هذه الأحداث المأساوية التي يمرّ بها لبنان، القطر العربي العزيز على قلوب الجميع، وهو يعاني الأمرَّيْن بسبب هجمة صهيونية ظالمة وشرسة ووحشية تستهدف قتل الإنسانية بكل قيمها وأبعادها ومعانيها عبر ممارسة قتل منظّم وممنهج للبشر والشجر والحجر، وللبنى التحتية لأول مقومات الدولة والخدمات، تتساقط شياطين الشر بحممها من كافة صنوف الأسلحة المتطورة (طائرات وبوارج ومدرعات ومدافع) على الأبرياء، تقتل قنابل الصهاينة المعبأة بالحقد وبأطنان من المتفجرات وبكل صنوف الأسلحة المحرّمة دولياً الانشطارية والفوسفورية والكيميائية والبيولوجية لقتل الأطفال والنساء والشيوخ في لبنان، وكل ما ينبض بالحياة دون تفريق ودون استثناء تشرّدهم عن بيوتهم وقراهم ومدنهم وتلقي بهم في متاهات الغربة والجوع والضياع واللجوء.
ونحن نتابع مشاهد الموت اليومي، وصور الأطفال الأبرياء الذين يقتلون بلا ذنب وبلا سبب، نشعر بالغصّة والألم تكوي قلوبنا جميعاً، كم طفل فقد أسرته؟ وكم أم فقدت أبناءها؟ وكم رجل فقد أحباءه؟ لا دواء ولا غذاء ولا أبسط وسائل العيش الكريم، بل جوع وعراء وخوف ورعب. وهكذا كان ديدن الصهاينة منذ غزت عصاباتهم أرض وطننا العربي في فلسطين وشرَّدت أهلها ومارست عليهم أبشع ما يمكن أن يتصوّره عقل بشري، احتلت الأرض على مستنقع من دماء الأبرياء الفلسطينيين، وعبر مجازر يندى لها جبين الإنسانية.
هذه الهجمة الصهيونية المدعومة من قوى الشر والاستعلاء في العالم تمارس أبشع صنوف القتل والتدمير ويطول نارها كل شيء واقف في لبنان.
لقد كانت المملكة العربية السعودية وقيادتها الرشيدة أول مَن استنهض أكثر الوسائل الممكنة لوقف هذا الجنون، وإيقاف الغزاة وحربهم الظالمة، وتابع الجميع منذ اللحظة الأولى لتفجُّر هذه الحرب توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لاحتواء الأزمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وتابعنا كيف نشطت المملكة بشخص سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية بتحرُّك سريع ومتواصل بين عواصم دول كثيرة لها التأثير على مجريات الأحداث في مسعى لم يتوقف للَجْم جموح الصهاينة وإيقاف الحرب المجنونة التي يدفع الشعب اللبناني الشقيق من حياته وموارده الثمن الأغلى.
وكان أن هبَّت المملكة لنصرة شعب لبنان ودعم صموده بأن أرسلت على جناح السرعة مبلغ 50 مليون دولار دفعة سريعة لمساعدة شعب لبنان وتأمين أبسط أسباب الحياة له، وأتبعتها بعد ذلك بأيام بمبلغ 500 مليون دولار لدعم وإعادة ترميم البنى التحتية الضرورية للبنان التي قصفتها وهدمتها آلة الشر الصهيونية.
ولعل الفعل الأهم في مسألة دعم لبنان الشقيق وإيقاف ذلك التدمير الذي طال كل شيء هو دعم المصرف المركزي اللبناني بمبلغ مليار دولار دفعتها المملكة العربية السعودية للمحافظة على قوّة العملة اللبنانية ووقف تراجعها الذي لا بد سيؤثر سلباً - إذا لم يُدعّم بقوة رصيد كبيرة - على الاقتصاد اللبناني لفترة ليست بالقصيرة، وكان أن هبَّ الشعب السعودي الوفي لنجدة أشقائه في لبنان عبر حملة التبرعات الكريمة التي نظَّمها التلفزيون السعودي استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
إن المملكة وهي تقدم هذا الدعم غير المحدود إلى لبنان حكومة وشعباً، إلى جانب الدعم السياسي والأخلاقي والإنساني، فهي تؤكد أنها قلب هذه الأمّة والحريصة على صموده ورفعته وحياته. تثبت المملكة بأوقات الشدّة أنها النصير لقوة الحق، وأنها المنجد في أصعب الظروف، وأنها من خلال الحكمة والفهم والاستشراف الصائب تستلهم مواقفها النبيلة.
نصرة لبنان حكومة وشعباً واجب إنساني يفرض على الجميع الوقوف وراء معاناته، وبذل الغالي من أجل رفع بعض هذه المعاناة عن الشعب المظلوم الذي يقاسي الآن الأمرَّيْن من تشريد وضياع وقتل وقهر، بعد أن فقدت الأسر بعض أفرادها وبيوتها وأرزاقها وأمنها.
إنها دعوة مخلصة للشرفاء في هذا العالم أن يهبُّوا من إحساس إنساني لنصرة شعب لبنان المظلوم المسالم الصغير ليبقى شامخاً على خريطة هذا العالم.
تحية إكبار إلى شهداء لبنان، ودعاء مخلص لله سبحانه أن يشفي الجرحى، وأن ينقذ لبنان وشعب لبنان من سطوة وحشية الصهاينة قتلة الأنبياء والأبعد عن أي شعور إنساني.
وتحية كبيرة إلى المملكة ممثّلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز والرجال الشرفاء الذين قدَّموا ويقدِّموا إلى شعب لبنان كل أسباب الصمود وكل وسائل النجدة ليبقى لبنان عزيزاً صامداً، والله من وراء القصد.
|