على الرغم من النتائج الجيدة التي حققتها معظم الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي إلا أننا عُدْنا مجدداً لنشاهد التقلبات الحادة في أسعار الشركات، وعُدْنا مجدداً نتلقف المكلومين من صغار المتعاملين الذين أعياهم السباق المحموم بين كبار المضاربين والمحافظ الاستثمارية.
لقد كنا في السابق نحذر صغار المستثمرين من الانسياق وراء الشائعات التي يروج لها في الغالب أصحاب المصالح الخاصة، وكنا ندعوهم إلى التوجه إلى صناديق الاستثمار ذات المقدرة والدراية الاستثمارية الكافية، وندعوهم إلى التوجه إلى الشركات الاستثمارية والابتعاد عن شركات المضاربة، ولكنهم وربما نحن معهم لم نعد نمتلك الثقة في هذه الصناديق وتلك الشركات؛ لكون الأولى قد وقعت في مستنقع الخسائر الهائلة، ولكون الثانية لم تسلم من المضاربة والانخفاض الهائل في أسعارها. والأدهى من ذلك أن المتعاملين في شركات المضاربة، وبخاصة الأذكياء منهم، قد استطاعوا خلال الفترة الماضية تعويض معظم خسائرهم، بينما لم يحقق المستثمرون في الشركات القيادية حتى 20% من رؤوس أموالهم المفقودة.
هذه الحالة الغريبة تحدث في الوقت الذي تقوم فيه هيئة سوق المال بجهد مميز يرتكز في المقام الأول على توسيع قاعدة الشفافية والإفصاح بعيداً عن التدخلات الإعلامية المؤثرة؛ مما يعني ضرورة البحث في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه التقلبات الرهيبة في الأسعار ووراء تحويل السوق السعودي إلى سوق مضاربة صرفة.
في اعتقادي أن هنالك جملة من الأسباب والعوامل التي يمكن أن تفسر واقع السوق، أولها: سيكولوجية السوق التي لم تتعافَ بعدُ من الهزات العنيفة التي عايشها المتعاملون خلال الأشهر الأربعة الماضية من هذا العام. هذه السيكولوجية الهشة جعلت المتعاملين ينهجون منهج القطيع والبيع أو الشراء الجماعي دون اعتبار لمتغيرات السوق ومعطيات العملية الاستثمارية أو حتى المضاربية. نتيجة لذلك نجد السوق يرتفع في يوم 904 نقاط إلى أعلى، وينخفض في اليوم التالي والذي يليه قرابة هذا العدد من النقاط؛ مما يعني أن جني الأرباح أو التصحيح المنطقي ليس هو الحكم في مثل هذه العمليات، وأن المتعاملين أصبحوا على استعداد للتخلص من أسهمهم بأي سعر على طريقة إيقاف الخسائر stop loss. هذه الطريقة كما يعلم الجميع تُتَّبع فقط عند بداية عمليات جني الأرباح أو التصحيح وليس في كل الأوقات ما لم يكن المتعاملون قد فقدوا الثقة في عودة السوق إلى أسعاره الحالية، وهذا ما أعتقد تحقُّقه في السوق السعودي.
ثاني العوامل التي أعتقد أنها لا زالت تربك التعامل اليومي في سوق الأسهم استمرار الاعتماد على المؤشر العام كمؤشر للسوق على الرغم من عدم دقة احتسابه وعدم قدرته على التعبير عن واقع وأحجام التعاملات اليومية. ووفقاً لهذا المؤشر فإن كل ما يحتاجه المضارب القوي هو الضغط على أسهم الشركات القيادية، وبخاصة سابك والراجحي والكهرباء وسامبا، ليوهم المتعاملين بأن السوق يتجه إلى الانخفاض، ويدفعهم بالتالي إلى المسارعة في البيع عند الأسعار الجارية قبل الانخفاض.
هذه الحالة كانت غير مؤثرة عندما كان السوق متعافياً، وعندما كانت نفسية المتعاملين سليمة، أما الآن فإن الضغط على المؤشر يعني تدافع الجميع إلى البيع خوفاً من تكرار سيناريو الأشهر الماضية، وبالتالي عدم قدرة المضارب القوي على مواجهة البيوع الجماعية؛ مما يدفعه هو إلى البيع على طريقة (مع الخيل يا شقراء). بعبارة أخرى: الاستمرار في استخدام المؤشر العام على الرغم من عدم صحته أسهم بشكل كبير في زيادة حدة تأثير سيكولوجية السوق المتردية، وأدى بالتالي إلى تأرجح السوق بطريقة غريبة. وإذا كان ذلك حقيقة فإننا نتمنى من هيئة سوق المال الموقرة أن تعيد النظر في احتساب المؤشر العام واستبعاد الأسهم غير المتداولة من الحسبة، وأن تعمل على تسريع خطوات إنشاء صانع السوق الذي يفترض فيه أن يكون أحد أهم مكونات الدواء المطلوب لتعافي السوق. فهل يتحقق ذلك؟ أتمنَّاه عاجلاً.
الحربي: عينوني براتب 2100 ريال وأعطوني تعريف راتب ب (4000) ريال |