تعقيباً على ما ورد في جريدة الجزيرة الغراء من تفاعل مع أحداث (مسرحية التزوير) وما حصل من تلاعب بأنظمة عقود الاحتراف للاعب (محمد نور)، لا شك أنّ ما حصل إساءة للرياضة السعودية .. والذين تلاعبوا بالأنظمة في نادي الاتحاد توهَّموا واعتبروا أنّ التقدير لأشخاصهم من اتحاد الكرة (حصانة) تجرِّدهم من العقوبات فتجرؤا بالقفز على الأنظمة، بقضية هزت الكرة السعودية التي كانت لها صورة زاهية في عيون العالم لأنّها - أي الرياضة السعودية - نزيهة وشريفة ومبنية على نظم وأسس وأخلاقيات، جعلت لها مكانة رفيعة ومتميزة.
وعلى خلفية القضية الأخطر على الرياضة السعودية (قضية التزوير) التي محوراها الأساسيان إدارة نادي الاتحاد واللاعب محمد نور، يجب التوقُّف عند عدد من الملابسات والأسباب التي سارعت بنشوء هذه القضية الخطرة، وكيفية التصدي لها واجتثاثها:
أ- في البداية التنبُّه إلى أن هذه القضية بداية تدميرية لن يقتصر خطرها وظلالها وتبعيّتها وآثارها على عقود اللاعبين فحسب، بل نخشى إنْ دمدمت القضية بالرماد يبقى لظى جمرها مرضاً خابتاً يوهن عصب وأوتار ونسيج أنظمة الرياضة السعودية لأزمنة مديدة.
ب- لم ينس المجتمع الرياضي بعد قضية التزوير السابقة وما قامت به إدارة نادي الاتحاد من التلاعب بتواريخ التعاقد للاعب المغربي جواد الزايري.
لقد سلكوا بالتعاقد مسلكاً مريباً مغلفاً بالخداع والتضليل ومن ذلك التواريخ المعدّلة في عقد اللاعب ليتم خطفه وإبطال عقد الهلال مع اللاعب .. بل تعدى الأمر إلى ما هو أسوأ من ذلك، وهو الإيعاز لوكيل اللاعب الأجنبي بمماطلة نادي الهلال بالمواعيد الوهمية لتفويت الفرصة على الهلال من تعاقدات أخرى حتى تتم انتهاء الفترة الزمنية المحددة للتعاقدات الاحترافية مع اللاعبين، وفي النهاية سلب اللاعب من نادي الهلال بطرق ملتوية وساذجة ومزرية، وللأسف لم يحرك ساكنا لمثل هذه القضايا المؤثرة والمرفوضة.
ج- القرارات والعقوبات التي صدرت بحق اللاعب (محمد نور) ميَّزته عن بقية اللاعبين حتى اعتقد البعض أن (نور) مستثنى من العقوبات، بل إن بعض اللاعبين تساءلوا عن (الضمان) الذي يجعل (محمد نور) في مأمن من آثار العقوبات المتكررة.
ولما كان لإدارة الاتحاد نفوذ غير عادي، كانت القرارات ضد نادي الاتحاد ولاعبيه ضعيفة أو متضاعفة بل تفرّغ أحياناً عن مضامينها.
الجميع يتذكر ما حصل للحكم السويسري العالمي في محاولة الاعتداء وما أعقبها من السب والشتم والرفس من لاعبي نادي الاتحاد وهم مناف أبو شقير، ومسفر القحطاني ومبروك زايد ونور .. في مهزلة قادهم فيها المدرب الأجنبي يوردانيسكو يدفعه ويسانده إداري الفريق حمد الصنيع، وما زال التساؤل عالقاً في أذهان الجماهير الرياضية بأنّ مهزلة نادي الاتحاد مع الحكم السويسري مشابهة إلى حد كبير بمهزلة نادي الجبلين مع الحكم القحطاني .. فلماذا نادي الاتحاد مرّت مهزلته بسلام، بينما الآخرون تحت مشرط العقوبة، والدليل ما ناله نادي الجبلين من عقاب رادع ومؤثِّر؟!
هـ- إدارة نادي الاتحاد واللاعب محمد نور، كلاهما لا يأبه بأي قرار يصدر صوب نادي الاتحاد حتى ولو وصل الأمر إلى الشطب أو الإيقاف المقرون بعدم العفو أو التنحية، لأنهم استلطفوا الأمر بل إنهم استثمروا القرارات لصالحهم في كل الأحوال.
و- الاحتراف المضلل الذي تمارسه إدارة نادي الاتحاد مع لاعبيها - كما يؤكد ذلك شكوى الهوساوي (نور) - هو الذي جعل الفكر الاحترافي لدى لاعبينا أشبه بالتوهُّمات .. بل جعلهم في أرجوحة لا يدري معها اللاعب أين يتجه به الاحتراف السري (المعدل) زمنياً.! فما حصل لمستوى اللاعب (محمد نور) في كأس العالم، خير شاهد، فلماذا نلوم الفكر الاحترافي للاعبين ونعوِّل عليه تردِّي نتائج المنتخب في المونديال ونسارع بالمنتديات الرياضية لمناقشة إخفاقاتهم، وفي الخفاء يمارس ضدهم التلاعب بعقودهم الاحترافية، مما يقيد عطاءاتهم ويحد من إبداعهم ويجعلهم في دوامات فكرية قاهرة، لا يجد معها اللاعب الاستقرار الذي هو منطلق الإبداع.
ز- كل ما يخشاه ويتوقَّعه بعض المتابعين أن تغلب المجاملات وتطييب الخواطر وبالتالي دمدمة القضية لصالح أشخاص اعتادوا السلامة من العقوبات .. أو رمي تبعية القضية على أشخاص هم أضعف من أن يستأنفوا المطالبة لرفع ما يقع على أنفسهم من تبعية .. فالتضليل والخداع قد يحجب الحقيقة. فلو رميت (فضيحة التزوير) في نادي الاتحاد على السكرتير أو مسؤول الاحتراف مثلاً، لخرجت القضية عن محاورها الثابتة وهم: إدارة النادي واللاعب محمد نور.
ما حدث لعقد محمد نور من تزوير يُعد مفاجأة مدوِّية بل فضيحة، لأنّها قضية ولا كل القضايا .. فها هم عقلاء نادي الاتحاد أمثال الجمجوم يرفضون التستُّر على فضيحة التزوير المسرحية لمعرفتهم لأبعادها ولأنّه لا يجدي معها التزلُّف ولا الاستجداء ليبقي بتر مثل هذه القضية والتصدي لها من عدمه هو الفيصل بين النظام واللا نظام!!
ح- كل الفئات الرياضية في أصقاع العالم تابعت وانتظرت نتائج ما حصل في (إيطاليا) من تزوير وخداع ورشوة، حتى صدر القرار التاريخي القوي المجلجل الذي وصل مداه إلى كل من سمع بأحداث القضية أياً كان موقعه، وبه سقطت أندية عالمية بلغت شهرتها الآفاق، ما كان لها أن تسقط لولا قوة النظام ونفوذه، وهذا ما جعل (إيطاليا) تخطف زعامة العالم رياضيا في وقت حطمت فيه قيود (الرشوة) لتتعافى رياضتها إلى الأبد.
وعلى النقيض من ذلك فإنّ الرياضة العربية لن تكسر حاجز الأدوار التمهيدية لكأس العالم .. فالجماهير العربية تعتقد بل تجزم ان من أسباب تردِّي النتائج لكرتنا العربية تقوقع مستوياتها ومحدودية الطموح .. غياب القرارات القوية والرادعة في حق الأندية الكبيرة الواسعة النفوذ. ولا لأصحاب الوجاهات الرياضية ولا لنجوم الملاعب المرموقين، لأن الجماهير تستند على ذلك بأحداث سابقة، إلاّ أنّ الجماهير السعودية والخليجية والعربية تنتظر القرار الرياضي السعودي الأقوى ليحاكي ما حصل في (روما) .. فهل يتم حل إدارة نادي الاتحاد.؟! كما تم حل إدارة نادي الأنصار والجبلين .. أم أنّ العقوبة ستنال (نور) مجدداً .. فالمهم القضاء على أعظم آفة تهدِّد الرياضة وتفسدها، لتظل رياضتنا نزيهة وشريفة إلى الأبد.
إبراهيم المحيميد - بريدة |