لبنان درة في تاج العروبة.. تمثِّل للعرب باريسهم أو سويسراهم، وهي جنة الشعراء ومحضن التنوّع والإخاء فيها تذوب الطائفية ليبرز الوطن!! مأساة حقيقية حين يتحول النموذج المثالي إلى دمار وأن يدمر المثال العربي من أجل العروبة وأن يستباح بحجة الحفاظ على حرمتها!! لم أستطع تصديق ذلك وأنا الزائر والسائح لقلب لبنان كل عام منذ أن تعافى من جراحه... كان صباحاً مشرقاً يتنفس بالمحبة.. صباحاً من صباحات لبنان الفيروزية.. حين تصدح في الجبل والسهل.. لم يقطع صوت فيروز في ذلك الصباح سوى قنابل الموت وقصف الطائرات!! كان المحب العاشق للبنان في داخلي يدفعني لعدم التصديق واتهام أُذنيَّ بالصمم عن سماع الهدوء الذي كان ينبغي أن تدغدغه أصوات العصافير التي تعشق فضاء لبنان لا طائرات عدوه!!
حين اشتدت وطأة الأزمة قررت أن أفارق لبنان وأعود إلى الوطن وأنا أدعو من كل قلبي لإخواني اللبنانيين بسرعة الفرج وانكسار العدو!! لا أستطيع أن أنكر تعاون الشعب اللبناني معنا كسياح وأسفهم لمفارقتنا في مثل هذا الوقت من العام لكني أيضاً ورغم هذه الصورة المشرقة لا أستطيع أن أنسى صورة استغلال سيئة ومخزية كنا قد تعرضنا لها في طريق بيروت سورية عن طريق ظهر البيدر وحين وصلنا إلى منطقة المصنع في الحدود اللبنانية.. في ظل الخوف والهلع والتعب تم استغلالنا أسوأ استغلال وابتزازنا بطلب الرشاوى صراحة دون مرعاة للحدث والحالة النفسية التي أصابتنا!! كانت السيارات مكدسة في الطريق والدفع الوسيلة الوحيدة للمرور بلا نقاش ولا احتجاج فلا رحمة لصغير ولا امرأة ولا كهل، فالكل سواسية في الاستغلال!!
حين دخلنا الحدود السورية لم يكن الحال مختلفاً فاستمر مسلسل الابتزاز والاستغلال وكأن هذه الأزمة قد فتحت باب كنز لأولئك المستغلين!! حينها تساءلت عن العروبة ومواقف العرب والشهامة وأشياء أخرى بددتها في داخلي عبارة أن الأحداث تكشف المواقف وأن الكلام تصدقه الأفعال!! لكن أكثر ما أساءنا وأضعف من موقفنا هو عدم وجود مندوب من السفارة السعودية الذي كان من المفترض وجوده هناك!!
كان مطار دمشق المحطة الأخيرة قبل الوصول للوطن وهناك لم نجد أحداً من السفارة أيضاً وهو ما جعلنا نتساءل عن دور السفارة وغيابه في هكذا ظروف!! في ظل ذلك الغياب حاول بعض منا الحديث إلى مدير مكتب الخطوط السعودية في المطار ولكنه للأسف نهر أحد الساعين إلى الحديث معه حين دخل المكتب بحجة أنه يقرأ رسائل شخصية خاصة!! وأهدي هذه الصورة لمعالي مدير الخطوط الجديد الذي أعتقد بأنه لا يسره أداء هكذا موظف في هكذا ظروف، حيث يتكدس الآلاف في المطار وهو ينشغل برسائل شخصية!! ولكن ذلك الذي يقرأ رسائله الشخصية سرعان ما هبّ مسرعاً وخرج شخصياً ليتابع بنفسه ترتيبات سفر آخرين يبدون من أصدقائه أو ممن حظوا بتوصيات من آخرين تربطهم علاقة به أو كبار شخصيات كما فهمنا من حرصه واحتفائه!! ولكن ماذا عن توجيه خادم الحرمين الشريفين برعاية وتسهيل أمور السعوديين جميعاً في هذه الظروف هل كان خاصاً بفئة دون أخرى وهو الذي يعم حرصه الجميع وعطفه الضعيف قبل القوي!! أسال هذا السؤال مرة أخرى لمعالي مدير الخطوط السعودية حول أداء أحد موظفيه في أزمة كهذه!!
في تلك الرحلة الطويلة والشاقة أيضاً لم تكن الصورة سيئة كلها فقد كان هناك تعاون ورعاية كاملة للسعوديين من قِبل القنصل العام السعودي في بيروت والقنصل السعودي لشؤون الرعايا والأخ المسؤول عن الخطوط السعودية في لبنان ولا يفوتني أيضاً ذكر جهود المدير الإقليمي للخطوط السعودية ومتابعته للأسر وتخفيف وتذليل ما يواجهونه!! وأخيراً أحمد الله على العودة سالماً إلى أرض الوطن وأدعو الله أن يكشف غمة لبنان الحبيبة.
صالح بن حمد الشبل |