قوبل إيهود أولمرت خلال زيارته لأوروبا والولايات المتحدة بالاحترام والتعاطف الكبير. هم ربتوا على كتفيه، ولكن من وراء ذلك الستار من اللياقة والتشجيع، كان هناك عدم موافقة على خطوات إسرائيل أحادية الجانب، بما في ذلك فيتو على خطة التجميع. هم قالوا إن المطلوب اتفاق عبر المفاوضات والحوار، وليس مبادرة أحادية الجانب.
ولكن في ظل وجود حماس على رأس حكومة السلطة، ونظرا لأن التنظيمات الإرهابية تمارس القصف وإطلاق النار والقتل والاختطاف، لا يكون هناك شريك في المفاوضات. لقد انسحبت إسرائيل من قطاع غزة تماما، وفق خطوط يونيو 1967. أولم يكن ذلك مؤشرا كافيا للفلسطينيين بوجود شيء ما للتفاوض حوله؟ بعد الكمين الذي قامت به حماس في يوم الأحد واختطاف الجندي جلعاد شاليط، قال لي أولمرت بأن هذا هو اختبار أبو مازن الذي يشير إلى امكانية الشروع في عملية تفاوضية. أولمرت أكد، خلافا لنصائح الدول التي زارها، بأن خطة التجميع هي الخيار الوحيد لديه. وهو متمسك بها وسينفذها.
منذ إقامة الدولة، وحتى يومنا هذا، كانت أغلبية القرارات الهامة التي أقدمت عليها إسرائيل أحادية الجانب، وبدون الإصغاء لنصائح الزعماء العالميين. دافيد بن جوريون قرر إقامة الدولة في الرابع عشر من مايو خلافا لمطلب وضغوط وزارة الخارجية الأمريكية بتأجيل الموعد. ومنذ ذلك الحين وحتى الانعطافة الدراماتيكية التي قام بها أريئيل شارون- التراجع عن حلم أرض إسرائيل الكاملة- كانت أغلبية قرارات إسرائيل الكبيرة أحادية الجانب، وجرت أحيانا بمعارضة من الجهاز السياسي الداخلي ومعارضة المنظومة الدولية في أحيان أخرى.
تحرير القدس واحتلال هضبة الجولان في عام 1967، تم ضد رأي المجتمع الدولي. حرب الأيام الستة ذاتها جرت بالرغم من المهلة الأخيرة التي وجهها ديجول: (لا تطلقوا الرصاصة الأولى). هو عاقبنا بفرض الحصار على شحنات السلاح وتحويل السياسة المؤيدة لإسرائيل نحو العرب. هو لم يكن ليستطيع أن يسامحنا على انتصارنا. كما أن حرب 1956- التي كان الهدف منها وضع حد للهجمات الإرهابية من غزة التي كانت تحت القيادة المصرية- نُفذت رغم معارضة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وتهديداتهما.
ورغم أننا أُجبرنا خلال عدة أشهر على الانسحاب من سيناء كلها، إلا أننا حققنا عشر سنوات من الهدوء. قوتنا النووية بُنيت دون موافقة الولايات المتحدة، وقصف مفاعل تموز العراقي جاء بناء على قناعتنا وحدها. الولايات المتحدة لم تكن في الصورة عندما أعد مناحيم بيجن وموشيه ديان لزيارة أنور السادات للقدس من خلف الكواليس. الإدارة الأمريكية سمعت عن زيارة السادات عبر نشرات الأخبار. الإدارة التي أكثرت من تهدئة إسرائيل وتحفيزها على عدم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات، لم تعرف أن اتفاق أوسلو كان قيد الإعداد في ذلك الحين.
وأخيرا جاءت خطوة شارون التاريخية بالتنازل عن حلم أرض إسرائيل الكاملة. الخطوة كانت أحادية الجانب دون عِلم أمريكا المسبق، ودون عِلم حزبه وحكومته. إلا أن أغلبية الجمهور قبلت فك الارتباط أحادي الجانب متنفسة الصعداء. أخيرا ظهرت بارقة من الأمل: نحن خارجون من طرف واحد، فإذا رغبوا بدأوا في التفاوض معنا، وإذا لم يرغبوا، فليبقوا مع المعاناة والفاقة التي يفرضونها على أنفسهم. خطة الانطواء ليست موجهة للفلسطينيين، وإنما لنا نحن. كلما كنت منطويا على ذاتك وكلما فككت ارتباطك قلت نقاط احتكاكك بالفلسطينيين.
الدول الغربية تخشى من أن نقوم بفرض حدودنا الدائمة بهذه الطريقة، ولكن الأمر ليس كذلك. التوجه هو تحديد حدود مؤقتة ومريحة إلى أن يفيق الفلسطينيون ويعود لهم إدراكهم. عندما يسأل الحاخام عوفاديا يوسيف ما الذي نحصل عليه مقابل فك الارتباط، قد يبرهن على أنه حاخام كبير في التوراة، إلا أنه لا يفقه شيئا في السياسة. الفلسطينيون هم الذين يجب أن يتخوفوا من استمرار الإرهاب وعدم الاعتراف بإسرائيل وفرض شروط غير معقولة للمفاوضات.
وهم الذين يفقدون بذلك كل أوراق المفاوضات. إسرائيل لا تستطيع أن تبقى في وضع يمكن فيه لكل مخرب أن يُملي عليها جدول أعمالها. المنطق الذي يطل من أفكار أولمرت بسيط ومقنع: إذا لم نعمل نحن لتحقيق مصالحنا، فمن سيحققها لنا.
يوئيل ماركوس |