تناولنا في عدد سابق ما يجب على الموظف وما يحظر عليه وحالات عملية عنها؛ حيث تطرق لذلك عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة الأستاذ أحمد بن عبد الرحمن الزكري. وفي هذا العدد سنتطرق إلى ما ذكره عن عناصر تأديب الموظف، وعن المخالفات التأديبية والمبادئ المستقرة في مجال المخالفة، وأنواع المخالفات وبعض الأمثلة عليها، وحالات عملية عن ذلك.
عناصر تأديب الموظف
يتعيَّن على المحقق الوقوف على عناصر أو مقومات نظام التأديب، وهي أن يرتكب الموظف مخالفة تأديبية (إدارية أو مالية). ولما كان نظام تأديب الموظفين قد حدَّد العقوبات التأديبية استناداً إلى أنه (لا عقوبة إلا بنص)، ومن ثم ينشأ حق الجهة الإدارية في توقيع العقوبة التأديبية المناسبة بحق المخالف. من هذا المنطلق ينبغي على المحقق الإلمام بمقومات التأديب في حدود الإجراءات التي بيَّنها نظام التأديب، وذلك على النحو التالي:
أولاً: المخالفة التأديبية.
ثانياً: العقوبة التأديبية.
ثالثاً: السلطة التأديبية.
وهناك عنصر آخر، وهو الموظف العام، وسوف يتم التطرق إليه عند الحديث عن الأشخاص الخاضعين لنظام التأديب.
أولاً: المخالفة التأديبية
تعريفها:
(كل ما يصدر عن الموظف من فعل أو امتناع عن فعل بطريق العمد أو الإهمال ينتج عنه إخلال الموظف بالواجبات أو المحظورات المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية أو الإخلال بشرف وكرامة الوظيفة العامة، وكذا الواجبات التي يقتضيها انتظام واطراد سير العمل بالمرفق العام ولو لم يَرِدْ بها نص وسواء تحقق ضرر أو لم يتحقق كنتيجة للمخالفة).
المبادئ المستقرة في مجال المخالفة التأديبية
1- المخالفات التأديبية غير محددة على سبيل الحصر، ومن ثم تتمتع الجهة الإدارية بسلطة تقديرية في اعتبار فعل ما أو عدم اعتباره مخالفة.
2- اطراد العمل على مخالفة الأنظمة واللوائح أو التعليمات لا يسبغ الشرعية على المخالفات المرتكبة ولا ينفي قيامها؛ لأن الخطأ لا يُبرَّر بالخطأ.
3- ادِّعاء الجهل بالأنظمة واللوائح لا يعفي من المسؤولية إذا كانت الأمور والوسائل ميسرة أمام الموظف للإحاطة بها.
4- عدم جواز مساءلة الموظف تأديبياً في المسائل الفنية التي تختلف فيها وجهات النظر إلا إذا كان سيئ النية أو خالف أبسط المبادئ المستقرة والأصول العلمية المسلَّم بها.
5- الادعاء بزيادة عبء العمل على طاقة الموظف العادي لا ينفي عنه المسؤولية التأديبية، وإنما يعتبر ظرفاً مخففاً يراعى عند توقيع العقوبة.
6- إن عدم مساءلة الموظف جنائياً لا يعني بالضرورة عدم مسائلته تأديبياً؛ لاستقلال كل من الدعويين في الأساس والغرض والجزاء.
7- إذا نشأ عن الفعل الواحد جريمة جنائية ومخالفة تأديبية فإن توقيع عقوبة على كل منهما لا ينطوي على تعدُّد محظور في العقوبة.
8- الحكم الجنائي يقيد السلطة التأديبية في حالة البراءة أو الإدانة، أما في حالة عدم الإدانة لأي سبب كان فإن مساءلة الموظف تأديبياً متروك تقديرها للسلطة التأديبية، بخلاف عدم الإدانة نتيجة لعدم قيام الجريمة فإنه في هذه الحالة لا يمكن مساءلته تأديبياً.
وقبل أن نبين أنواع المخالفات التأديبية نودُّ أن نشير إلى طبيعة العلاقة بين الجريمة الجنائية والمخالفة التأديبية، وذلك لأن الفعل الذي يصدر عن الموظف قد يشكل مخالفة تأديبية أو جريمة جنائية أو هما معاً في نفس الوقت. فالمخالفات التأديبية تختلف في طبيعتها عن الجرائم الجنائية؛ لأن الجزاءات التأديبية تهدف إلى محاسبة الموظف نتيجة إخلاله بواجبات وظيفته وتوقيع العقوبة المناسبة بحقه، أما الجزاءات الجنائية فتهدف إلى محاسبة الشخص نتيجة لارتكابه فعلاً ضاراً بالمجتمع، ويكون جزاؤه عقوبةً توقع عليه باسم المجتمع زجراً له وردعاً لغيره. فلا تلازُم بين المسؤولية التأديبية وغيرها؛ لأن عدم مساءلة الموظف جنائياً لأي سبب لا يحول دون مسائلته تأديبياً.
أنواع المخالفات التأديبية
نصَّت المادة 31 من نظام التأديب على أنه (يعاقب تأديبياً كل موظف ثبت ارتكابه مخالفة مالية أو إدارية..).
تنقسم المخالفات التأديبية إلى نوعين:
أولاً: من حيث طبيعة المخالفة تنقسم إلى:
1- المخالفة المالية:
هو الفعل أو الامتناع عن الفعل الذي يقع من الموظف ويخالف به أحكام نظام ديوان المراقبة العامة أو اللوائح التنفيذية له، أو أحكام أنظمة الدولة ولوائحها المتعلقة بالمحافظة على أموالها المنقولة أو الثابتة وتنظيم شؤونها المالية، وكل إهمال أو تقصير يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو تعرُّض مصلحة من مصالحها المالية للخطر أو أن يكون من شأنه أن يؤدي إلى ذلك. عدا ما يندرج تحت اسم الجرائم الجنائية؛ كالاختلاس وتبديد المال العام والتفريط والعجز وكل ما نصَّ عليه نظام مباشرة الأموال العامة وكذلك المرسوم الملكي رقم (43) في 29-11-1377هـ.
2- المخالفة الإدارية:
هو الفعل أو الامتناع عن الفعل الذي يقع من الموظف ويخالف به واجبات ومحظورات وظيفته المنصوص عليها في الأنظمة واللوائح أو التعليمات أو الأوامر الصادرة بشأنها، وكل ما يخرج عن دائرة المخالفة المالية.
بعض الأمثلة على المخالفات التأديبية التي يرتكبها الموظف:
1- الإخلال بشرف الوظيفة والكرامة سواء أثناء العمل أو خارجه.
2- عدم مراعاة الآداب واللياقة في التصرفات مع الجمهور والزملاء والرؤساء.
3- عدم الانضباط وتبديد الوقت في غير واجبات الوظيفة.
4- عدم تنفيذ الأوامر الصادرة إليه بالدقة والأمانة اللازمتين في حدود الأنظمة والتعليمات.
5- توجيه النقد أو اللوم للحكومة بأي وسيلة من وسائل الإعلام المحلية أو الخارجية.
6- إساءة استعمال السلطة الوظيفية.
7- قبول الرشوة أو طلبها.
8- قبول الإكراميات والهدايا بالذات أو بالواسطة بقصد الإغراء من أرباب المصالح.
9- إفشاء الأسرار التي يطَّلع عليها الموظف بحكم الوظيفة ولو بعد تركه الخدمة.
10- استعمال الفظاظة مع أصحاب المصالح المتصلة بعمله من حيث عدم تسهيل معاملاتهم المطلوبة في مجال التخصص.
11- الاشتغال بالتجارة بطريق مباشر أو غير مباشر.
12- الاشتراك في تأسيس الشركات أو قبول عضوية مجالس إداراتها أو أي عمل فيها أو في محل تجاري دون أن يكون معيناً من قبل الحكومة أو بمقتضى إذن للعمل في القطاع الخاص في غير أوقات الدوام الرسمي.
13- المخالفات التي تتعلق بمواعيد العمل؛ كالغياب دون إذن أو التأخر في الحضور أو التوقيع في دفتر الحضور والانصراف قبل المواعيد الرسمية.
14- مخالفات تتعلق بأداء العمل؛ كالعمل في موقع آخر دون إذن رسمي.
15- تجاوز أو ممارسة السلطة بقصد المنفعة للذات أو للغير، جمع النقود والتبرعات دون إذن رسمي من الجهات المختصة، لصق الإعلانات دون إذن، وجود الموظف في غير مكان عمله أثناء ساعات العمل.
16- استثمار وقت العمل في غيره؛ مثل قراءة الصحف والمجلات، والنوم، واستقبال الزوار في غير الأماكن المخصصة لذلك.
17- مخالفات أخرى؛ مثل التحريض على مخالفة التعليمات، وعدم الإبلاغ عن أي مخالفة قد تقع، وتوقيع الجزاء بغير وجه حق أو تحت ستار المصلحة العامة، والاحتفاظ أو نزع الأوراق والمستندات الرسمية دون مبرِّر، والاعتداء ضرباً أو سباً أو تجريحاً أو قذفاً على الرؤساء أو المرؤوسين، وبث الإشاعات المغرضة، والتستر، وبعث الشكاوى الكيدية، وممارسة الاحتيال والغش.
ثانياً: من حيث جسامة المخالفة
وترجع أهمية هذا التقسيم إلى تقدير العقوبة التي تتناسب مع كل مخالفة على حدة.
1- المخالفة الجسيمة:
هي القيام بعمل محظور أو الامتناع عن أداء واجب، ويكون ذلك عن قصد وعمد مبتغياً من وراء ذلك تحقق نتيجة معينة.
2- المخالفة البسيطة:
هو الفعل الذي يقع من الموظف نتيجة الخطأ أو الإهمال دون قصد تحقيق نتيجة معينة، إلا إذا كان الإهمال أو عدم الإدراك لا يقع فيه الرجل العادي الذي أحاطت به ظروف مماثلة كالتي أحاطت بالمخالف وقت ارتكاب المخالفة، ففي هذه الحالة تعتبر المخالفة جسيمة.
ولما كانت صفة الجسامة تغلب على المخالفات المالية التي نجم عنها إلحاق خسارة مالية بالمال العام فإنه يمكن تصوُّر المخالفة الإدارية الجسيمة كما في حالة قيام أحد الموظفين في إدارة العقود بإفشاء سر إحدى المناقصات لأحد المتقدمين. وعلى أية حال فإن تقدير الجسامة متروك للجهة الإدارية التابع لها الموظف المخالف.
الخاضعون لنظام
تأديب الموظفين
على المحقِّق أن يكون على معرفة بالأشخاص الخاضعين لنظام التأديب لغرض تطبيق أحكام نظام التأديب بحقهم.
نصَّت المادة (48) من نظام تأديب الموظفين على أنه (يسري هذا النظام على جميع الموظفين المدنيين في الدولة عدا أعضاء السلك القضائي، كما يسري على موظفي الأشخاص المعنوية العامة).
يتبين من هذه المادة أنها تشمل في تطبيق أحكام النظام جميع الموظفين المدنيين في الدولة وعلى موظفي الأشخاص المعنوية العامة عدا بعض الفئات الوظيفية التي استثنيت بنظام مثل (أعضاء السلك القضائي - أعضاء السلك الدبلوماسي - أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام - أعضاء مجلس الشورى - الوزراء ومَن في حكمهم - نوَّاب الوزراء - موظفو المرتبة الممتازة ومَن في حكمهم - المستخدمون - المعينون على بند الأجور، العمال الخاضعون لنظام العمل والعمال).
فمَن هو إذن الموظف المدني؟
الموظف المدني هو الشخص الذي يعهد إليه بوظيفة دائمة أو مؤقتة داخلة ضمن كادر الوظائف الخاص بمرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام وتتوافر فيه الشروط والأحكام التي نصَّ عليها نظام الخدمة المدنية ومسوغاته للتعيين في إحدى وظائف المجموعات العامة للوظائف التي حدَّدها وصدر قرار صحيح من الجهة المختصة نظاماً بتعيينه.
الأثر المترتب على تعيين الموظف:
يترتب على تعيين الشخص ومباشرته للوظيفة اكتسابه صفة الموظف العام، وبموجبه تنشأ الرابطة الوظيفية بينه وبين الإدارة التي يحكمها نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية، ومنذ لحظة مباشرته للوظيفة يكون الموظف مسؤولاً عن أخطائه الوظيفية والمسلكية التي تقع منه؛ لأن المتعارف عليه أن مناط خضوع الموظف لنظام التأديب ينشأ منذ لحظة تعيينه ومباشرته للوظيفة ويستمر طوال حياته الوظيفية وينتهي بانتهائها؛ أي أن المسؤولية التأديبية تدور وجوداً وعدماً مع المركز الوظيفي للموظف.
بعض التطبيقات لمخالفات تقع من الموظف ويخضع فيها لنظام التأديب:
1- قيام الموظف بعمل غير عمل وظيفته الأصلية في جهته الوظيفية لا يعفيه من المسؤولية التأديبية عن أخطائه استناداً إلى المادة (15) من نظام الخدمة المدنية.
2- قيام الموظف بعمل ولو كان غير منوط به سواء من تلقاء نفسه بطريق الخطأ أو التطوع أو بناء على أمر من رئيس تجب طاعته يُفترض أن يؤديه على أفضل وجه وإلا كان مسؤولاً عن أي تقصير يشوب أداءه وفقاً للمادة (15) من نظام الخدمة المدنية.
3- كف يد الموظف لا يزيل عنه مركزه الوظيفي، ومن ثم يلتزم بالسلوك القويم في حياته الخاصة، وكل إخلال في هذا الشأن يستوجب عقابه وفقاً للمادة (11- أ) و(15) من نظام الخدمة المدنية.
4- الموظف الفعلي مثل الموظف الباقي على رأس العمل يسأل عن أخطائه الوظيفية استناداً للمادة (15) من نظام الخدمة المدنية.
5- إذا اكتشفت المخالفة التأديبية المرتكبة أثناء العمل بعد ترك الموظف الخدمة فإنه يسأل عنها تأديبياً استناداً للمادة (33) من نظام التأديب بشرط عدم مضي مدة (10) سنوات من تاريخ وقوعها.
6- إذا أفشى الموظف أسرار الوظيفة التي اطلع عليها بحكم وظيفته، ولو بعد ترك الخدمة، فإنه يسأل عنها تأديبياً وفقاً للمادة (12- هـ) من نظام الخدمة المدنية، ويعاقب عليها بالعقوبات المنصوص عليها في المادة (33) من نظام تأديب الموظفين.
7- المسؤولية التأديبية للموظف أثناء الإجازة مسؤولية كاملة؛ لأن أعماله الوظيفية التي يقوم بها أثناء الإجازة تعتبر صحيحة ومنتجة لآثارها.
8- تعيين الموظف بقرار باطل لا يحول دون مساءلته تأديبياً عن أخطائه الوظيفية ما دام قرار تعيينه لم يُلْغَ.
9- لا يسأل الموظف تأديبياً عن أخطائه السابقة على شغل الوظيفة إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون موظفاً سابقاً ترك عمله لأي سبب من الأسباب ثم التحق بوظيفة أخرى وتم بعد ذلك اكتشاف الخطأ الذي ارتكبه في الوظيفة السابقة، بشرط عدم مضي مدة (10) سنوات من تاريخ وقوع المخالفة.
حالات عملية
الحالة الأولى: من الآثار المترتبة على كف يد الموظف (حرمانه من ممارسة عمل وظيفته طوال فترة كف يده) بعد أن رفعت الإدارة القانونية بإحدى الوزارات تقريراً عن أحد الموظفين في الوزارة متهمة إياه بارتكابه بعض المخالفات المالية والإدارية قام الوزير بناءً على ذلك بإصدار قرار بكف يد هذا الموظف؛ لأن مصلحة التحقيق تقتضي ذلك. بعد مضي ثلاثة أيام من تاريخ كف يده قام الموظف بالتصرفات التالية:
1- فتح محل تجاري لبيع الملابس الجاهزة.
2- الاشتراك في تأسيس شركة تضامن.
3- تأجير عقار يملكه من عشر سنوات على فرع الوزارة بالمنطقة الغربية ليصبح سكناً لبعض الموظفين.
4- التلفظ على رئيسه المباشر بألفاظ غير لائقة.
عندما تم مواجهة الموظف بهذه التصرفات احتج بأنه لا يمكن مساءلته أثناء فترة كف يده.
* ما رأيك باحتجاج الموظف؟ وما مدى إمكانية اعتبار ما قام به من تصرفات مخالفات تأديبية؟
- احتجاج الموظف في غير محله؛ لأنه خلال فترة كف يده يظل مكتسباً لصفة الموظف العام؛ لذا يحظر عليه القيام بتلك التصرفات التي تتنافى مع تلك الصفة.
السند النظامي: المادتان (13 و11) من نظام الخدمة المدنية ولوائحه التنفيذية. أما تأجير عقار يملكه فإنه غير محظور إلا إذا كان لمصلحة الوزارة أو الدائرة التي يعمل فيها استناداً إلى المادة (13-3) من اللائحة.
الحالة الثانية: فقدت إحدى المعاملات المهمة في قسم الاتصالات الإدارية بإحدى الوزارات ولم يعرف من هو المتسبب فيها نتيجة ضغط العمل وكثرة أعداد المراجعين. بعد البحث والتقصي من قبل إدارة المتابعة تبيَّن أن المتسبب في ضياعها هو الموظف سعد، علماً بأن المذكور قد أحيل إلى التقاعد لبلوغه السن النظامية. تم استدعاؤه للتحقيق معه في الوزارة، ولكنه رفض معللاً ذلك بانتهاء الرابطة الوظيفية التي تربطه بالإدارة، هل يمكن مساءلته تأديبياً؟ وكيف؟
- نعم، يمكن مساءلته تأديبياً، ولكن عن طريق هيئة الرقابة والتحقيق باعتبارها الجهة المختصة بالتحقيق مع الموظف الذي انتهت خدمته تمهيداً لإحالته إلى ديوان المظالم لتطبيق إحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة (33) من نظام تأديب الموظفين.
|