Saturday 5th August,200612364العددالسبت 11 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

بين البر والعقوق حكايات وعظات بين البر والعقوق حكايات وعظات
علي الساير / حائل

كلنا خطاؤون ولن نفي حقوق الوالدين مهما زعمنا أننا ذو بر وصلة. الوالدان هما اللذان تسببا بعد الله سبحانه بنور أبصارنا بعد ظلمة الطفولة والمراهقة والجهل؛ وهنا سأُقسِّمُ بر الوالدين إلى قسمين:
الأول: الذين خسروا بر والديهم الذين حسبوا أنهم اطمأنوا ببر والديهم وقد كادوا يدخلون النار وهم أحياء والعياذ بالله وما هذه السطور إلا للموعظة والذكرى.. يقول الراوي:
حين ماتت زوجته لم تهن عليه الحياة وتسعد بل أحس بضيق بعد رحيل شريكة عمره، وأبناؤه سعداء مع أولادهم وزوجاتهم وكُلٌّ في منزله يهنأ بالسعادة والسرور مع زوجته وأبنائه فشكا لهم رحيل أمهم وأنه بالقبر الدنيوي معذب فأعرضوا عن والدهم قرة عينهم حين كانوا في ظلمة الطفولة والجهل الدفين فلما وجد أن الأبناء معرضون عاقون غير آبهين ولا متعظين لجأ إلى أحد الأحفاد وكان مخلصاً لجده باراً به ساكناً في قلبه صباح مساء. فتعهد الحفيد بتزويج جده والخطبة له حتى يسعد بحياته.
وما إن علم أكبر أبنائه حتى أعلن الحرب على والده فنصحه الثقات من الأصدقاء وقالوا هذا والدك ابحث عن سعادته، رد عليهم: (تريدون عيال أبو من زوجته الجديدة يرثون ويشاركون إخواني بميراثنا؟!) وتزوج الجد رغم معارضة ابنه. فما كان من هذا الابن الكبير إلا مقاطعة والده والكيد له بشتى الوسائل. وضاق والده منه ذرعاً رغم أن هذا الكبير متعلم وشكا على والده في المحكمة بوجوب طلاقه من زوجته الجديدة بحجج جعلت القاضي يرضخ لمطلب الابن وحضور والده للمحكمة مكرهاً فحضر والده متثاقلاً من تصرفات ابنه المخجلة، فقال والده للقاضي: أَتسمح لي أن أتوضأ ثم أجلس للقضاء؟ فسمح له القاضي وما إن دنا من ابنه بدار القضاء حتى قال والده رافعاً كفيه إلى الله: (اللهم يا سميع الدعاء إن كان ابني محقاً صادقاً فألهمني الرشد والطلاق من هذه الزوجة الجديدة وإن كان ابني ظالماً لي فانزعه نزعة عزيز مقتدر) يقول القاضي وهو يخطب على منبر الجمعة بهذه القصة الحزينة والجميع يسمع له: (أغمي على الابن الأكبر وغاب عن الوجود وهو بدار القضاء ونُقل للمستشفى) والعياذ بالله وهذه نهاية العقوق والظلم لوالده الذي تحدى الظلام لكي ينور على أبنائه وأخضع الجوع لكي يشبعوا وحرم نفسه لذائذ شتى حتى يتلذذ أبناؤه ويسعدوا فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانياً: الذين ربحوا والديهم بهم والذين بكوا أمام والديهم (أحلونا فنحن لم نفِ بما أوجبه الله) سعوا لسعادة الوالد والوالدة؛ يقول الراوي: كان والده يفتح ديوانيته لجماعة حيه ويقوم بإعداد القهوة والشاي بنفسه وكان الفصل شتاءً وكان عمر ابنه الأكبر ستة عشر عاماً في زمن الفلاحة والفقر المدقع فأمر ابنه أن يذهب ويسقي الزرع الفلاني فاستجاب ابنه البار ونفذ وأمر والده رغم البرد القارس وقلة الكسوة والجوع المسيطر ونسي والده أنه أرسل ابنه إلى الزرع الفلاني مبكراً وتجمع الجماعة منهم المتفيهق ومنهم ذو الفراغ المنوم وقام والده يزود الحاضرين بالقهوة بنفسه فأخذ بعض الحاضرين يلومون الابن وأطلقوا عليه العاق: كيف يتركك وأنت بهذا الحال؟ وما إن دخل الابن على والده حتى نظر إليه والده نظرة الغضب والجماعة يحيطون بهما ورفع آلة يسميها أهل نجد (الملقاط) الذي يلقط به الجمر من النار وكان حامياً فضرب ابنه ضربة قوية على جبهته، فإذا الدماء تملأ وجه الابن وفزع القوم من حولهما ولاموا الوالد على فعلته ناسين أنهم السبب وهو قد نسي أنه أرسل ابنه ليسقي الزرع الفلاني بالفلاحة.
فنقل الابن إلى المستشفى وكانوا يسمونه آنذاك (السبيتار) يجهلون كثيراً من العلاجات إلا إبرة البنسلين!!!! فرقعوا وجه الابن بشاش وآيد ين فقط وعاد الابن على حماره ليعود على والده وجماعة الفراغ والنمامة ما زالوا حوله. وقال لوالده: اترك القهوة لي أصب للجماعة!! قالوا: كيف تصب لنا وأبوك مفجر رأسك؟ رد عليهم بقوله: (وهذه حبة رأس لوالدي أن يسامحني) فتهول الجمع من بر هذا الفتى، فعاتبه والده: أين أنت؟؟ رد على والده بكل لطف والجماعة يسمعون: (أَلم تبعثني أسقي الزرع الفلاني) فتذكر والده وراح يبكي بأعلى صوته أمام الجماعة حتى صاروا يهدئون والده من الروع وهو يردد (ظلمتك يا بعد حبي) فتوضأ والده والرجال يتساءلون: لماذا توضأ؟ وقام وفرش مصلاه ودعا لابنه وهو يبكي بدموع كالمطر. واليوم وفي هذه اللحظة وفي هذا العام 1427هـ يتمتع الابن بصحة جيدة وأبناء بررة ومال وفير وسعيد وذو منصب كبير وينظر إليه الخلق بكل حب فهذا الذي ودع الديه على بر وصلة وطاعة وصار قرير العين بحياتهم وبعد مماتهم .

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved