Sunday 30th July,200612358العددالأحد 5 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

إلى الإيمان.. من جديد إلى الإيمان.. من جديد
سلمان بن فهد العودة

(يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا..)، آمِنوا من جديد.. بالله وأسمائه وصفاته، فإن الإيمان بالله هو قلب الحياة وضميرها، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}، وفي هجير الحياة ورمضائها يجد المؤمنون في اللجوء إلى الله عز وجل وعبادته ظلا ً ظليلا، عوضاً عن حَرور المعيشة والحياة، ويجدون في الإيمان حياةً قائمة عوضاً عن موت الحس والقلب، ويجدون عند بابه بَصَر الحق والنور عوضاً عن عمى الضلالة والظلمات {وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} فعباد الله المؤمنون يتذوقون في اللجوء إلى الله عذوبة النجوى واللغة، فهو ملجأهم وأنيسهم، فيقول قائلهم - وهو في غمرة التعب والنصب:-
منطرحاً أمام بابك الكبير..
أصرخ في الظلام أستجير..
يا راعي النمال في الرمال..
وسامع الحصاة في قرارة الغدير..
فتخيّل هذا القلب المهزوز المرتبك ينادي ربه أن يهبه الحياة والصحة والرضى، بعد أن طال بُعده عن ربه وتاهت به الدروب، وأنهكته الخطوب.
إن الدعوة للإيمان تشمل حتى أولئك المؤمنين الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم أمثالنا، وبعد ما أنزل عليهم الكتاب فاختلفوا، وأرهقهم الجدل الكلامي عن حقيقة الإيمان والحياة والعمل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}.
إن الإيمان هو دوام الحب لله والتصديق به واللهج بذكره، ودوام سجود القلب لله..
سئل بعض السلف: هل يسجد القلب؟قال: نعم، يسجد سجدةً لا يقوم منها إلى يوم القيامة.
وهذا الإيمان يعطي الأحياء قانون الحياة وتعاليم البقاء، ويعودهم على الشجاعة الحقيقية في معركة الحياة كما يقول أحد شعراء النضال الفلسطيني:
هاتوا أياديكم.. فمعركة البقاء تريدكم جندا ً..،
ومعركة الرجوع..
الموت للغر المغامر والجبان..، والمجد للبطل الذي يتحمل الصدمات.
فالإيمان بالله هو الكفاح في معركة البقاء والوجود، والعمل في سبيل الله، والكر والفر، والإقدام والرجوع، وأما حصر الإيمان والتعبد في الأداء النسكي المحض من الشعائر التعبدية المحضة كالصلاة والصوم فقط فهو قضاءٌ على شطر كبير من حقيقة الإيمان والعبادة، وإن هذا المفهوم الذي يعزل بين العمل العام وبين الإيمان والعبادة غريبٌ عن روح الإسلام ومقاصده وثوابته، بل هو إرث كنسي مسيحي متعلق بظروف التاريخ الغربي ومشاكله الخاصة..
فالإيمان والتعبد في الإسلام يضيف إلى كنفه كل أشكال العمل الخيّر والنفع الذي قصد به وجه الله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وقد نسمع كثيراً من يتحدث عن الخاتمة الحسنة فيذكر من مات وهو ساجد، أو وهو قائم يصلي أو نحوه وهذا من حسن الخاتمة دون شك، إنما ليست محصورة في ذلك، فلماذا لا نثني - مثلا ً - على من مات وهو مجتهد في حقله ومزرعته، ونعد ذلك من حسن الخاتمة، أو من يعمل حتى يكفي نفسه وزوجته وأولاده ووالديه من العيش الحلال؟
لماذا لا نثني على من مات وهو منهمك في إبداع أو اختراع أو ابتكار؛ يخدم من خلاله الإسلام والمسلمين؟
لماذا لا نثني على من مات وهو منشغل في وظيفته التي من خلالها يقوم بواجبه تجاه أمته ومجتمعه، ويطلب العيش الكريم الحلال؟
لماذا نظن أن الشيء الذي ينبغي الثناء عليه فحسب هو جانب التعبد المحض، دون جوانب الحياة المختلفة التي كأنها معزولة أو بعيدة..
يروى في الحديث (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، والموت هو القيامة الصغرى ففي الحديث يجعل العمل والحياة والزرع أداءً لحق الله؛ لأن هذه الفسيلة المغروسة ليس فيها أي نفع دنيوي بعد أن تقوم القيامة.
والأنبياء - عليهم السلام - حين يدعون للإيمان فهم يدعون للحياة والعمل حين يقولون: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وكانوا يعيشون الحياة كلها بشكلها الطبيعي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، بل ويعدون الناس بخيرات الحياة أو يلفتون أنظارهم لها، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}.
وجَعَل الإسلامُ مفهوم الإيمان يشمل كل ضروب الحياة من الضمير إلى أدنى الأعمال (الإيمان بضع وسبعون - أو: وستون - شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وقدّم تصنيفاً واسعاً مرناً للإيمان فجعل السلام صدقة، وإصلاح ذات البين صدقة، وإعانة المحتاج، وتخفيف المعاناة عن المصابين، بل حتى الشهوة الجنسية، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيه أجر؟
قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر). أخرجه مسلم.
وتاريخ الإسلام والإيمان هو تاريخ العلم والعمل والحضارة والثقافة، وتاريخ العلماء الفقهاء جنباً إلى جنب مع تاريخ العلماء المبدعين؛ عاشوا في جو ٍ واحد، وكانت مسؤولية الحاكم المؤمن حماية المجتمع وتطوير كل ألوان العلوم، دون أن يفتعلوا انقساما ً في عقل الإنسان وضميره وعقله بين العبادات المحضة والأعمال الدنيوية النافعة، والمصالح العامة.. فكل ذلك لوجه الله وفي سبيله، وصدق الله: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

salman@islamtoday. net

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved