يبرز بين حين وآخر، دعوة للحوار بين الأديان، أو التقارب بحجّة التوحّد في الإيمان، وتبرز هذه عندهم، بشعار خرج منذ 15 عاماً باسم المؤمنون متّحدون.
ولذا فإنه يظهر بين حين وآخر، دعوات تبثّ بين شباب الإسلام، ذوي الثقافة الضّحلة أبرزها: الدعوة للتقارب بين الأديان، وإزالة ما يسمّونه الجفوة بين الإسلام والديانات. واتهام الإسلام بالعداوة مع دياناتهم، وأن أبناء المسلمين لا يتسامحون مع غيرهم لتشددهم، وما كان هذا مقصدهم، وإنما يريدون تقطيع أوصال الإسلام، ونبذ تعاليمه، وتقليدهم في معتقداتهم، كما قال سبحانه: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(120) سورة البقرة.
وما كان الإسلام جافياً، ولا كان علماء المسلمين بالمتشدّدين، ونقول لهم: إن دين الله الحقّ واحد، وهذه الوحدانية، تنبعث من القلب، والعلاقة الإيمانية والعقدية، مع الله سبحانه إخلاصاً وعبادة، وليست ادّعاء وتجهيلاً للآخرين، كما عملوا فيما بينهم من قبل، وفق ما أخبرنا الله سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ}(113) سورة البقرة.
فاليهود أصل كتابهم منزل من عند الله، وهو التوراة، والنصارى: جاءهم رسول من عند الله، معه كتاب أنزل من بعد موسى، وهو الإنجيل، وسمّاهم الله في كتابه المنزّل: أهل الكتاب، فاستحفظهم الله عليه، ولكنهم ضيّعوا العهد والميثاق الذي أخذ عليهم، وكذبوا على الله، كما قال سبحانه: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللّهِ إلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} (169) سورة الأعراف، {بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} (44) سورة المائدة، والمسلمون أنزل الله إليهم كتاباً هو القرآن، جاء به آخر أنبياء الله محمد صلى الله عليه وسلم، فتعهّد الله بحفظ هذا الكتاب كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(9) سورة الحجر.
ونحتكم معهم إلى العقل، والفطرة السّليمة: أيّهما أحقّ بالاتباع، وأمكن في الاستجابة: شيء تُرك حفظه للنفس البشرية، ومعلوم نزعات هذه النفس، وأهواؤها، أو شيء جاء من عند الله بتأكيدات متعدّدة واحداً بعد الآخر, بحفظه من العبث والتّغيير، لا شكّ أن ما حفظه الله أحقّ بالاتّباع.. وما ترك للبشر يحصل فيه الاختلاف، وهذا أمر محسوس في كل أمر يطرح للنقاش: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}(82) سورة النساء، فلا أصدق من الله حديثاً.
ولا يمكن النّقاش في تقارب الأديان، ما لم نعرف القاعدة الأساسية التي ينطلق منها المتحاورون، وتحكيم هيئة عليا، بالرضا بالأقوى من الأدلة، والبراهين، وأن يكون التّسليم بما جاء من عند الله، حيث إن الكتب المنزّلة: التوارة والإنجيل والقرآن, يجب الإيمان بها، وتصديق من جاء بها من أنبياء الله وعدم التفريق بينهم، متّخذين أمر الله سبحانه، قاعدة الانطلاق، وأن لعنة الله على الكاذبين، {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (136) سورة البقرة.
ولمّا كان دين الله واحد، وما يدعو إليه رُسُل الله، وما جاء عن الله سبحانه، في الأصول والعقيدة واحد لا يتغيّر، وإنما يحصل الاختلاف في الفروع، وما يبيحه الله أو يحرّمه، على بعض الأمم، لحكمة يريدها الله جلّ وعلاّ، فهل عند من يدعون للتقارب، استعداد عندما تتم المجادلة، بالتّي هي أحسن، أن يستجيبوا لنداء الحقّ، عندما يتبيّن بالدليل العقليّ والنقليّ.. ليكون لهذا النّقاش، ودعوة التّقارب ثمرة، أم أنّهم يريدون جذب المسلمين إلى مِلَلِهِمْ فقط، والطّعن بالكذب والبهتان في دين الله الحق الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلامُ}(19) سورة آل عمران، بأركانه وتطبيقاته، لا بالادعاء.
فإن هذا لا يسمّى تقارباً، ولا حواراً هادفاً، ما داموا يريدون جرّ المسلمين إلى باطلهم، الذي بيّنه الله في كتابه الكريم، المحفوظ عن تقوّلات البشر، ولا يريدون الاستجابة إلى المنهج الحقّ، السلمي في مخاطبة العقول، والقريب في مفهومه لنداء القلوب المتفتحة، والناشدة للحقيقة.
ودين الإسلام في نظرته للأمور، وسط بين اليمين والشمال: لا تطرّف ولا غلوّ، ولا تساهل في شرع الله، ولا تشدّد في التطبيقات، وأبناء الإسلام، يقفون عند حدود وزواجر المصادر الشرعية: عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما أولئك الذين يريدون جذب المسلمين إلى الحوار والتقارب، فقد أخبر الله عنهم: بأنهم قد حرّفوا كتاب الله وكلامه، الذي جاءهم بالحقّ، وقالوا على الله الكذب، وعدّلوا وبدّلوا في شرع الله الذي بعث به أنبياءه، وعبدوا معه غيره، حيث قالوا: {إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}(73) سورة المائدة، فكفروا بذلك.
كما أن الله قد أخبر عن القول الشّنيع من الطائفتين على الله، وتعالياً عليه جلّ وعلا، في أخصّ ما خلق الله الخلق من أجله، وهو وحدانيّة العبادة له جلّ وعلا، وهو هذا القول الكريم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ}(30) سورة التوبة.
أمّا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أمره ربّه، أن يدعو الأمم كلّها: إنساً وجناً، إلى دين الإسلام، الذي لا يقبل الله من الخلائق والبشرية، دينا سواه، وهو الدين الذي دعا إليه إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء والرسل، ودعا إليه جميع الرسل، من أولهم إلى آخرهم، وذلك بتوحيد العبادة لله سبحانه، وعدم الشريك له سبحانه في ذلك.
وهذا الدين بتعاليمه، يدعو إلى الرأفة والرّفق، ودعوة الأمم كلّها إلى منهجه، رأفة بهم وبُعْداً عن الانحرافات، والقيادة إلى الطريق السليم، وإخراج الناس من ظلمات الشرّ والضلال، إلى نور الحقّ والفلاح والسعادة، فإن الحوار، والدعوة إلى التقارب بين الأديان، سيأتي بقلوب صافية، متطلّعة إلى نشدان الحق، نابذة التّعصب، فنرضى بما أمر الله به: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ}(137) سورة البقرة.
وسيكفينا الله شرهم إنه هو السميع العليم، وبذلك تقوم الحجّة، وقد أدى المحاورون من المسلمين، ما أمرهم الله سبحانه بالدعوة، وبيان الحقّ بدليله العقليّ والنّقليّ، ولا يقدّم في النقل قول البشر على قول الله وقول رسوله، ولا الأهواء والحجج الواهية، على دين الله الذي لا يقبل من المخلوقين غيره.
(للبحث صلة).
حوار مع النصارى
ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن شيخاً اسمه واصل، أيام بني أميّة، أسره النّصارى الروم مع 30 نفراً من المسلمين، فسأله أحد البطارقة فأبى إجابته، حتى يعطيه عهداً، إن ظهرت حجّته أن يسلم، فأحضر له قساً عظيم اللّحية فقال له: أغطسك غداً في المعموديّة، غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمّك. قال الشيخ: وما المعموديّة؟ قال: ماء مقدّس. قال الشيخ: من قدّسه؟ قال: قدّسته أنا والأساقفة قبلي. قال الشيخ: فهل يقدس الماء من لا يقدّس نفسه؟ فبهت القسّ ثم قال: إني لم أقدّسه أنا. قال الشيخ: فما القصّة؟. قال: إنما كانت سنّة من عيسى بن مريم، قال الشيخ: فما الأمر؟. قال القسّ: أن يحيى بن زكريا، أغطس عيسى بن مريم، بالأردن غطسة، ومسح رأسه ودعا له بالبركة. قال الشيخ: فاعبدوا يحيى خير لكم من عيسى.
فبلغ الأمر الملك، فبعث إليه، وقال: ما هذا الأمر الذي بلغني عنك؟ وتنتقص ديني. قال الشيخ: إن لي ديناً، كنت ساكتاً عنه، فلما سئلت عنه، لم أجد بداً من الذّبّ عنه، قال الملك: فهل في يديك حجج؟. قال: نعم. اُدْع من شئت يحاججني، فإن كان الحقّ في يدي، فَلِمَ تلومني عن الذّبّ عن الحقّ؟ وإن كان الحق في يديك رجعت إليه.
فدعا الملك بعظيم النّصارى، فسجد له، وسجد له من عنده، فقال الشيخ: ما هذا؟ قال: هو رأس النصرانية، ومن تأخذ النّصارى دينها عنه.
فدار بينهما نقاش طويل، منه قول الشيخ: عبدتم عيسى لأنه لا أب له، فهذا آدم لا أب له ولا أم، خلقه الله بيده، فضمّوا آدم مع عيسى حتى يكون لكم إلهين اثنين، وإن كنتم عبدتموه لإحياء الموتى، فهذا حزقيل في التوراة والإنجيل، مرّ بميّت فدعا الله فأحياه حتى كلّمه، فضمّوه حتى يكون لكم ثلاثة، وإن كان لأنه أراكم العجائب، فهذا يوشع قاتل قومه حتى غربت الشمس، فقال: ارجعي بإذن الله فرجعت، فضمّوه لكم مع الثلاثة، ليكونوا أربعة، فأفحمه.
فذهبوا به إلى الكنيسة العظمى عندهم، فلمّا دخل وضع أصبعيه في أذنيه، ورفع صوته بالأذان، فجزعوا جزعاً شديداً، فجاءوا به إلى الملك، فقال: إنما ذهبوا بي إلى بيت من بيوت الله - كما قالوا - فدخلت وذكرت الله، بلساني وعظّمته بقلبي، فإذا كان هذا يصفّركم في دينكم، فزادكم الله صفاراً، فقالوا للملك: لا نرضى حتى تقتله؟.
قال: إن قتلتموني وبلغ ذلك ملكنا، وضع يده في قتل القسيسين والأساقفة، وخرّب الكنائس, وكسر الصلبان، ومنع النواقيس، قال الملك: يفعل هذا؟ قال: نعم فلا تشكّوا.. ففكر الملك في ذلك، وتركه وقال: هذا شيطان من شياطين العرب، (تاريخ ابن عساكر 247:26-252 باختصار).
|