Friday 23rd June,200612321العددالجمعة 27 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

الشيخ عبدالله الفوزان في توجيهات في الإجازة (1-2) الشيخ عبدالله الفوزان في توجيهات في الإجازة (1-2)
لا بد من إحسان القصد والحذر من مقارفة المحرمات أو مشاهدة المنكرات

* إعداد -محمد بن إبراهيم السبر(*)
تأتي الإجازة كل عام بعد انقضاء العام الدراسي ونهاية أوقات الاختبارات. والمتمتعون بالإجازة من مدرسين وطلاب وغيرهم يرونها فرصة لإزلة عناء التعب والإرهاق طوال العام الدراسي، ومعاناة أيام الاختبارات، ولهذا تجد الناس يرتبون أمورهم لقضاء هذه الإجازة، وقد اتخذوا أنماطاً متعددة من السلوك لتحقيق الرغبات والسعي فيما يُقضى فيه هذا الفراغ، وصارت هذه الترتيبات تتنوع ويزداد تنوعها شيئاً فشيئاً من عام لآخر.. ومن هنا اهتم المربون والخطباء - ولا سيما في زماننا هذا - في موضوع إجازة العام الدراسي، وراحوا يصفون للناس أفضل السبل، وأنفع الطرق لقضاء هذه الإجازة، حتى تتم الاستفادة منها وإسهاماً من صفحة الرسالة يسرنا أن نستعرض محاضرة قيمة لفضيلة الشيخ عبدالله بن صالح الفوزان عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم حيث وقف فضيلته مع الموضوع عشر وقفات نستعرض شيئا منها.
قيمة الوقت
ففي وقفته الأولى شدد فضيلته على قيمة الوقت وأهميته للإنسان فقال: إن الوقت - وهو الزمن الذي يعيشه الإنسان - نعمة عظيمة ذكرها الله تعالى في مواضع من كتابه، ممتناً بها على عباده، ليستفيدوا منها: قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (62) سورة الفرقان، أي: جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، توقيتاً لعبادة عباده له، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد تقدم حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).
وبين فضيلته أن هذه النصوص تدل بوضوح على عظم نعمة الزمن وهو الليل والنهار، ساعات العمر ولحظاته التي يعيشها الإنسان مدة حياته، واستدرك قائلاً ولكن هذه النعمة لا يدرك قدرها ويستفيد منها إلا الموفقون من عباد الله الصالحين الذين يعرفون قيمة العمر وثمن الحياة، فالمستفيد من نعمة الزمن هم القلة من خلق الله، وأكثر الناس مغبونون تراهم يقتلون الأوقات، وينفقونها فيما لا نفع فيه، أو ما فيه ضرر في العاجل أو الآجل.
وأكد فضيلته أن من شكر نعمة الزمن أن يستفيد الإنسان من عمره، ويحذر من إضاعته في مجالس القيل والقال، ومجالس اللهو والطرب، ويحذر أن يكون أمره فرطاً لا في أمر دينه، ولا في أمر دنياه، فتنقضي أيامه ولياليه في سهو وغفلة، وتنقلب نعمة الفراغ نقمة يشقى بها صاحبها رجلاً كان أو امرأة.
ودعا فضيلته إلى الاستفادة من العمل الصالح، مع الحرص على طلب العلم الذي توفرت سبله، وتهيأت وسائله بفضل الله تعالى محذراً مما وقع فيه كثير من الشباب من إضاعة أوقاتهم في مجالس الأرصفة الليلية، أو ميادين الكرة أو الاستراحات مؤكداً أن من عرف قيمة الوقت عرف أنه الحياة، ومن عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة.
الإحساس بقيمة الوقت
كما بين فضيلته في وقفته الثانية أن استشعار قيمة الوقت يجعل الإنسان يبتكر أشياء للاستفادة من الوقت قد لا يهتدي إليها غيره، ولن يستفيد من هذه الإجازة من لم يعرف قيمة الوقت وأهمية الزمن أولاً، ولن يستفيد من الإجازة من لم ينظم وقته ثانياً.
وقال الشيخ الفوزان لقد كان السلف الصالح من هذه الأمة أحرص ما يكونون على أوقاتهم لأنهم أعرف الناس بقيمتها، ولذا كانوا يحرصون على ألا يمر يوم أو بعض يوم أو برهة من الزمن، وإن قصرت دون أن يتزودوا منها بعلم نافع أو عمل صالح، يقول ابن مسعود- رضي الله عنه-: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي). وعن حماد بن سلمة قال: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة، وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة، وجدناه إما متوضئاً أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجنازة، أو قاعداً في المسجد، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل. وعن سعيد الحريري قال: كانوا يجعلون أول نهارهم لقضاء حوائجهم، وإصلاح معايشهم، وآخر النهار: لعبادة ربهم، وصلاتهم وعن الأوزاعي قال: ليس ساعة من ساعات الدنيا، إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة، يوماً فيوماً، وساعة فساعة، ولا تمر به ساعة لم يذكر الله فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة، ويوم مع يوم، وليلة مع ليلة.
مع سفر رب الأسرة
كما عرج الشيخ الفوزان على مسألة السفر وأحواله حيث قال يكثر السفر في الإجازة، منه ما هو داخل المملكة، ومنه ما هو خارجها، وقد يكون سفر الأسرة مع وليها، وقد يسافر هو بدونها.
وقال فهذه أنماط أربعة أتحدث عن كل واحد منها بما يناسبه من التفصيل. وبين فضيلته أن سفر رب الأسرة وحده أمرلا يراه في غالب الأحوال، ولا سيما إذا طالت المدة، لما يترتب على ترك الأسرة - ولا سيما في مثل أيام الإجازة، من المفاسد والمساوئ الكثيرة، لأن الغالب على كثير من الأسر أنه إذا غاب راعيها تعودت على الانفلات والتسيب والضياع، ولا سيما إذا تهيأت الأسباب وغاب الرقيب، فتراهم يمارسون من التصرفات السيئة، ما لا يفعلونه لو كان والدهم - مثلاً - حاضراً، والنفس إذا اعتادت الانفلات صعب فطامها، ومن الملاحظ أن الأب إذا غاب عن أسرته يوماً أو يومين رأى اختلافاً، فكيف بمن يغيب أشهراًَ!؟
مع سفر الأسرة
ويتحدث الشيخ الفوزان عن سفر الأسرة داخل المملكة فيقول: (وتكثر الرحلات وسفر الأسر في الإجازة داخل المملكة إما للعبادة، وذلك بزيارة المسجدين - الحرام والنبوي - وأداء مناسك العمرة، أو للنزهة والاستطلاع والتفكر في مخلوقات الله تعالى، أو لكليهما معاً، وهذا شيء مباح، وقد يكون مستحباً إذا كان لأحد المسجدين، فإن حصل في سفره هذا زيارة أقاربه وصلة أرحامه فهذا نور على نور، وعمل مشكور، وسعي مبرور، ومثل هذا قد استفاد من وقته، وأدى ما عليه، ومثل هذه الرحلات حق مشروع للأسرة المعاصرة، يزيل عنها وعثاء الحياة ومشكلات المدنية، ويسمح لها بقدر مناسب من الانطلاق بعيداً عن أعين الآخرين.
وقيد فضيلته ذلك بملاحظة الأمور التالية:
أولاً: أن السفر ولو كان لأداء واجب أو ركن من أركان الإسلام فهو على حسب القدرة، فكيف بالسفر للنزهة وما في بابها؟ مشيراً إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يقترض لأجل أن يشتري سيارة ليسافر عليها، أو يقترض لأجل أن يمتع نفسه ومن معه ويبدد المال هنا وهناك، وقد جاء في نصوص الشريعة تعظيم أمر الدَّيْن وعِظَمُ حقوق العباد، وهذا إذا كان يرجو وفاءً من مُرتَّبٍ أو أجرة عقار ونحوهما، أما إذا كان لا يرجو وفاءً فإن أقل أحوال الاقتراض الكراهة، إن لم يصل إلى درجة التحريم، ويجب عليه في هذه الحال أن يبين للمقترض حاله، ليكون على بصيرة.
ثانياً: للنية أثر في ثواب السفر أو عقابه، شأنه في ذلك شأن غيره من الأعمال، فلا بد من إحسان القصد، والحذر من مقارفة المحرمات أو مشاهدة المنكرات، أو تضييع الواجبات.
ثالثاً: أن يتأدب بآداب السفر، فيحرص على مراعاة السنن النبوية مثل دعاء السفر، وما يقوله إذا نزل منزلاً، وإذا علا وإذا هبط، ويجنب النزول على الطريق، وإذا كانوا جماعة أمَّروا عليهم واحداً منهم.
رابعاً: إذا ذهب الإنسان بأسرته إلى المنتزهات في الأماكن الباردة أو غيرها فعليه أن يحيط أسرته بسياج من الرعاية والصيانة، وأن يحذر الجلوس في طرق الناس أو أماكن تجمعهم، ويختار المواقع المناسبة.
خامساً: أن يحافظ هو وأسرته على الصلاة في أوقاتها، ولا سيما صلاة الفجر، ويصليها هو وأولاده مع الجماعة في المسجد إذا نزلوا في مسكن يسمعون فيه النداء.
سادساً: السفر فرصة ثمينة للاستفادة، من البرامج العلمية والعملية التي يمكن أن يرتبها ربُّ الأسرة، مثل: تلاوة القرآن، والتأمل في الأحاديث النبوية، وقراءة الكتب النافعة، أو المسابقات الهادفة، ويحدد لذلك جزءاً من الوقت يكون معلوماً، وبهذا يكون المسافر جمع في سفره بين المتعة والترويح عن النفس بما يشاهد، وبين الأنشطة العلمية والتربوية بمثل ما ذكر أو غيره.
مع السفر خارج البلاد
وعن السفر خارج المملكة وأضراره، وما يقع فيه من منكرات يقول فضيلته: (اعتاد بعض الناس على السفر في الإجازة خارج البلاد، لظنهم أنهم لا يجدون ما يحقق رغبتهم، أو لأنهم يريدون الحصول على شهوات وملذات لا تتحقق لهم هنا، وأكد أن كثيراً ممن يسافرون خارج البلاد لقضاء الإجازة لا يلتزمون بآداب الإسلام، ولا يتورعون عن مجالس الرذيلة، فينغمس أحدهم في الأوحال ولا يسلم السفر خارج البلاد من الظواهر السيئة، مثل: شرب الخمر، وتهريب المخدرات وغير ذلك إلا من رحم ربي ولا سيما في السفر إلى بلاد معينة اشتهرت بالأماكن الرخيصة وتيسير سبل الفساد، ويزداد الأمر قبحاً إذا صحب معه نساءه وأولاده ليأخذوا حظهم من الشقاء والفساد، وأقبح من هذا كله اتساع عدد الطاعنين في السن الذين يسعون إلى ما يسعى إليه الشباب من مقارفة الفساد والتمرغ في أوحال الرذيلة.
وأردف الشيخ الفوزان قائلاً: وفي بلادنا من الخير ما يلبي رغبات الناس، فهناك زيارة المسجد الحرام، وأداء مناسك العمرة، وزيارة المسجد النبوي. وهناك الأماكن الباردة في أوقات الصيف والمناظر الخلابة مع ما فيها من الأمن والطمأنينة وقلة الإنفاق، فما بال هؤلاء يزهدون في ذلك كله، وينهزمون أمام شهواتهم وينخدعون بالتضليل والشعارات البراقة؟!
وعن حكم السفر لبلاد الكفر ومخاطره يقول فضيلته: إن السفر لبلاد غير المسلمين لمجرد السياحة ممنوع شرعاً، كما يستفاد من النصوص، ومن سافر لمجرد السياحة فهو على خطر عظيم، من وجوه:
أولاً: أنه خالف النصوص الدالة على وجوب الهجرة وتحريم السفر.
ثانياً: فقد الغيرة، فإن الإنسان - وإن كان عنده غيرة - إذا أقام في بلد تكثر فيه المعاصي، فإن غيرته تضعف أو تموت بالكلية، ويصبح مجارياً لهم فيما هم عليه، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن مشاركة الكفار في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين، هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرد عن مشابهتهم، فإما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له.
ثالثا: شعور الإنسان الذي يقيم معهم بأنه كفرد منهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم، أضف إلى هذا أن أهله من النساء والأطفال - إن كانوا معه - يتأثرون بأخلاق أهل تلك البلاد، لأن المرأة والطفل والشاب أسرع تأثراً وأكثر إعجاباً بما عليه الآخرون.

* إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved