الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، القائل في محكم كتابه {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}(57) سورة العنكبوت، والصلاة والسلام على من قال له ربه عز وجل {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}(30) سورة الزمر. وقال له أيضاً {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (34) سورة الأنبياء، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فمنذ أيام ودّعت حارتنا الحزينة على فراق مودعها والدا كريما وجارا عزيزا ألا وهو ابو عبدالرزاق الشيخ احمد بن عبدالرزاق العبدالكريم.. رحمه الله رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته ورزق أقاربه واحبابه الصبر والسلوان فإن مصابنا فيه عظيم وخطبنا فيه جلل كيف لا..؟! وقد عرفته كما عرفه غيري بطلاقة الوجه وسلامة الصدر وطهارة القلب وإدخال السرور على الكبير والصغير بالمداعبة والملاطفة والممازحة حتى في مرض موته رحمه الله فقد دخل عليه احد الجيران للسلام عليه والاطمئنان على صحته فجعل رحمه الله يداعبه ويلاطفه ويمازحه مع ما يعانيه - رحمه الله- من ألم المرض وشدة وطأته.
كان رحمه الله كلما رآني جعل يداعبني ويبش في وجهي ويروي عليّ القصص والحكايات التي يقصد منها رحمه الله ادخال السرور على قلبي فجزاه الله عني خير ما جازى محبا عن حبيبه وجارا عن جاره.
كان رحمه الله محبوبا لدى الجميع صغيرا كان أم كبيرا، ولا أدل على ذلك من كثرة المصلين عليه والمشيعين لجنازته والمعزين فيه وهذه علامة خير ان شاء الله في هذا الجار الحبيب المحبوب والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابي هريرة -رضي الله عنه- انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الله تبارك وتعالى اذا احب عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء ان الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض).
كان رحمه الله يتمثل قول رسوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي وحسنه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) فقد كان رحمه الله لا يتدخل فيما لا يعنيه ومن سبر حاله عرف ذلك واضحا جليا عنه رحمه الله.. هذه كلمات قليلة يسيرة جادت بها ذاكرتي الضعيفة عما أعرفه عن جاري ابي عبدالرزاق وهذا هو أقل واجب أقدمه لجاري العزيز ابي عبدالرزاق بعد الاستغفار والدعاء له بالرحمة والمغفرة.. وانني في هذه الفاجعة لا أقول إلا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما توفي ابنه ابراهيم: إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا على فراقك يا أبا عبدالرزاق لمحزونون، ولكن عزاءنا في اولاده البررة الذين ما آلوا جهدا في بره والعمل على خدمته وتلمس حاجاته والسير على نهجه، وطريقته فنسأل الله أن لا ينقطع برَّهم به بعد مماته عملا بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: وذكر منها أو ولد صالح يدعو له).. وان يجعلهم خير خلف لخير سلف. رحم الله الوالد أحمد بن عبدالرزاق العبدالكريم وأسكنه الفردوس الأعلى ورفع درجته في المهديين وأفسح له في قبره وأبدله داراً خيراً من داره وأهلا خيراً من أهله وجعله من الذين يبشرون بروح وريحان ورب راض غير غضبان انه ولي ذلك والقادر عليه.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|