
العائد على الاستثمار سيكون: 720- 10000=7.2%
وإذا افترضنا أن علاوة الإصدار تساوي 135% من قيمة حقوق الشركاء فإننا بحاجة إلى أن نطبق الأسلوب الأول:
لتصبح قيمة الشركة = 13500+10000=23500
أصول ملموسة 9000
- قروض 8000
الفرق 1000
شهرة المحل - الأصول غير الملموسة 22500
أما من الناحية التنظيمية وبمراجعتي للأنظمة المنظمة لهذا الموضوع الملاصقة للظروف المشابهة في البلاد العربية فقد وجدت نظام الخرطوم للأوراق المالية يعالج هذا الموضوع بشكل أكثر وضوحاً حيث نصت المادة 45 في البند ج، د، هـ حيث تنص الفقرة ج على أنه يجوز إصدار الأسهم الجديدة بعلاوة إصدار إذا رغبت الشركة بذلك على أن يتم تحديدها من قبل لجنة فنية يشكلها المجلس. ولم يتعرض النظام لأسلوب هذا التقدير. والفقرة د نصت على أن تقيد العلاوات الناتجة من الإصدار عن الفرق بين القيمة الاسمية وسعر الإصدار للسهم في حساب خاص يطلق عليه اسم حساب (احتياطي علاوة الإصدار) كما نصت الفقرة هـ على أنه لا يجوز توزيع هذه العلاوة على المساهمين كأرباح وتسري عليها الأحكام الخاصة بالاحتياطي النظامي.
وأنا إذ أورد هذا الاستشهاد بأنظمة مقارنة فإني أود أن أنوه بأني لم أر في نشرات الإصدار أي إفصاح عن أسلوب وأسس احتساب علاوة الإصدار، كما لم ألحظ أي بيانات توضح مصير علاوة الإصدار رغم أن الفقرة 4332 من معيار الإفصاح يوجب على الشركة إيضاح المكاسب والخسائر المحتملة ومعالجتها المحاسبية، وأن هذا الاغفال يدخل ضمن هذا الإطار.
ورغم أني لن أتمكن من وضع حلول لإشكال قائم فإني أرى أهمية العناية بهذا الموضوع من قبل أصحاب القرار.
والله ولي التوفيق.
|