نعم، لقد كان صاحب الفضيلة الشيخ سعد بن إبراهيم بن عبد الله الحيدر إمام جامع الحصيني بحي السويدي - رحمه الله - مدرسة في حياته بأفعاله وأقواله لكل من عرفه وعاشره. وحيث كان لي الفضل لأكون أحد الأصدقاء والأخلاء المقربين منه - رحمه الله - فقد لامست عياناً تلك السمات التأثيرية لمدرسته التربوية المتمثلة في تلك السجايا النبيلة والأخلاق العالية التي كان يتحلى بها، ومن أبرزها جمال الخلق وحسن التعامل وبشاشة الوجه وابتسام المحيا مع كل مَن خالطه، إضافة إلى صفاء القلب ونقاء السريرة وصدق المشاعر والوجدان مع الجميع، مع اقتران ذلك بأعلى مراتب الكرم الحسي والمعنوي. كما كان - رحمه الله - صاحب عبادة مقرونة بخشية، وصاحب شفقة ورحمة وسعي على المحتاجين والأرامل والأيتام والمساكين، مع عنايته بتعلُّم القرآن وتعليمه، ورعايته لطلاب التحفيظ، والتعاون مع جمعية تحفيظ القرآن الكريم من أجل الدعم المادي والمعنوي لبرامجها، مع عنايته - رحمه الله - بمجال الدعوة إلى الله؛ فقد كان خطيباً وإماماً وواعظاً ومعلماً ومذكِّراً، كما كان أيضاً - رحمه الله - آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، وكان كثيراً ما يلهج لسانه بالحديث عن الجهاد وعن المجاهدين، وبخاصة في فلسطين، ويتابع أخبارهم ويدعو إلى نصرتهم مادياً ومعنوياً، بل كانت نفسه - رحمه الله - تتوق إلى الشهادة في ميادين الجهاد، وكان قلبه يحترق عليها، (ونسأل الله أن يبلغه منزلتها). ولذا كان لهذه السجايا العالية والخصال الراقية أثرها في توسيع دائرة المحبة له في محيط كل من عرفه رحمه الله، وكان من نتائجها العاجلة ذلك الحشد العظيم من المصلين على جنازته الذين امتلأت بهم أروقة جامع الأمير عبد الله بن محمد وساحات مقبرة المنصورية، وذلك السيل المتدفق من المعزِّين على منزله رحمه الله، ولعل هذا من عاجل البشرى الحسنة. كما رُئي له منامات حسنة، ومنها رؤيته قبل وفاته بليلة وهو جالس مع صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن حسن بن القعود، رحم الله الجميع. ومما يثير استغرابنا ونحن من أقرب الناس إليه ما تكشَّف لنا بعد وفاته من تلك الأعمال الجليلة التي كان يمارسها سراً لا يعلمها إلا علام الغيوب سبحانه، ونرجو أن تجعله من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، الذين ورد أن منهم رجلاً تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ حيث كان متصدقاً بجهده ووقته وعرقه وما يستطيع من ماله في إدخال السرور على من يحتاج من إخوانه المسلمين.
وأخيراً وليس آخراً، لا نقول إلا أحسن الله عزاءكم يا آل حيدر في فقيدكم الغالي، ونسأل الله بمنه وفضله أن يرينا ويريكم في أولاده ما يسر القلب ويبهج الخاطر؛ ليستمر عطاء تلك الشجرة المباركة التي غرسها أبو إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة.
وختاماً ستبقى يا أبا إبراهيم شاخصاً في سويداء قلوبنا، وستبقى ذكراك العطرة في أحاسيسنا ومشاعرنا، بوأك الله منازل الشهداء ومقام الصديقين والأنبياء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* إمام وخطيب جامع أم المؤمنين عائشة بحي السويدي في الرياض
|