Saturday 12th August,200612371العددالسبت 18 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

في الوطن العربي..الأطباء أكثر من المرضى؟! في الوطن العربي..الأطباء أكثر من المرضى؟!
د. أظهر السيد /استشاري الأورام بمركز الملك فيصل للأورام

رحلة الطبيب تبدأ من الدراسة التي لا تقل عن خمس سنوات، ويليها سنة الامتياز، ثم أربع سنوات تخصص، ثم سنتين على الأقل في التخصص الدقيق فلا ينفرد بالقرار في علاج مريض حتى يصبح استشارياً أو ما يعادله.
أي أنه أمضى ما متوسطه عشر سنوات قبل أن يجاز في التخصص الدقيق، فيقتصر إجادته في فرع من فروع الطب.
ورحلة الدواء لا تقل صعوبة، فالدواء يمر بعدة مراحل مخبرية حيث يتم تجربة العلاج على حيوانات التجارب، فإذا ثبت فاعليته في مرض ما وكانت الآثار الجانبية مقبولة فإنه يدخل في طور الدراسات الاكلينيكية أي يتم تجربته على البشر.
وفي هذه المراحل يخضع لمراقبة دقيقة من الهيئات التي تجيز استقلال هذه الأدوية، ففي المرحلة الأولى يتم تجربته على مرضى لم تنجح لديهم العلاجات المعروفة، ويتم تحديد الجرعة المناسبة والمجالات التي يمكن استخدام العلاج منه.. كل ذلك بضوابط منها إذن المريض والخضوع لمراقبة دقيقة للآثار الجانبية.
ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية إذا كانت الآثار الجانبية مقبولة، وثبتت فاعليته في مرض ما فإنه يجرب على مرض معين، وتدرس فاعليته بالإضافة الى دراسة الآثار الجانبية لهؤلاء المرضى، وفي المرحلة الثالثة تقارن فاعليته بالعلاج الموجود بعد أن ثبتت فاعليته، وفي هذه المرحلة يستخدم على عدد كبير من المرضى بعد أن ثبتت فاعليته وعرفت آثاره الجانبية، وهناك آلاف الأدوية في المراحل المخبرية، ولا تصل إلى المرحلة الثالثة من التجارب إلا عدد قليل منها إما بسبب عدم فاعليته، أو الآثار الجانبية الخطيرة، وعادة يجاز الدواء الجديد بعد المرحلة الثالثة من التجارب، ويدخل الأسواق، وقد يسحب من الأسواق لحدوث آثار جانبية خطيرة لم تظهر في المراحل الثلاث السابقة والأمثلة على ذلك كثيرة.
فالطبيب والدواء خضعا لمعايير دقيقة ومرا بمراحل شاقة حتى يجاز لهما علاج المرضى. فلا يستطيع أحد علاج المرضى في الدول الأكثر تقدما إلا بعد الإجازة والشهادات المطلوبة، ولا يستطيع أحد استعمال أي دواء لم يجز من هيئة الأغذية والدواء، أما في وطننا العربي الحبيب فالأطباء أكثر من المرضى فيكفيك للإجازة ظهورك على القنوات الفضائية، وتغنيك عن الشهادة المديح والشائعات المرسلة عبر الإنترنت والفاكس والرسائل.، وإذا سألت أحدهم ما هي العلاجات المصروفة قال: إنها سر المهنة، فلا داعي للمعاينة ولا داعي للحضور فقط أرسل المال بأي وسيلة كانت، ويأتيك الدواء بالبريد وإن لم ينفعك، فهناك المزيد، ليس هذا فقط بل إن بعضهم يوصي بعدم الذهاب الى الأطباء وأخذ سمومهم النافعة، والطبيب يعتذر عن علاج مريض ليس في تخصصه وهؤلاء يعاجلون كل شيء فهم يعالجون السكر والضغط والسرطان وأمراض الكبد والكلى بالإضافة الى الجن والعين والحسد.. فسبحان الذي علمهم كل هذا العلم.
ومن الطريف أن بعضهم ليس طبيباً أصلاً، وبعضهم يأتي من أقاصي العالم ليجد بضاعته ومبتغاه في عالمنا العربي الحبيب، وقد تُدفع له الآلاف المؤلفة للحضور. إذا أراد طبيب معين أن يقوم بعلاج غير تقليدي فإن الأطباء الآخرين يطالبونه بالدليل، فالحكم في الطب هو نتائج الأبحاث المنشورة في المجلات الطبية المرموقة، وإذا سألت أحد هؤلاء قال: إن هناك آلاف المرضى الميؤوس منهم الذين عجز عنهم الطب الحديث قد شفوا!!
نعم إن بعضهم يراجع عندهم الآلاف، ولكن لا يوجد له بحث أو مقالة علمية واحدة منشورة في مجلة علمية مرموقة تدل على صدق أدائه، نعم توجد رسائل دعائية مفبركة تنشر بالفاكس والإنترنت أسرع من النار في الهشيم مفادها أن فلانا لديه علاجات تشفي أصعب الأمراض بجرعات قليلة، وأنها في متناول الجميع بحيث لا تكلف الجرعة الواحدة أكثر من مئات الدولارات.
إن اكتشاف دواء جديد فعال يكلف الباحثين الانكباب على دراسة المرض والدواء لعدة سنوات ليرى النور بعد أن قتل بحثا ومناقشة في الأوساط العلمية، أما هؤلاء فيصبح عندهم العلاج بين عشية وضحاها.
أريد توجيه ثلاث رسائل:
الأولى إلى إعلامنا العربي أتمنى من إعلامنا ألا يتحول الى جهاز للدعاية للدجالين وأنصاف الأطباء وكل من يستطيع شراء الساعات أو دفع مبالغ الدعايات.
الرسالة الثانية الى الهيئات المنظمة للطب والدواء: ألا يسمحوا لأحد بصرف العلاج أو فتح عيادة المرضى إلا اذا توفرت فيه الشروط اللازمة وألا يصرحوا لأي دواء إلا إذا ثبتت منافعه وعرفت مضاره بما في ذلك الأدوية غير التقليدية.
الرسالة الثالثة للمرضى: الحذر من الانسياق وراء كل مدع للطب مهما كانت الدعاية له والاعتماد على وجود نتائج ودراسات منشورة في المجلات العلمية لعلاج معين، وإذا لم توجد هذه فلا تدري ما الذي تأخذه.
لقد امتلأت المستشفيات بالمآسي التي سببها هؤلاء فهم قد أصبحوا من أهم الأسباب لتأخر المريض والحضور للمستشفى في مراحل متأخرة.
والغريب أنك لا تسمع قضية واحدة رفعت ضد هؤلاء، بينما تجرم الأخطاء الطبية، فلو أن هؤلاء في الدول الغربية لم يجدوا فرصة للممارسة، وإن مارسوا تعرضوا للملاحقة القانونية.
فمن الطريف أن بعض هؤلاء ممنوعون من الممارسة على سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية ففتحوا مراكز للعلاج في المكسيك أو في دول أخرى وأعتقد أنهم لم تتوفر لديهم المعلومات عن وطننا العربي الحبيب.
إن الطب الحديث خطا خطوات هائلة، فالتطور في الطب يشابه التطور في المجالات الأخرى، فكانت وسيلة النقل الجمال، والآن نسافر بالطائرة، فالتطور في الطب قريب من هذا المثال، نعم لا يوجد علاج لكل حالة، ولكن لم تقف عجلة العلم، ولن تقف، ولكن ليس الحل هو الهروب والانتكاس إلى الخلف ولنحذر الدجالين.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved