تأليف : جان ريمون
ترجمة وتعليق:
الدكتور محمد خير البقاعي
راجعه وعلَّق عليه:
أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
قراءة:حنان بنت عبد العزيز آل سيف:
يُعَدُّ هذا الكتاب من أقدم الكتب التي تناولت وتحدَّثت عن دعوة إمام الخير، ورجل النور والهدي، ونبراس الإصلاح، الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وقدَّس ضريحه بالنور والقبول والغفران، كما يتحدث أيضاً عن تاريخ الدولة السعودية الأولى، وهو مصدر نفيس وقديم لمن يبحث في تاريخ الدعوة الإصلاحية ومؤلِّفه ضابط فرنسي عمل مدة في جيش باشا بغداد، وقد قيَّض الله لهذا الكتاب رجلين فاضلين، وباحثين عظيمين وهما: الأول هو الدكتور محمد خير البقاعي، والثاني: هو أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري - حفظ الله الجميع، وبارك خطاهم ومسارهم -، والكتاب من طبع دارة الملك عبد العزيز وهو يحمل الرقم التالي: (156)، وما فتئت دارة الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى وقدّس ضريحه بالعفو والرحمة والغفران - في دعم حركة التأليف وشجعت الناس على الإبداع والابتكار، وأخذت على عاتقها وكاهلها مسؤولية نشر العلم، وبث الثقافة، فهي راعية خير، ومشكاة هدى، وهي مدعومة برجال أفاضل يأتي على رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير المبجل - سلمان بن عبد العزيز - طيَّب الله أثره وثرياه -، ومن هؤلاء الرجال الدكتور القدير فهد السماري - حماه الله - فلهم مني ومن كلِّ مستفيد وقارئ دعوات حارة في أن يكلّل مسيرتهم بالبركة والفضل والقبول والرضوان.
هذا وقد قدّمت الدارة النفيسة لهذا الكتاب بمقدِّمة جميلة أوضحت فيها الهدف السامي الذي من أجله أنشئت وأقيمت هذه الدارة وهو يتمثَّل في خدمتها لتاريخ المملكة العربية السعودية بصفة خاصة والجزيرة العربية بصفة عامة، فقيام الدولة السعودية الأولى حدث يُعَدُّ من أهم الأحداث التي مرت على الجزيرة العربية في تاريخها المعاصر، وهذا التاريخ كما جاء على لسان الدارة في مقدمتها وناصيتها الميمونة الطالع: (جدير بالدراسة والبحث ونشر الحق وإزالة الشُّبه وردّ التهم).
وللدارة تعليق على هذا الكتاب ونقد وفحواه: (لا ريب في أنّ الكتاب مليء بالأحكام الخاطئة ومبني على أسس باطلة تحكمها النظرة الغربية لدين الإسلام، إلى جانب الشائعات والأكاذيب التي كانت تبث في تلك الفترة لغمط الحق وحجب النور، وقد حاول مترجمه الرد على ما ضمنه المؤلف من اتهامات لا صحة لها بالحقائق التاريخية الموثقة المستمدة من رجال عاشوا في ظل الأحداث وبالقرب منها. ولم يكتف المترجم بالرد عليها بل أضاف تعليقات طيبة من الشيخ أبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري مما زاد الحق وضوحاً، وأضفى على الكتاب قيمة علمية جعلت دارة الملك عبد العزيز تسعى من أجل نشره ضمن سلسلة كتاب الدارة، ليكون في الاتهامات والردود المسطورة في ثناياه ما ينفع ويفيد في كشف الشُّبه وإجلاء الغامض وبيان الحق).
وللمترجم الفاضل كلمة حول هذا الكتاب ومما جاء فيها قوله: (تعد أوائل الكتب الفرنسية عن الدعوة الإصلاحية التي نادي بها الإمام المجدِّد محمد بن عبد الوهاب مصدراً اعتمد عليه كثير ممن ألَّف في الموضوع لدى الغربيين، والكتاب الذي نترجمه اليوم يحتوي على أولى التقارير التي أرسلت إلى فرنسا، واعتمد عليها اثنان من أشهر من كَتَب عن تلك الدعوة من الفرنسيين وهما: لويس ألكسندر أوليفيه دو كورانسيه وجان باتيست لويس جاك روسو، فذكر الأول وشكر له اطلاعه على تقاريره، ولم يذكر الثاني وعرفنا اعتماده عليه مما ذكره ريمون نفسه في كتابه). ومما جاء على لسان المترجم - حفظه الله - في وصف مؤلف الكتاب (جان ريمون) ما نصه: (لا نعرف عن جان ريمون إلاّ أنّه كان ضابط مدفعية فرنسياً يعمل لدى علي باشا - باشا بغداد - وأنّه كان على صلة بقناصل فرنسا الذين كانوا يتوافدون على حلب وبغداد والبصرة وإستانبول، وبرزت علاقته مع اثنين، أحدهما: لويس - ألكسندر - أوليفيه دو كورانسيه صاحب كتاب (تاريخ الوهابيين من نشأتهم إلى عام 1809م) الذي شكر في مقدمته لجان ريمون أنّه زوّده بتقارير كانت بحكم موقع ريمون (صادقة كل الصدق، ودقيقة كل الدقة) ونعلم مما جاء في أول كتاب ريمون أنّه أطلع على المقال الذي نشره كورانسيه في صحيفه لومو نيتور عام 1804م، عندما أعادت صحيفة فرانكفورت نشر المقال وأثنى عليه، ونعلم من معلومة أخرى وردت في كتاب ريمون أيضاً أنّه أقام في حلب عندما كان جان باتيست - لويس - جاك روسو قنصلاً فيها، وكتب له عدة تقارير في عام 1805م بناءً على طلبه، ويسميه روسو الابن، ونعلم من الرسالة التي أثبتها الناشر في بداية الكتاب أنّ جان ريمون أنّ عام 1808م في خدمة باشا بغداد، والرسالة موجَّهة إلى السيد دوشامباني وزير العلاقات الخارجية في حكومة نابليون الكبير في باريس والرسالة مأخذوة من ملف المراسلات السياسية.
ومن أول من أشار إلى الكتاب ونقل عنه الدكتور منير العجلاني في كتابه (تاريخ البلاد العربية السعودي).
ويشير المترجم الدكتور محمد خير البقاعي إلى ما يحويه الكتاب بين إهابية، وما يضمه بين برديه، ومضمون الكتاب وماهيته كما جاء على لسان المترجم - حرسه الله - ما يلي: (يحتوي كتاب جان ريمون على تقديم درييو رسالة ريمون إلى السيد دو شامباني وزير العلاقات الخارجية في عهد نابليون الكبير وهي بمثابة تقديم للتذكرة عن أصل الوهابيين، ثم يبدأ المؤلف بالحديث عن أهمية الدعوة الجديدة وعن سليمان جد الشيخ وعن الحلم الذي رآه وعن والد الشيخ عبد الوهاب وعن الشيخ نفسه، ثم يفرد فقرة للحديث عن دعوة الشيخ الناس إلى العودة إلى القرآن الكريم في صفائه الأصلي، وعن الإصلاحات الأخلاقية التي قام بها.
ويعرض بعد ذلك إلى تحالف الشيخ مع محمد بن سعود أمير الدرعية وإلى السلطتين الدينية والدنيوية وإلى التنظيم العسكري وإلى إخضاع القبائل المجاورة، وفي حديثه عن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود يقول المؤلف: إنّه كان يحمل القرآن الكريم بيد والحسام باليد الأخرى، ويتحدث عن الانتصارات الباهرة التي حققها، والغنائم العظيمة التي كسبها، وعن سيطرته على الأراضي المحيطة بأرضه.
ويصل الكاتب إلى تدخُّل الباب العالي الذي أمر باشا بغداد بالمسير لمواجهة السعوديين وإلى حملة عام 1797م، وحصار الأحساء، وإخفاق الحملة وانسحابها، وهجوم السعوديين على البصرة، ويتحدث أيضا عن القافلة السعودية التي تعرّضت للاعتداء في مشهد علي النجف وعن هجوم السعوديين على مشهد الحسين في كربلاء وما تلا ذلك من أحداث، ويفرد فقرة للحديث عن أصل التقديس الذي تكنُّه الشيعة لمشهد الإمام الحسين وعن آل البيت، وأخرى لدخول السعوديين مكة المكرمة، وسيطرتهم عليها بسرعة، ويتحدث عن إخفاقهم في جدة وفي المدينة المنورة، وانسحابهم واغتيال الإمام عبد العزيز.
ويقول المؤلِّف: (إنّ سعوداً خلف أباه، ويذكر كرمه، ودخوله مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما يذكر هجوم السعوديين على أطراف البصرة، وتدخُّلهم في مسقط، ومشروعاتهم للسيطرة على الهلال الخصيب، ويختم المؤلِّف بالحديث عن ضرورة الوقوف في وجه نفوذهم، وعما يسميه مسألة الجمال التي يحتاجها باشا بغداد إذا أراد مهاجمة السعوديين، ويعرض خطة حملة يشترك فيها باشا بغداد وسورية ومصر تحت قيادة معنوية لإحدى القوى الأوروبية، تلك هي الموضوعات التي تعالجها هذه التذكرة التي استمدها ناشروها من التقرير الذي أعدّه جان ريمون عن الدعوة الإصلاحية الجديدة الوهابية، التي انتشر خبرها في أنحاء البلاد الإسلامية حينئذٍ ووصل خبر انتصاراتها إلى أوروبا التي أصبحت تسعى لمعرفة أي خبر يوضح طبيعة تلك الدعوة والنجاح الذي تحققه).
وقد وجد المترجم - رعاه الله - توافقاً بين نص جان ريمون مؤلِّف الكتاب وبين نص أورده ابن بشر في كتابه عنوان المجد، وأشار إلى هذه الفائدة محقِّق كتاب ابن بشر واعتبره دليلاً على المصداقية التي يتمتع بها ابن بشر عليه رحمة الله.
والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه وهو: كيف يعد المترجم هذا الدليل، ويجيب على نفسه وعلى قرّاء كتابه بما نصه وفحواه: (ونحن هنا نعدّه بدورنا دليلاً على مدى مصداقية نص ريمون، وعلى دقّة المعلومات التي يوردها، وإن كان بعضها على ما يبدو متأثراً بموقف المؤلف من علي باشا - باشا بغداد - الذي كان في خدمته، أو أنها مستقاة من كتب أعداء الدعوة كما أشار إلى ذلك ادوارد درييو في مقدمته، وتنبع أهمية الكتاب من أنّ مؤلِّفه كان أول من كتب التقارير عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية وأرسلها إلى فرنسا، وهو أيضا مصدر أساس من أهم مصادر كتابي كورانسيه وروسو اللذين تحدَّثا عن الدعوة الوهابية).
وأخيراً فالكتاب حافل بترجمة عربية مبينة سلسلة مع ما قام به المترجم - رعاه الله - من مقارنة الأحداث بما ورد في كتابي (روضة الأكفار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعدُّد غزوات ذوي الإسلام) و(عنوان المجد في تاريخ نجد) لعثمان بن بشر، كما تحدَّث عن الدعوة الإصلاحية، وعرَّف بالأماكن، وترجم للأعلام، فجاء الكتاب يرفل في حُلة بديعة، مطرزة حواشيه، وموشاة هوامشه بكلِّ مفيد وقيِّم ونفيس.
عنوان المراسلة: ص. ب 54753 |