Friday 4th August,200612363العددالجمعة 10 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

أهل الاختصاص في تشخيصهم لهذه الظاهرة أهل الاختصاص في تشخيصهم لهذه الظاهرة
مشكلة عقوق الوالدين تظهر عجز مؤسسات المجتمع التربوي عن القيام بمهماتها

* تحقيق - ماجد بن عبد الله الزعاقي (*) :
كلمة (أف) كلمة بسيطة تتكون من حرفين هجائيين وأبسط ما يُقال عنها إنها للدلالة على التضجر وعدم الرضا، ورغم هذا فقد جاء النص القرآني بالنهي عن قولها للوالدين.
بَيْد أننا بدأنا نسمع ونقرأ ونشاهد في واقعنا الحديث من تجاوز هذه الكلمة إلى ما هو أعظم من ذلك فذهب للضرب والسب والشتم والطرد من المنزل وصولاً إلى إيداع والديه أو أحدهما في دُور العجزة.
وهنا نطرح سؤالاً حول ظاهرة العقوق هل هي إفراز حضاري سلبي؟ أم هي قيمة شيطانية ترعرعت وارتوت من الإهمال الأسري؟!!.. أم.. أم..؟
لكي لا نسترسل في الاستنتاج نخوض في هذا الموضوع بأقلام أهل الاختصاص في تحقيقنا هذا لتسليط الضوء على ظاهرة العقوق لتحديد ملامح هذه الظاهرة والخروج بتوصيات فاعلة في الموضوع.
مشاهد دامية
قال أحد الشباب (عمره 27 عاماً) بعد أن شكا من وجع أصابه فمنعه من الجلوس أبداً قال: قالت لي أمي أريدك أن توصلني إلى منزل أحد الأقرباء، فتضجرت منها وصدرت مني ألفاظ قاسية فقالت الأم: أود زيارة هؤلاء الناس فلهم حق عليَّ وأريد أن أصلهم فقلت لها بشرط أن نذهب إلى هناك وسأعود بعد نصف ساعة بالتمام وعندما أطلق منبه السيارة لمرة واحدة تخرجين فإذا لم تخرجي فسأذهب وأودعك فركبت الأم وذهب بها إلى حيث اتفقت معه وبعد نصف ساعة جاء الابن واستعمل منبه السيارة لمرة واحدة فلما لم تخرج أمه بالسرعة التي طلبها ذهب وتركها وانطلق مسرعاً بسيارته.
وهنا أجهش بالبكاء وقال لقد كان القدر بانتظاري فوقع لي حادث مروري وكانت نتيجة هذا الحادث أنني لا أستطيع أن أجلس أبداً.. بل أظل على ظهري أو بطني ولا أستطيع أن أحرك أي عضو من جسدي إلا رأسي فقط.. مقدار هذا الألم من سماع هذه الواقعة يحتم علينا أن نبحث في هذه الظاهرة وأسبابها وسبل الوقاية منها ولنا في ذلك وقفات عدة مع عدد من أهل العلم فنترك قارئنا معهم.
أسباب ذلك
وحول أسباب هذه الظاهرة استضفنا الدكتور علي بن سليمان الصالحي المحاضر بقسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الذي أرجع أسباب عقوق الوالدين إلى عدة عوامل.. فقال:
1 - الجهل بما في طاعة الوالدين وبرهما من الأجر والثواب في الدنيا والآخرة وأن الله جعل طاعتهما في المرتبة التي تلي حقه: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (النساء: من الآية 36) وجعله النبي صلى الله عليه وسلم مقدماً على الجهاد في سبيل الله فقد سُئل صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله؟ فقال: الصلاة على وقتها، قال الصحابي: قلت ثم أي؟ قال: (بر الوالدين) قال قلت: ثم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (الجهاد في سبيل الله) متفق عليه.
2 - الجهل بمنزلة بر الوالدين ومرتبته وآثاره من الثواب الجزيل في الآخرة والجزاء بمثله في الدنيا، فإن البار بوالديه يبره أولاده: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) ومفهومه أن من لم يبر بوالديه وعقهما فلن يبره أبناؤه وسيعيقونه، والجزاء من جنس العمل، والبادئ أظلم وجزاء بر الوالدين تفريج الكربات في الدنيا كما في قصة النفر الثلاثة في الحديث المتفق عليه فقد فرجت عنهم الصخرة التي انطبقت عليهم في الغار، وكان أول أسباب الانفراج أن توسل أحدهم بعمله الصالح، وهو بره بوالديه.
وفي بر الوالدين سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة كما في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه).
3 - الرفقة السيئة والصحبة المنحرفة.
4 - وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، إما بتقصيرها في بيان مكانة هذا الواجب الشرعي، أو بتجرئة الأولاد - بنين وبنات - على والديهم، أو تحسين عقوقهما أو تصوير طاعتهما والتزام أمرهما بأنه نقص في شخصية الولد أو سلب لحريته الشخصية.. إلخ.
آفة العصر
من جانبه بيّن فضيلة الأستاذ الدكتور إبراهيم بن عبد الله السعدان أستاذ التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن آثار عقوق الوالدين على الفرد وعلى المجتمع فيقول إن ظاهرة عقوق الوالدين آفة من الآفات التي انتشرت في مجتمعنا اليوم فلقد أصبح الابن الذي يقوم بواجباته تجاه والديه يشار إليه بالبنان ويذكر كثيراً ويشكر وكأن الأمر أصبح معروفاً يتفضل به الابن على والديه وغني عن القول تأكيد القرآن الكريم على هذا الأمر ففي عدة مواضع نجد {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا}.. أما السنة فيكفي أن نوضح منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل أحق الناس بحسن الصحبة والتعامل الأم والأب ويتبقى التأكيد على أمر يغفل عنه الكثير من الأبناء ألا وهو أن حاجة الآباء والأمهات لإظهار الود والتقدير والعناية والاحترام لا يقل عن الحاجات المادية من قضاء الحوائج وغيرها إن لم تكن أشد.. إن المقصر في حق الوالدين يظلم نفسه بمعصيته لرب العالمين ويحرم نفسه باباً من أهم أبواب التوفيق والتسديد.. إن أهم ما يميز مجتمعنا المسلم هو التكافل والترابط الأسري بوجه خاص والترابط الأخوي بوجه عام وان تفشي هذه الظاهرة يقضي على هذه الميزة ويؤدي بنا إلى التفكك والضياع وانتشار الأنانية والطمع في الدنيا وترك ما عند الله.. وختاماً لا بد من الإشارة إلى أهم المنطلقات للقضاء على هذه الظاهرة يبدأ من الوالدين وذلك باستشعارهما الرسالة التربوية التي أناط الله بها الوالدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} ويكون ذلك من خلال التربية الإسلامية.
آثاره وعواقبه
وأضاف فضيلة الأستاذ الدكتور السعدان عن آثار عقوق الوالدين على الفرد وعلى المجتمع فيقول (فيما يخص الفرد) فإن الفرد العاق يعرض نفسه لسخط الله وعقوبته حيث إنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالها ثلاثاً قلنا بلى يا رسول الله: قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين) ولقوله صلى الله عليه وسلم (ما من ذنب يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة من قطيعة الرحم).. كما أن العاق يضيع باباً من أبواب التوفيق والتسديد في الدنيا والآخرة لأن بر الوالدين مفتاح كل خير وسبب في دفع البلاء كما جاء في الحديث في قصة أصحاب الغار.. علاوة على أن عقوق الوالدين سبب العقوبة العاجلة في الدنيا فدعوة الوالدين مستجابة قال صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات وذكر منها دعوة الوالد لولده، كما أن العاق يقطع الحبل الذي بينه وبين الله وهو الدعاء فقد جاء في مسلم في خبر أويس القرني أنه كان باراً بأمه ولذلك استجيبت دعوته.
أبرز الآثار
وأما آثار هذه الظاهرة على المجتمع فيؤكد الدكتور السعدان أنها تؤدي إلى تفكك المجتمع الإسلامي الذي ميّزه ديننا الحنيف بالتكافل كما قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) علاوة على انتشار الأنانية وحب الذات وترك ما عند الله من الأجر والثواب بما في ذلك ضياع الحقوق والواجبات في المجتمع فمن المعروف أن الإسلام رتب هذه الحقوق والواجبات على أفراد المجتمع فهناك حقوق للكبير على الصغير وللوالدين على أولادهما وللقريب على أقربائه، جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الابن ولامه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ فقال عمر بلى، قال فما هي؟ قال عمر ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب قال الولد إن أبي لم يفعل شيئاً من هذا، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جعلا (خنفساء) ولم يعلمني من القرآن حرفاً واحداً فالتفت عمر إلى الرجل وقال: (جئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته).
الحماية والوقاية
وعن سبل حماية الناشئة من عقوق الوالدين يشارك الأستاذ الدكتور صالح بن إبراهيم اللحيدان الأستاذ بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيقول إن حماية الناشئة من عقوق الوالدين هي جزء أساس من عملية التربية بشكل عام ومن التنشئة الاجتماعية بشكل خاص وعقوق الوالدين يُعتبر مشكلة اجتماعية يزداد حجمها مع الزمن وهي ناتجة عن عجز مؤسسات المجتمع التربوي من بيت أو مسجد أو مدرسة أو إعلام من القيام بالمهمات التربوية التي تجعل الناشئة لا يقعون في هذه المشكلة.
وأكد أن الطريق الإيجابي لحماية الناشئة من عقوق الوالدين هو بناء الخصلة المضادة للعقوق وهي بر الوالدين ولهذا على المؤسسات التربوية المختلفة أن توظف جميع إمكاناتها لتنشئة أفراد المجتمع على بر الوالدين وهذه التنشئة يجب أن تسير على منهج تربوي قائم على تصور شرعي وعلمي يؤديان إلى نجاح في تحقيق هذا الهدف وخصلة بر الوالدين كأي خصلة أو سمة اجتماعية لها مكونات ثلاثة أساسية لا بد أن تكون متكاملة ومتوازنة حتى تظهر هذه السمة بشكل سلوك أدائي يتصف بالقوة والاستمرار وهذه المكونات الثلاثة هي:
1- المكون الوجداني هو أن يُشرّب الناشئة منذ صغرهم محبة والديهم والطريق لتحقيق هذا يختلف باختلاف المرحلة العمرية للفرد ففي مرحلة الحضانة (الرضاعة) يكون بناء هذا عن طريق تقديم الحاجات الضرورية لهم من مأكل ومشرب ونظافة من قِبل الوالدين مباشرة وبخاصة الأم وليس أن نكتفي بالخادمات والمربيات في مرحلة الطفولة وأن نقدم لهم ما يرغبونه من أشياء تدخل على أنفسهم السرور والمرح كاللعب معهم وتقديم الهدايا المناسبة لعمرهم أما في مرحلة المراهقة فيكون بناء الجسر العاطفي بين الشباب والوالدين وذلك بمساعدتهم على كل ما يواجهونه من مشكلات في هذه الحياة والوقوف معهم بدل أن يكون موقفنا هو العقاب والعتاب لما يقع منهم من أخطاء والتي غالباً ما تولّد الكراهية من قِبل المراهقين للوالدين.
2- المكون الثاني هو المكون المعرفي وهو أن نقدم للناشئة في مختلف مراحل التعليم المعرفة الشرعية المرتبط ببر الوالدين وأنه جزء من العمل التعبدي للمسلم وبيان الحكم والفوائد الاجتماعية الناتجة عن ممارسة هذا السلوك وتكرار هذه المعرفة بأساليب وتفصيلات حسب المرحلة العمرية للفرد مع وجوب مساهمة المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام في هذا لتفادي ما قد يظهر من تناقض بين هذه المؤسسات في هذا الجانب.
3- المكون النزوعي والسلوك: إن من أهم مظاهر عقوق الوالدين هو عدم معرفة الناشئة بالممارسات التي من خلالها يمكن أن يحققوا برهم لوالديهم فتجد نسبة كبيرة من الشباب يملكون الجانب الوجداني وهو محبتهم القلبية لوالديهم ولديهم المعرفة حول أهمية بر الوالدين وخطورة عقوقهم، لكنهم لا يعرفون السلوكيات التي بها يترجمون هذه المعرفة وهذه المحبة إلى واقع عملي.. إن السبيل الناجح لجعلهم يملكون صوراً متعددة للتعبير عن محبتهم هو توفير القدرة لهم في هذا عبر مراحل نموهم سواء بصورة مباشرة كما يحدث في البيت من وجود أحد أفراد الأسرة الذي يبرز في هذه السمة (سمة بر الوالدين) أو من خلال المدرسة والمسجد وذلك بإعطائهم القصص من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة وعلماء المسلمين لتصبح نماذج غير مباشرة لهم يتأثرون بها.
دور الهيئة
وفي هذا الموضع تساءلنا هل لرجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دور في علاج هذا الداء؟.. أجابنا على سؤالنا هذا فضيلة الشيخ محمد بن عبد الله الفالح رئيس مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حي السويدي الذي أوضح لنا هذا الدور من خلال وقائع تم التصرف فيها بما يحقق المصلحة فقد بين من القصص والمشاهدات ما وصل إليه حال البعض مع والديهم فيقول حضر رجل وامرأته وهما في غاية الحزن والهم والبكاء فانتظرا برهة من الزمن لم يستطيعا التحدث فأخذنا بتهدئة الموقف فأخذا يتحدثان عما يفعل بهما ابنهما الذي يبلغ من العمر ثماني وعشرين سنة تقريباً حيث يقوم بضربهم ورفع الصوت عليهما والاعتداء على الأولاد الصغار بالضرب فتمَّ إحضار الابن وتمت مناصحته بشيء من التفاهم وبعض كلمات التهديد وأخذ عليه التعهد وأفهم بأننا إخوان له في أي حاجة له مستعدون للقيام بها وتم التفاهم مع أبيه بإعطاء الابن الثقة وشيئاً من المسؤولية فلله الحمد فُرجت وبعدها عاشوا عيشة هنيئة وهم يدعون لرجال الهيئة عما بذلوه وفعلوه.
ثم يذكر فضيلته قصة أخرى فيقول رجل جاء إلى المركز وثيابه ممزقة وهو يبكي ويدعو على ابنه الذي قام بضربه وسبه فاحضر الابن فاتضح أنه صاحب مخدرات فتمت مناصحته لكن دون جدوى فطلب أبوه أن يُحال إلى الشرطة.
ويختتم فضيلته بذكر مشاهداته بقوله جاء اتصال هاتفي إلى المركز من بعض الجيران عن منزل يسمع فيه صراخ واستنجاد.. عليه تمَّ التوجه للموقع فسمع صوت امرأة كبيرة في السن وهي تصرخ وتستنجد فاتضح أن ابنها قد اعتدى عليها بالضرب فو الله أن الأم في حالة يرثى لها من آثار الضرب فتم القبض على الابن فأخذ بالشتم ومحاولة ضرب الأعضاء ونقل للمركز فقمنا بمناصحته وإفهامه، لكن قوبلنا بتعنت من الابن فأحلناه إلى الشرطة خوفاً على الأم من اعتدائه عليها مرة أخرى.
وفي القصة الرابعة شوهدت امرأة بجانب منزلها وهي في غاية من الحزن والبكاء وتمر بحالة يُرثى لها وعند التبيُّن اتضح ان ابنها المتزوج قد أخرجها من المنزل باتفاق مع زوجته التي قالت له: لا أعيش معك ما دامت أمك تعيش معنا وبإحضار الابن وبكل وقاحة ذكر أنه قام بالاتصال على أخيه لأخذها.. وعلى ذلك قدمنا له بعض النصح وطلبت أمه عدم إحالته واكتفت بأخذ التعهد عليه.

(*) فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved