قبل شهر، توقف القلب النابض عطفاً وحناناً، فأغلق باب من السماء كانت دعواتها تصعد إليه، رحلت ولم تودع.. بهدوء وصمت، خفيفة الظل في حياتها ولحظة موتها.. لم تعذب أحدا فشاء الله أن تغادر دنيانا ولم يعبث بها مبضع جراح، ولم تثقل على أحد برعاية أو علاج، أدخلوها غرفة العناية فكانت عناية الله أعظم، وقضاؤه أسرع، فرجعت نفسها المطمئنة إلى بارئها راضية مرضية عرفها القاصي قبل الداني محسنة في قولها وعطائها، واصلة لرحمها، عاطفة على الصغير والفقير. تبرر تقصير المقصر، وتقبل عذر المعتذر، شكورة في الخير مذكورة. كانت تتعهد أحفادها بالعناية بهم مهما كبروا، والسؤال عنهم ومتابعة أخبارهم. كانت تفكر فيهم.. في دراستهم.. في تحصيلهم. لها في كل زاوية من حياتنا ذكرى، لها في نفس كل من عرفها قدر ومنزلة.. كان قلبها الكبير فياضاً بحب الناس.. كانت نبضاته تتسارع فرحاً أو ترحاً.. ديدنها الصلاة في كل حين، والتسبيح والتكبير والاستغفار.. لا تكاد تفارق سجادتها، لم يكن فراقها سهلاً، ولن تمحو الأيام ذكراها. ها هو أبي الذي عايشها أكثر من نصف قرن يراها في مخيلته صبح مساء.. وكأنها لم تمت لأنها سكنت في أعماقه، وتجذرت في نفسيته فمن الصعب أن تتلاشى صورها. وها هن شقيقاتي وها هم إخواني وأطفالهم يشعرون بوجودها في أحاسيسهم ولا يستطيعون نسيانها، يتخيلونها في نواظرهم في نومهم في سباتهم. أواه يا أمي: كم أنت عظيمة القدر، عظيمة الدور، ليس منا فحسب بل تجلى ذلك في أهالي مدينتي الوادعة عنيزة الذين شيعوك وودعوك بالدعاء. ليس من الكبار بل من الصغار الذين كانت تحيطهم برعايتها وعنايتها. تغمدك الله يا أمي (عائشة السليمان الخويطر) بواسع مغفرته وأسكنك فسيح جناته، وجمعنا الله بك في جنان الخلد برحمة الله وعفوه وغفرانه، وجزى الله أولئك الذين وقفوا معنا وواسونا وعزونا خير الجزاء ولا أراهم سوءاً في عزيز لديهم.
|