* القاهرة - مكتب الجزيرة - عتمان أنور - محمد حسين:
ألقت الحرب الإسرائيلية على لبنان أوزارها وحان وقت الحساب والمراجعة لكل ما حدث وقيل خلال الشهرين الماضيين وبالتحديد منذ اختطاف حزب الله لجنديين إسرائيليين وما ترتب على ذلك من عدوان غاشم دمر البنية التحتية للبنان الشقيق وبالرغم من دراويش الحروب الذين اكتظت بهم شاشات الفضائيات العربية من المحيط إلى الخليج اللذين راحوا يزايدون على مواقف بلدانهم ويتغنون بنصر غير موجود إلا إن حسن نصر الله أمين عام حزب الله اعترف مؤخرا بأن حساباته لم تكن مضبوطة وهو قال صراحة أول أمس: إن الحزب لو علم أن عملية أسر الجنديين كانت ستقود إلى الدمار الذي لحق بلبنان لما قام بها.
وأوضح نصرالله في مقابلته مع تليفزيون نيو تي في اللبناني أن قيادات حزبه لم تتوقع ولو بنسبة وأحد في المئة أن عملية الأسر ستؤدي إلى هذا الحجم من الدمار، إذن نحن أمام اعتراف صريح من رجل في موقع المسئولية بأن ما قام به نوع من المغامرة غير المحسوبة وهذا يثبت صحة مواقف العواصم العربية ذات الثقل في المنطقة والتي قالت منذ اللحظة الأولى: إن ذلك مغامرة كما أن اعتراف نصر الله يلقم حجرا في أفواه الذين اعترضوا على موقف السعودية ومصر والأردن عندما وصفوا ما قام به حزب الله بأنه مغامرة غير محسوبة. لكن الأحداث أثبتت أن ما قام به حزب الله بالفعل كان مغامرة وهذه هي النتيجة يراها الجنوبيون الآن في البيوت المهدمة والجسور المدمرة. وقد أوضح الخبراء والمحللون السياسيون والعسكريون منذ اللحظة الأولى أن حزب الله فرض على لبنان وبالتالي على العرب حربا لم تكن بالحسبان ولم يكن أحد مستعداً لها والسؤال الدائر الآن: هل يجد حزب الله من يحاسبه أو حتى يواجهه بأخطائه وان وجد ذلك هل سيصغى حزب الله للنصائح أم يظل سادرا في أفعاله لا يلجأ إلى الأمة إلا بعد الأوان؟ وأوضح الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية انه حان الوقت لمناقشة ما جرى مشيراً إلى أن الأيام الماضية شهدت حالة من صمم الأذان لدى البعض مما دفعهم لعدم الاستماع إلى أي رأي يخألف رأيهم لأن التحليل السياسي الرصين وذي العمق المنطقي كان لا يساير الهوي العام الذي ارتفعت سخونته بسبب الجرائم الإسرائيلية على الأرض اللبنانية من ناحية ، والمنطق التقليدي العربي الذي تعود على خلق معايير عربية خاصة لا يعرفها العالم ولا يرعاها علم من العلوم الإستراتيجية . وأضاف سعيد انه على أية حال فقد جرى ما جرى ، وبات على الأمة أن تلملم جراحها موضحاً انه في الوقت الذي حاول فيه بعض الساسة أن يصوبوا الطلقات الكلامية على عدد من الدول العربية لأنها أبت أن تقاد من أنوفها إلى معارك لم تشارك في صنعها ، فإن هذه الدول المتهمة هي التي قادت المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة لكي تنقذ ما يمكن إنقاذه في مشروع القرار الفرنسي الأمريكي حتى يصبح القرار 1701 بالقليل الذي له والكثير الذي عليه من وجهة نظر المصالح اللبنانية . ولا يقل أهمية عن ذلك أن هذه الدول العربية ذاتها كانت هي التي رصدت أموالا حقيقية لإعادة إعمار لبنان للمرة الثانية ، وكانت هي التي قدمت المعونات الفنية لإصلاح ما تم تدميره .
وخلال الأسابيع القليلة الماضية حينما احتدمت المواجهة بالحديد والنار ساد الظن وأشار سعيد إلى أن أحداث الأسابيع الماضية لم تثبت كما أدعى بعضنا إفلاس طريق السلام ، فقد أكد استخدام القوة من ناحيتنا إلى مزيد من احتلال الأرض ، ومن الناحية الإسرائيلية فإنها أثبتت أن طريق الحرب لا يحل المعضلة الأمنية وإنما يضاعف منها ، ولكن العالم العربي عليه أن يتعلم من دروس الماضي هذه المرة ، فلا توجد إمكانية للسلام ما لم يتم فتح حوار جاد حول منجزات وإخفاقات المحاولات السلمية السابقة . وأكّد سعيد انه لن توجد جماعة أو قيادة عربية على استعداد للتخلي عن بوصة واحدة من الأراضي العربية التي جرى احتلالها خلال حرب يونيو 1967 أو خلال الحرب الأخيرة . ولكن على الجانب الآخر فإن علينا أن نتحمل مسئوليتنا الكاملة عن عدم الدفاع عن طريق السلام.
وأضاف انه إذا كان هناك درس نتعلمه من المبادرة العربية والمبادرات العربية السابقة عليها فهو أن المبادرات لا تنفذ نفسها كما أن هذه الحوارات الجادة والشفافة ضرورية ليس فقط أمام الشعوب العربية التي باتت واقعة تحت استقطابات فكرية حادة ، وإنما ضرورية إزاء العالم أيضا لإثبات أننا جادون على طريق السلام .
وإذا كان هناك درس نتعلمه من الأزمة اللبنانية الأخيرة فهو أن هناك تحولات جوهرية في دول العالم ليست لصالحنا للأسف وذكر سعيد بأن تدخل الدبلوماسية العربية في العموم هو الذي خفف من مرارة القرار عند صدوره عندما جاء فيه بالانسحاب الإسرائيلي بالتوازي مع وجود القوات اللبنانية والدولية التي وظيفتها هي منع وجود سلاح آخر غير سلاح الدولة اللبنانية ، كما خففت من وطأة القرار الخاص بقوة الأمم المتحدة عندما جعلتها نوعا من التوسيع لمهام القوة الموجودة بالفعل بدلا من إنشاء قوات جديدة.
وشدد سعيد على أن العالم العربي دفع ثمنا كبيرا لهذا الخلط فمن ناحية كان ذلك سببا في مغامرات غير محسوبة ظن أصحابها أن الشجاعة والقدرة على الإيذاء تكفي لكسب المعارك ، ومن ناحية أخرى فقد أعطت كثيرا من الطغاة فرصة للنصر الرخيص في أمهات المعارك يكفي لبقائهم في الحكم ومن ناحية ثالثة فقد بات ذلك سببا في زيادة جرعة الوحشية والبربرية الإسرائيلية التي نقلت المعارك إلى أقل الأطراف قدرة على حماية نفسها من القصف والضرب بحيث باتت مهمة الحكومات بعد الحرب التعمير وإعادة الإعمار بدلا من التنمية وتصحيح توازنات القوي الحقيقية.
وأوضح الخبير الاستراتيجي أن علينا أن نقف ونشد أزر الدولة اللبنانية لأنه بدون الدولة لا يوجد أمن ، ولا ديمقراطية ، ولا ننسي أن طريق الحرب يبدأ دائما بخطوة واحدة خاطئة في الحساب ، ولا ننسى أن تاريخ الأمة الدامي هو تاريخ من المغامرات غير المحسوبة التي أضاعت أرضها وماضيها ومستقبلها وقال محمد قدري سعيد المستشار العسكري لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن أهم ما كشفت عنه هذه التطورات الخطيرة انهيار آليات السلام في المنطقة تحت وطأة تراكمات من مشاكل قديمة وجديدة تركت لزمن طويل بلا حل .
وظهور محاور إقليمية تشكلت للدفاع عن مصالح ورؤى في خضم تحولات متلاحقة تجتاح المنطقة فضلا عن تنبه متأخر لخطورة استمرار وجود هياكل عسكرية موازية لسلطة الدولة ، زاد عددها ونفوذها عبّر السنين ، ونجحت في التأثير على الشارع والرأي العام ، وهز صورة الدولة والنيل من شرعيتها . إلى أن وصلت -كما في الأزمة الأخيرة -إلى شنّ حروب باسمها أو بوصفها بديلا عنها وأوضح قدري سعيد انه لفهم أبعاد الأزمة الحالية لا بد من تحديد أطرافها المباشرين وغير المباشرين مشيراً إلى أن المشهد الحالي للأزمة يحتوي على أربع حقائق أساسية : أن هناك حربا مفتوحة بين إسرائيل من جهة وحزب الله من جهة أخرى .. والحقيقة الثانية : أن حزب الله على الأرجح هو واجهة تقف خلفها إيران وسوريا وأن البلدين مرشحان لدخول مسرح الأحداث العسكرية خلال وقت قصير إذا لم يتم احتواء الموقف ، والحقيقة الثالثة : أن المجتمع الدولي ليس مستعجلا الوصول إلى وقف للعمليات العسكرية ويحاول أن يترك لإسرائيل الوقت الكافي -وأيضا لحزب الله -لتفعل ما تريد مع المطالبة بتجنب التعرض للمدنيين ، والحقيقة الرابعة : أن الدول العربية المؤثرة في المحيط العربي قد أخذت هي الأخرى خطوة إلى الأمام في مواجهة التنظيمات العسكرية التي تناضل بدلا من الدول أو باسمها ، لقد وضحت الصورة أمام السعودية ومصر والأردن منذ لحظات الأزمة الأولى فكان انتقادهم للمغامرات غير المسئولة ، ومع تطور الأزمة زاد اليقين بأنهم أمام عملية خطف للقضية الفلسطينية بواسطة المعسكر المضاد ، وأن المزايدة بالقضية سوف تستخدم في تحريك الشارع العربي ضد حكوماته بحجة تقاعسها عن كبح العدوان الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية .
د محمد عبد السلام خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أشار إلى أن اعتراف نصرالله بأن ما حدث غير محسوب يدل على أن الحرب الأخيرة مثلت نموذجا نمطيا لما يسمى عادة الانزلاق نحو الحرب وهو نموذج لم يكن أحد يتخيل إمكانية حدوثه ببساطة في منطقة لدى قياداتها خبرة عميقة بخطورة الأوضاع لذا فإن الطرفين قاما بالقفز في الفراغ وأصبح كل منهما يواجه مشكلة تتعلق بفقدان نسبي من جانب كل منهما للسيطرة على سلوكه أو على سلوك الطرف الآخر بحيث أصبحت الحرب ذاتها هي المتحكمة في سلوك أطرافها فمن بدء الأعمال القتالية لا يعرف كيف ينهيها بطريقة تحافظ على تاريخ مشرف يوشك على أن يفقده وحده معين من القدرة على البقاء في اللعبة دون أن يضطر لمواجهة فرقاء الداخل بعنف فيما بعد ومن اندفع في رد فعله الغاشم لا يدري ما هي خطوته التالية سوى مزيد من التدمير في انتظار ظهور راية بيضاء أو التورط في حرب برية لا يرغب فيها وأصبح الطرفان يواجهان ما يسمى معضلة السجناء فكل منهما يعتقد الآن أنه مضطر لما يقوم به وليس لديه خيار سوى الاستمرار فيما يفعله فثمن التراجع أكبر مما يحتمل أو من ثمن الاستمرار إلا إذا وقعت كارثة .
ويرى د. حسن أبو طالب نائب مدير مركز الأهرام للدراسات انه بالرغم من بعض الانتصارات التي حققها صمود حزب الله فإن ذلك لا يمنع أن هناك جوانب أخرى لهذا النصر تكمن في الثمن الذي دفع بالفعل. وهو ثمن مزدوج شقه الأول يتعلق بالحزب نفسه، والثاني يتعلق بالدولة اللبنانية ككل. فبالنسبة للحزب، فقد بات عليه أن يتكيف مع الواقع الجديد الذي فرضه القرار 1701، وهو واقع يتضمن عدة مقومات تقيد من حرية الحركة التي تمتع بها الحزب من قبل، وأبرز هذه القيود على النحو التالي: مسألة ضبط الحدود مع سوريا بهدف منع توصيل الأسلحة للحزب وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب وصولا إلى الخط الأزرق الذي يمثل الحدود المشتركة.
وفي ضوء سياسة الحزب بعدم توجيه السلاح إلى الداخل وإلى رموز الدولة اللبنانية، فإن هذا الانتشار سيؤدى حتما إلى تضييق مجالات الحركة أمام مقاتلي الحزب كما أن توسيع مهمات القوة الدولية اليونيفيل وزيادة عددها أمر ينطوى ضمنا على العديد من القيود العسكرية والسياسية وأضاف أن هذه القيود المتعلقة بحركة الحزب العسكرية في منطقة الجنوب اللبناني، يصاحبها قيود أخرى نابعة من الدور الذي يلتزم به الحزب تجاه أهل الجنوب اللبناني وسكان الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو التزام ذو شقين، الأول العمل على إعادة النازحين لقراهم ومدنهم في الجنوب وتأمين حد أدنى من ظروف الحياة العادية، والثاني تعويض المتضررين ماليا وماديا والمشاركة الفعالة في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة الأمر الذي سيضع على كاهل الحزب أعباء مادية كبيرة في المرحلة المقبلة. وأشار السفير محمد بسيوني سفير مصر السابق لدى إسرائيل إلى أن تداعيات ما قام به حزب الله يثبت صحة المواقف الرسمية العربية مما تم كان بدون حسابات دقيقة للأوضاع الداخلية والخارجية وأضاف بسيوني أن الخطوة التي أقدم عليها حزب الله أعادت خلط الأوراق وفرضت قواعد جديدة للصراع حيث زاد ضغط المجتمع الدولي الآن لنزع سلاح المقاومة بعد أن كانت الأمور قد هدأت في الفترة الماضية كما زادت المطالبات بضرورة إدماج عناصرها في الجيش اللبناني، على أن يتولى هذا الجيش الدفاع عن حدود لبنان وإعلان سيادة الدولة اللبنانية ورغم شعبية المقاومة إلا أن هناك الآن شبه إجماع لبناني على أن الوضع في البلاد فقد الفرصة الدولية التي أتيحت له بعد خروج القوات العسكرية السورية من لبنان إضافة إلى أن الوضع اللبناني المنهك أصلاً وما زال في مرحلة نقاهة وضعته هذه العملية في حالة انتظار وترقب لمدى الانهيار الذي سيصل إليه. ويرى الدكتور محمد عبد اللاه رئيس جامعة الإسكندرية أن ما قاله حسن نصر الله هو عين الحقيقة فلبنان تكبد خسائر فادحة بالطبع أكثرهم من المدنين إضافة إلى الدمار الذي لحق بالبنية التحتية ولان المراقب البعيد يرى الصورة على حقيقتها ومن كل زواياها بشكل الفضل من أي من أطرافها كانت المواقف التي ترى أن ما اقدم عليه حزب الله سيجر وبالا كثيرا على لبنان ثبت صدقها بعيدا عن التهويل الإعلامي الذي كان سائدا فنحن الآن في وقت انكشاف الحقائق ولا يمكن يمكن ابدا استيعاب مدى فظاعة ما حدث من تدمير وماخلفته الحرب من قتلى والأنقاض والمباني المدمرة فلبنان تم تدمير الجسور فيه، كما جرى هدم العشرات من المدن والقرى في جنوبه، وبلغ عدد القتلى حتى الآن ما يربو على 110شخص، ومازال يتم انتشال الجثث من بين الأنقاض، كما كان هناك عبّر الحدود في إسرائيل عدد كبير من القتلي بدرجة غير مقبولة، كما كان هناك قدّر كبير من المعاناة ايضاً، إلى جانب جدل صعب بين عامة المواطنين والسياسيين بشأن ما يمكن أن يكون قد حققه هذا الرد على ما قام به حزب الله بينما اظهرت إسرائيل نفسها امام العالم على انها تدافع عن نفسها ضد هجوم بدأه حزب الله وانا مع حسن نصر الله في تصريحاته انه لو علم مدى الدمار الذي يلحق بلبنان ما قام بخطف الجنديين الإسرائيليين غير أن الحقائق دائما ما تأتي متأخرة فلبنان يتطلب مساعدات دولية هائلة وفورية، لكنه ايضاً يجعل الاستجابة لكل ذلك أكثر صعوبة، مع طبيعة الدمار المنهجي المنظم للبنية التحتية -مدارج المطار والطرقات والجسور والموانئ -فإن المشاكل اللوجستية على المدى القصير تشكل عائقاً حقيقيا أمام ايصال المعونات إلى حيثما هناك أمس الحاجة إليها.
|