سألني شاب في إحدى الندوات عن حرب (الفُجَّار) ونطقها بضمِّ الفاءِ وتشديد الجيم، متى وقعت، ولماذا سُمِّيت بهذا الاسم، ومن انتصر فيها؟! فأجبته بأنها تسمَّى حرب (الفِجَار) بكسر الفاء وفتح الجيم دون شدة، وبأنها ليست حرباً واحدة، ولكنها حروب كثيرة حدثت في الجاهلية بين عددٍ من القبائل في أوقات متعددة متباينة، وتنقسم إلى قسمين (أيام الفِجَار الأُوَل) واستمرت سنوات وكانت تحظى بتدخُّل المصلحين قبل أن تستفحل وتشتعل، و(أيام الفِجَار الأُخَر) وهي خمسة أيام في أربع سنوات، يوم نَخْلة، ويوم شَمْطة، ويوم العَبْلاء، ويوم شَرِب، ويوم الحُرَيْرَة، وقد تداعى الناس بعدها إلى السلم وتعاهدوا وتواثقوا.
أما سبب تسميتها بالفِجَار فلأنَّها كانت في الأشهر الحرم، وهي الشهور التي كانت العرب تحرِّم فيها القتال، ففجروا فيها، وقاتلوا، فأطلقوا عليها هذا الاسم.
وذكرت للسائل أسماء بعض القبائل التي شاركت في هذه الحروب، حتى إذا ورد من بينها اسم (الأحابيش) ارتسمت علامات الدهشة على ملامح وجهه وسألني: هل لهم علاقة بالأحباش الذين أسمع عنهم في لبنان وغيرها؟ فقلت له: كلاَّ، فإن الأحابيش شيء والأحباش شيء آخر، قال: وما الفرق بينهما؟ قلت له:
الأحابيش قوم من العرب تحالفوا قبل الإسلام وتعاهدوا بأنهم يدٌ على من سواهم وذكروا في العهد الذي كتبوه ما يلي: (يتعاهد بنو فلان وفلان بأنهم يدٌ واحدة على غيرهم ما سَجَا ليل وما وضح نهارٌ وما رَسَا حبيش) وحبيش الذي ذكروه اسم جبل يقع أسفل مكة، فأطلق الناس عليهم (الأحابيش).
أما الأحباش فهم طائفة ضالة تنسب إلى رجلٍ ضالٍ مضلّ، اسمه (عبدالله الهرري الحبشي، وهي طائفة ظهرت في لبنان مستغلّة الحرب الأهلية اللبنانية أوُّل ما بدأت، ولأن الحبشي هو الذي أنشأها أطلق عليها) الأحباش وعبدالله الحبشي من مواليد مدينة هرر في الحبشة، من قبيلة يطلق عليها اسم (الشيباني) نسبة إلى بني شيبة من القبائل ذات الأصول العربية، وهي طائفة متعصِّبة منحرفة العقيدة، تقوم دعوتها على الخلط بين عددٍ من المذاهب المنحرفة، وقد سُئل عنها الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كما هو موجود في فتاوى اللجنة الدائمة للافتاء فأجاب قائلاً: (إنَّ طائفة الأحباش طائفة ضالة، ورئيسهم عبدالله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم، وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون).
وبهذا يتضح الفرق الكبير بين الكلمتين وهو فرقٌ جوهري، وهنا قال لي السائل: هل تعلم أنَّ الصورة التي كانت في ذهني عن طائفة الأحباش أنهم طائفة صالحة ذات أهدافٍ نبيلة، وأنها تبعد عن التعقيد في مسألة التكاليف وترى أن في آراء الفقهاء والعلماء ما يصعِّب الدين على الناس، وبعد أن أوضحت للسائل حقيقة هذه الطائفة وأرجعته إلى الكتاب القيم الصادر عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي (الموسوعة الميسَّرة في الأديان والمذاهب المعاصرة) قال: الحمد لله الذي أوضح لي الحق، وهداني إلى الصواب.
إشارة
كيف نرجو من سراب كاذبٍ شربة للظامئ المحتضِر |
|