صباح الجمعة استيقظ النخيل على رائحة الدماء بعد أن تشرّبها الإسفلت، بينما لم يبقَ في المكان سوى أصدية الفجيعة، تأمّلت مشهد عمال البلدية وهم ينظفون المكان .. البقايا والأشلاء ماذا كانوا يكنسون؟
يكنسون شظايا الأحلام والشباب الذي كان يتوهَّج في العروق، يفاعة الحلم المختال بيقينه المكتمل والعالم الذي كان على مرمى وطن.
كلّما هدأت دماؤنا عادت فجيعة أخرى تلطم أعيننا بتفاصيلها، كلّما حاول النسيان أن يحبو نحو الذاكرة ويشاغلها بكسل الصيف وهدير هتافات كرة القدم، تسارعت الأحداث لتعود وتخبرنا أنّ الحرب قائمة ولم تضع أوزارها بعد.
وعاد المشهد يتلو علينا تفاصيله المرعبة، ماذا نرى وماذا سمعنا؟
أشارت المصادر الأمنية أنّ عملية المداهمة الأخيرة في حي النخيل تمّت قبل (18) ساعة من عملية كبرى كانت موجَّهة ضد الوطن، عملية كان أيٌّ منّا ... أيٌّ منّا سيكون ضحية لها ... حتى أولئك الذين ما برحوا يسمُّون الإرهابيين (بالمجاهدين) ويكتفون بالصمت المقرف البشع ضد وطن يتقلّبون في نعمائه صباح مساء.
- الوطن جميعه كان في حالة نشوة بالمشروع الاقتصادي الكبير الذي يقوده ملكنا المحبوب بأبواب الغد الواعدة، بالمدن التي تتحدّى سطوة الموت والرمال، لكن هؤلاء يمتلكون أجندة أخرى لا ترى سوى البشاعة والموت والدمار، عاجزة عن الانخراط في المشروع الوطني الشامل، وحلمهم الأوحد هو دولة تبتدئ حدودها من كهوف تورا بورا وصولاً إلى قلب الرياض.
- أيضاً الملاحظ حداثة أعمار الإرهابيين، أي أنّ المفرخة ما برحت تعمل، والحواضن الفكرية تعمل بانتظام وانضباط، وما زال الميدان يستقبل المزيد من خريجي أساطين التكفير والتهم والبيانات وكل ما هو ضد نهضة هذا الوطن وحضارته وخطواته نحو المستقبل.
جميع أولئك الذين بكوا واستبكوا، ولطموا وناحوا وصاحوا وذرفوا دموع التماسيح على الزرقاوي، أول هدايا الزرقاوي لهم هو إرهابي عراقي من تنظيم القاعدة هناك، كان سيسهم في تحويل شوارع الرياض إلى مجزرة تشبه تلك القائمة في المدن العراقية.
- ما برحت قوات الأمن وحيدة في الميدان، وما برحت وحدها في خطوط المواجهة الأولى عارية الظهر، تبذل أبناءها الواحد تلو الآخر الشهيد عبد الرحمن حسن الشهري .. بينما ما زالت الجهات الأخرى رافضة حتى مبدأ المواجهة، ما برحت تهادن وتراضي وتطبطب وتكذب وتناور ....
ومحاولات لإرضاء جميع الأطراف التي لن ترضي أحداً في النهاية، وسنبقى في مرحلة ضبابية غائمة عاجزة عن بلورة أيِّ مشروع وطني حاسم وقاطع في الوقت نفسه.
أيُّ فجيعة بادرنا الصيف بها؟ وأيُّ لوعة استيقظ عليها النخيل صباح الجمعة .. وأيُّ واقع موجع يخبرنا أنّ الحرب ما برحت قائمة؟.
|