بمناسبة تنظيم مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين للمؤتمر الإقليمي للموهبة في شهر شعبان 1427هـ في محافظة جدة
انطلاقاً من أهمية المؤتمر فإن التعرف على جانب من عنصر المؤتمر مهم جداً لأن الموهبة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للإنسان تحتاج إلى شكر النعمة من الموهوب وتحتاج إلى تنميتها والعناية بها من الدولة، ولذا فإن توجيهات خادم الحرمين الشريفين بالعناية بالموهوبين وتوجيهاته حفظه الله بإقامة مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين من أجل الاستمرارية في الدعم والمتابعة لضمان الاستفادة من الموهبين في خدمة الوطن وهناك بعض النقاط في السياق للاستفادة منها:
لماذا تهتم الدولة برعاية الموهوبين؟
تهتم الدول بالموهوبين إدراكاً منها بأن الموهوب طاقة يستفيد منها الوطن لأسباب كثيرة منها الناحية التربوية حيث تتم معالجة وضع الطلاب المتفوقين والموهبين داخل الفصل الدراسي والتعريف بهم وحتى لا تكون معرفتهم المسبقة أو سرعة الفهم لما سوف يلقى عليهم من المعلم سبباً في تعرضهم للملل وتصرف يضر بهم وبمستقبلهم من قبل المعلم أو أفراد الأسرة فإذا أصبح المعلم على دراية بالموهوبين أو المتفوقين واتضح دور المدرسة في تثقيف الأسرة وأصبحت هناك جهات تشيد بهم وتنمي فيهم الموهبة في مجالات تعود على الموهوبين وعلى الدولة بالخير والعكس من ذلك إذا لم تكتشف ولم تكن هناك جهة تدعم هذا الموهوب فإن الموهوب أو المتفوق يكون أسير هذا الموهوب ويصيبه الملل ويمكن تكون سبباً في تعطل مسيرته الدراسية ومستقبله ولذا فإن واجب المدرسة توعية المعلمين والمجتمع والأسرة بأن هذه الموهبة تحتاج إلى رعاية من نوع خاص ومن الناحية الاقتصادية فإن المتفوقين تعتمد عليهم البلدان في نهضتها الصناعية والمالية والسياسية والاقتصادية والثقافية، لأن استثمار الموهبة وتنمية قدرات الموهوبين تكسب البلد مكانة عالية جدا في مجالات العلوم المختلفة وتدفع اقتصاد البلد ومكانته العلمية إلى الأمام وهذا من أسباب دعم الملك عبد الله بن عبد العزيز لمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين ورعايتها والإشراف عليها حتى تتحقق الفائدة المرجوة منها.
دور المؤسسات التعليمية في تنمية الموهبة
للمؤسسات التعليمية دور مهم في تنمية الموهبة ورعاية الموهوبين ولكن ما زالت بعض المؤسسات التعليمية بكل مستوياتها عاجزة عن تفجير طاقة الانسان واستثمار الزمن ومد الجسور بينها وبين المجتمع وذلك بسبب عدم إدخال التطورات المهمة في أساليب التعليم والتدريب وخاصة تطويع التكنولوجيا واستغلالها حيث ما زالت أساليب التلقين والحفظ والاعتماد على التعليم النظري موجودة بينما المطلوب نشر أسلوب الحوار والاكتشاف والتحدي في حل المشكلات والأساليب الابداعية كانتشار الابداع وتنمية المواهب فالساسة والمفكرون عندما يريدون لبلدانهم الخير والنماء يرجعون إلى معالجة أساليب التربية وطريقة إعدادها للمجتمع لسد العجز الذي يعانيه سواء ثقافياً أو اقتصادياً أو عسكرياً فعندما ضرب الكساد الاقتصادي المجتمعات الغربية لا سيما أمريكا دعا أحد علمائها التربويين إلى الاعتماد على التعليم ونادى بفكرة التعليم بالعمل، وأكد ضرورة أن يكون من التجويد للفعاليات التعليمية أن ترتبط بأهداف محددة وأن الكساد الاقتصادي يرجع إلى سوء الإعداد البشري الذي كان وراء ضعف الانتاج وإذا أرادت الأمة أن تحقق قفزة اقتصادية عليها أن تعد بشراً ذوي مستوى مهاري وعقلي عال، فعندما شهد عام 1956 حدثا هز العالم في مجال المعرفة وهو نجاح الاتحاد السوفيتي في إرسال أول سفينة فضائية حول الكرة الأرضية اتهمت أغلب الدول التربية والتعليم لأنها أخفقت في توفير القاعدة العلمية القادرة على إنجاز حلقات السباق الفكري وهي الاهتمام بالمتفوقين الموهوبين وتنمية قدراتهم ورعايتهم واستغلال طاقاتهم في المجالات المختلفة ولذلك ظهرت حركة واسعة في منتصف القرن العشرين لتطوير التعليم من خلال الاهتمام بنظريات التعليم وليس نظريات التعلم وأدركوا أن التغيير في التربية يبدأ منه ولا يفرض عليه واهتموا بتجويد مخرجات التعليم وربط التعليم بالمجتمع وإعادة النظر في الموضوعات المطروحة في المناهج وتطوير أساليب التقويم للطلبة والعلاقة بين التخصص وسوق العمل لذا فإن دور المؤسسات التعليمية في رعاية الموهوبين هي تقديم الخدمات المتوافقة وقدراتهم حتى يستفيد المجتمع والبلد منهم.
أهمية ربط الموهبة بالأهداف التعليمية
العملية التعليمية عملية هادفة شأنها شأن السلوك البشري كأفراد أو جماعات ويسعى الإنسان إلى تطوير ذاته بنفسه ضمن مرام وأهداف يود الوصول إليها فإذا توافرت له السبل نمت الموهبة ولذا تطورت النظرة الى أهمية الأهداف للعملية التعليمية مع تطور الحضارة للشعوب حيث أصبحت تبحث عن أنجح الوسائل باختزال الجهد والزمن والتكلفة للوصول إلى الهدف المطلوب والمفهوم الحديث للأهداف التربوية تحول الى الملاحظة والقياس أي التخطيط والتنفيذ والتقويم وأن تصب الأهداف في خدمة المجتمع وأصبح الشغل الشاغل في العصر الحديث المناهج الدراسية ومراعاة أصحاب الموهبة والمتفوقين وذلك إدراكاً منهم لاعطاء الفرصة للموهوبين لاظهار موهبتهم وتنميتها والاستفادة منها وإفادة المجتمع ومراعاة سلوك المتعلم مهم جداً لأنه من ضمن أهداف التربية المحافظة على السلوك المرغوب فيه ضمن المنظومة المتكاملة.
علاقة الموهبة بالتدريس
التدريس هو عملية تغير في السلوك بمنهج مدرسي بينما التعلم تغير في السلوك قد يكون موجهاً أو غير موجه وقد يكون ذاتياً أو بالمصادفة أو بالفراسة أو باستخدام القدرات وتنمية المواهب مثل التعلم الهندسي والحاسوب وأنواع التعلم الأخرى وهي وحدات استجابة تتفوق بعضها تبعاً للرغبة والدافع والحاجة، فالموهبة لها علاقة بالتعليم أكثر لكن التدريس له دور في اكتشافها ومراعاة الموهوبين والمتفوقين وهدف المدرسة اليوم ليس تعبئة ذهن الطالب بالمعرفة والمعلومات بل تعليمه كيف يتعلم وإعداده إلى المستقبل إعداداً نفسياً ومهارياً ومعرفياً وإعداده كيف يفكر ويستخدم عقله وبعد أن يتعلم كيف يتعامل مع معارفه وعواطفه عقلياً وكيف يستفيد من قدراته العقلية ومساعدته في تنمية مواهبه وإعداده للحياة العملية لكي يستفيد من هذه القدرات وليفيد المجتمع من الموهبة التي وهبها الله له وللمدرسة دور مهم إذا أدركت أن العلم والتعلم والمعرفة من أجل الإنتاج والتنمية ومد المجتمع بتخصصات مميزة.
كيف التعامل مع الموهوبين داخل المدرسة؟
عندما يدرك الطلاب المتفوقون أنهم الوحيدون الذين يبدو بوسعهم فهم الدروس بسرعة فإن ذلك يكوِّن لديهم اتجاهات تتسم بالغرور وهذا شيء طبيعي ولكن عندما يوضع الطالب الموهوب في مجموعة تضم اثنين أو ثلاثة من الطلاب المماثلين له في الذكاء، عندئذ يختفي الغرور ومن الأفضل تصنيف الموهوبين على شكل مجموعات متناسبة وهذه المجموعات تنافسية وبهذه الطريقة على المدرسة أن تضع برامج خاصة لهم وعلى المعلم كذلك أن يضع طريقة خاصة في مناقشة المادة الدراسية بحيث يوزع الفصل على مجاميع ويترك المجال للتفكير لكل مجموعة حتى لا ينفرد المتفوقون في مناقشة المادة الدراسية على حساب بقية الطلاب لأن وجودهم داخل الفصل يمثل طريقة التعلم التعاوني ويزيد من تحسن مستوى جميع الطلاب وهذا يترتب عليه تدريب المعلمين على كيفية التعامل مع الموهوبين والمتفوقين حتى تكون المدرسة محببة لهم وتتاح لهم الفرصة لتنمية مواهبهم وحتى لا يصبح المملل داخل المدرسة وحتى تستثمر الموهبة استثماراً يعود بالخير عليهم وعلى المجتمع.
البرامج التدريبية التي يحتاجها المعلمون
هناك برامج يحتاجها معلمو الفصول التي تضم مجموعة من الموهوبين وهي كيفية اختصار المنهج المقرر وكيفية استخدام أساليب الدراسة المستقلة وطريقة الإثراء والإسراع لزيادة المعرفة بالطلاب الموهوبين وهذا يترتب عليه أن يكون النظام التعليمي قادراً على مواجهة الاتجاهات التعليمية لجميع الطلاب حتى لا يكون فيه تجاهل لحاجات الطلاب الآخرين حيث إن المعلم يحتاج إلى عملية إثراء في بعض المواد الدراسية، مثلاً قد يجعل وجود طلاب مميزين في مادة دراسية واحدة أو مادتين ولكنهم عاديون في بقية المواد وعلى المعلمين ألا يرتكبوا أخطاء في افتراض أن الطفل المتفوق لا بد أن يحصل على تقديرات عالية باستمرار وعليهم إرشاد الآباء بأنه يمكن أن يحصل انخفاض في مستوى ابنهم نتيجة لظروف نفسية أو موقف معين حتى يكون هناك تقبل وتهيئة نفسية عالية وحتى لا يتعرض الأبناء لمعاقبة الآباء وعلى المدرسة تهيئة المعلم حتى لا يصادفه حرج أثناء التدريس عندما يعلم أن هناك طلاباً يعرفون معظم الذي خططه لتدريسهم.
دور الوالدين تجاه أبنائهم الموهوبين
على المدرسة واجب مهم في المحافظة على الطلاب الموهوبين وذلك باكتشاف تلك الموهبة وتوعية الآباء والأمهات وأفراد العائلة في حين يتعرض الوالدان أحياناً للارتباك والحيرة بسبب ارتفاع قدرات ابنهما المتفوق وقد يشعران بعدم الارتياح عندما يشير الآخرون إلى بعض الجوانب التي يختلف فيها ابنهما عن أقرانه في العمر فهما يريدان أن يكون ابنهما عادياً ولذا يجب أن يفهم الوالدان أن ابنهما عادي ويتصرفان بطريقة تعبر عن قدراته التي يختلف في بعضها عن أقرانه وأن من أقرانه من يتفوقون عليه بقدرات ليست لديه فإن توعية الوالدين وأفراد أسرة الموهوب تساعد على ظهور الموهبة على الوجه المطلوب ويكون البيت له دور في تنميتها وتهيئة ما يحتاجه الموهوب ولا شك أنه إذا اهملت التوعية فقد تنطفئ الموهبة وقد تضر بالموهوب فبعض الموهوبين يعانون الكثير عند إظهار موهبتهم بسبب جهل الأسرة أو المجتمع المحيط بالأسرة ولذا فإن للمدرسة واجباً مهماً في التعرف على حالات الطلاب سواء كانت تفوقاً أو موهبة أو أي ملاحظات نفسية أو صحية وتعريف الوالدين بها حيث يحصل كثير من المشاكل للطلاب بسبب قصور لدى الأسرة في فهم تصرفات بعض أبنائها.
البرامج الإثرائية للموهوبين
البرامج الإثرائية هي التوسع في المنهج العادي من أجل الوفاء باحتياج الطلاب المتفوقين أو الموهوبين ولذا فإنه لا بد من استراتيجية معينة تعتمد عليها البرامج الإثرائية تتبناها المؤسسات التعليمية ذات العلاقة مع الاستعانة بأولياء أمور الطلاب خلال العمل وإعداد المناشط المناسبة للمواد اللازمة للاثراء ومساعدة الطلاب كي يبتكروا مواد إثرائية بأنفسهم وإرشادهم الى بعض المصادر التي تدعم موهبتهم وتفوقهم وتوعية القطاعات الحكومية والخاصة بالموهوبين وتنظيم زيارات وتعاون حتى يكون للبرامج الإثرائية فائدة للموهوبين وللقطاعات الأخرى وتعم الفائدة، وهذا سر نجاح الدول وتقدمها في المجالات المختلفة حيث اهتموا بالموهوبين ورحبوا بهم وقدموا لهم التسهيلات المناسبة والتشجيع المعنوي والمادي.
والله نسأله التوفيق لجميع العاملين في مجال رعاية الموهوبين وخاصة مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين.
|