سعادة رئيس تحرير جريدة (الجزيرة) الموقر..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
تعليقاً على الحوار الذي أجراه المحرر الصحفي الأستاذ خالد الحربي مع أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقصيم في عدد يوم الأحد 1-5- 1427هـ حول ظاهرة الاعتداء والتطاول على رجال الحسبة؛ أشير إلى أن هذه الظاهرة لها تبعاتها وعواقبها الوخيمة، ليس لكون هؤلاء الرجال ينتمون لجهاز حكومي فحسب، وإنما علاوة على ذلك كونهم يقومون بشعيرة ظاهرة وواجب عظيم لا تستغني عنه الأمة بحال من الأحوال أكد الله عليه في كتابه لتستقيم أخلاق الأمة وتسير على الطريق القويم.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حصن حصين وسياج منيع ودرع متين يحفظ الله به الأمة ويدفع به عنها الشرور والمحن والمصائب والكوارث، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.قال ابن تيمية رحمه الله: (صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله وطاعة رسوله، ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
والمتأمل لحال كثير من المجتمعات البشرية اليوم يجد أن ما حلَّ بها من نكبات ومصائب وكوارث ومحن، وما وجد فيها من بهيمية وفجور وفساد، ما هو إلا بسبب تعطيل هذه الشعيرة العظيمة التي عظَّم الله شأنها، وأعلى مقامها، وأوجب على الأمة القيام بها بقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
وقد جعل الله سبحانه الخيرية لهذه الأمة بسبب قيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصرَّح القرآن في مواضع عديدة أن الله ينجِّي الأمة ويدفع عنها شراً كبيراً وفساداً عريضاً حين تقوم بهذا الواجب.
وعلى ذلك فالاعتداء على رجال الحسبة الذين نصَّبهم ولي الأمر (وفقه الله) للقيام بهذه الشعيرة لا شك أنه يضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقلل من شأنه ومكانته، ويُجرِّئ أهل الأهواء والفساد عليه، ويكون ذلك سبباً في كثرة المنكرات وانتشارها ورواجها بين الناس من غير رادع أو وازع. ومعلوم أن أبلغ وسيلة للحد من هذه الظاهرة هي إيقاع العقوبة الزاجرة على المعتدي، وتأمين الحصانة اللازمة لتكاتف المسلمين وتعاونهم في دفع الاعتداء والأذى عنهم؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وقيام وسائل الإعلام بواجبها بإيضاح مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وضرورة القيام به وحاجة المجتمع إليه.
وكما أن الاعتداء على رجال الحسبة يكون باليد فإنه يكون أيضاً باللسان، فترويج القصص الكاذبة والروايات الملفقة، وتصيُّد زلات رجال الحسبة التي هي في الواقع قطرة في بحر حسناتهم وإلصاق التهم بهم والسخرية منهم ولمزهم بالألقاب والألفاظ النابية لا شك أنه من قبيل الاعتداء عليهم، وهو لا يكاد يصدر إلا من ضعيف الإيمان ومَن في قلبه مرض، يقول تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
علي بن فهد أبابطين عضو هيئة التدريس في الكلية التقنية ببريدة |