Friday 9th June,200612307العددالجمعة 13 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

سيمون (بين التمثل والإسقاط.. أنواع من الإرهاب العاطفي) سيمون (بين التمثل والإسقاط.. أنواع من الإرهاب العاطفي)
رحاب أبو زيد الرفاعي

لِمَ تحلو لنا عمليات الاستثمار الفاشلة والبيع والشراء في مشاعر من يُكنّون لنا المحبة العميقة!! وتزداد المتعة كلما تأكد لنا أنهم يقعون تحت سطوة الضمان العاطفي المسجل باسمنا وضمن نطاق كفالتنا الوجدانية.. فنقسو أكثر ونمعن في التعالي والتلاعب بمشاعرهم..
وتغفو العينان الحزينتان على سؤال كالشوك المدبب.. كيف تتحرر من أغلال هذا النوع من الحب؟
في زمن يتبادل فيه الصح والخطأ الأدوار وتنقلب المقاييس رأساً على عقب، وتتغير الموازين وفق هوى أو غاية.. وتبعاً لحاجة أو.. كيف نحاسب أنفسنا.. والآخرين.. أنحن نتّبع المعايير نفسها؟؟ من الغباء انتظار حكم الناس على مدى صحة قناعاتك وسلامتها من هشاشة قناعات الآخرين ومواقفهم التعيسة..
كيف تلوم الناس والزيف دوامة دارت برؤوس الجميع.. وحقنتهم بمخدر طويل الأمد لا فواق منه إلا بصائبة من السماء.. ليبقوا خاضعين لها.. مقيدين بها.. مترصدين للجديد فيها!
النوع الأول.. كلما مددتَ لهم خيطاً في طرفه وردة.. عقدوا في منتصفه عقدة لا تنحل! جرفوك بداخل دوامات رملية إلى أسفل سافلين.. في مستوى وضيع لتكون في مصافهم! فالحقد يأكل جوانبهم طالما كنت أطهر بكثير من طهرهم نفسه.. الذي هو في واقع الأمر عفن نبت جزافاً في سبخ! تجدهم يزرعون لك قنابل موقوتة مخبأة هناك في ثنايا الحروف.. ليسحبوا فتيلها في الوقت المناسب إذ يتحسبون للمواقف المستقبلية السيئة قبل وقوعها، إن لم يكونوا الخائفين المتفردين لها، والمكتوبة بأسمائهم براءة اختراع السوء! كي تنفجر في وجهك عند أول مناورة كلامية أوهموك أنها مبادرة سلام! ينصبون الفخاخ في أراضي الحوار وأنت تنهمر بنقاء كمطر المحبة والرضا ظناً منك أنهم يستجلبون أطراف رضاك وسماحتك.. وهم في الواقع يراوغون طيبتك بخبثهم.. ويغرونك بكلمة سامة دُسّت لك وسط العسل.. تماماً كما يتلاعب صاحب الكلب بسذاجة كلبه المسكين عندما يرمي له ممازحاً قطعة عظم ليركض خلفها ويسقط في حفرة خلف المنزل!! هل سنختلف أن في أحد توجهات هذا النوع من التعامل الخفي بين البشر.. شيء من حب!! ربما كان هذا الصنف من الناس يستجم في منطقة نارية داخل انفعالاتك.. ومشاهدة العكر يكسو صفحة الوجه النقي، ربما يطيب له سقوطك من أعلى سرجك في خطأ افتعله وحاكه لك من أوله لآخره بإتقان الخبير...نوع آخر ينتقم منك على ذنب اقترفه بحقه جاره أو مديره بالعمل.. لتحتضر أنت منه وتموت، تنتحب أمانيك.. ولتسحق روحك بينما يبتسم هو في وجه جاره كل صباح! يفرغ مخزون الضغينة اليومي في وجهك.. وأنت كفيل بالكفاية! تسدد ديون من سبقوك.. وتودع رصيداً مقدماً من الآلام والفجائع مقابل دفع البلاء!! ويبقى الابتهال لله وحده فقط... أن يدفع البلاء!
وتتابع حلقات مسلسل الإسقاط والامتثال يومياً من قبل هذا وذاك.. يُسقط عليك أردية رديئة من أمراضه النفسية ويسقيك من حُفر الوحل ويعطرك بالدخان الأسود المتفحم في آفاقه المظلمة.. ويوهمك أنك مبتلى بالغباء! ثم في مرحلة تالية يتمثل هو في وجه شخصك ويتقمص موضع فجيعتك بقدرة فائقة على الانسحاب من جُرمه وذاته الموبّخة.. فيصبح هو المجروح.. هو المحزون.. هو المصاب... وهو الضحية!!! فيتحول السادي إلى ماشوسي والعكس بالعكس في لحظات تمر خفية كلمح البصر لا تكاد تشعر بها إلا بألمعية عالية جداً وفطنة مستفيضة..
حالتان بالغتان من التعقيد ومن التناقض للنفس البشرية حيث يبدو من المستحيل الالتقاء في آن واحد.. فكيف تجتمع في شخص واحد!!
ونوع آخر من مستويات التعامل العجيب مع البشر يسمى المتذبذب.. إذا أقبلت أنت.. يدبرون، وإذا أدبرت.. يقبلون! تستهويهم لعبة الفأر والقط ويركبون البحر بحركية المد والجزر، فيربكون العلاقة بحيرتهم وتقلباتهم وخوفهم من الثبات.. ومن الاعتراف بالعلاقة! وهذا يحدث حتى بين أشخاص من الجنس نفسه! ولا تعود تعرف أتقطع علاقتك بهم أم توطدها! أتبقيهم تحت معرّف الأصدقاء أم تحذفهم من حياتك مطلقاً ومن ضمن قائمة أرقام هاتفك الجوال لأنهم يزيدون أعباءك النفسية والوجدانية عبئاً ثقيلاً جديداً لا أكثر.. ويطيلون القائمة بفراغ وجودهم! ويعودون للاطمئنان كل صباح أن عاطفتك تجاههم لا تزال في حركة فوار.. ولا تزال جارية باتجاههم ومعطاءةً كالنهر العذب.. ثم يحبطون طموحاتك فيهم بإنزال ستار نهائي مفاجئ.. وبإسقاط جدار من القسوة بينك وبينهم دون مسبب، فيخذلونك لا محالة عند كل محاولة تبادل إنساني لا منفعي! ألا يدخل ما يقومون به ضمن انتهاكات حرمانية (الإخلاص)! الإخلاص بتكبير الحرف الأول كما يقولون بالإنجليزية !
سيمون.. عنوان فيلم للبطل العالمي المبدع الشهير الباتشينو.. يحكي الفيلم قصة مخرج يحاول الخروج عن النمطية والتكرار في فيلمه القادم.. يبحث عن بطلة مثيرة وشهية وقادرة على إيصاله للنجومية وتعويض خسارته المعنوية والمادية.. فيتوصل إلى فكرة ابتداع بطلة بواسطة شفرة سرية كمبيوترية.. باستخدام هذه الشفرة يتمكن من خلق وجوه مختلفة وفق اختياراته، ويتمكن من جعلها تحرك شفتيها بمجرد تحدثه هو في الميكروفون.. كما تمكنه من تغيير الملامح والملابس ومن إنزال خط ثلجي من العيون كأنه دموع! وفعلاً بدأ المخرج في إعداد بطلة فيلمه القادم بواسطة الكمبيوتر.. فاختار لها الملابس ولون الشعر وقصة الشعر وشكل شفتيها وعينيها بطريقة القص واللصق من وجوه مشاهير آخرين.. اختار لها صوتاً لعوباً لا يشبه أحدا.. ثم وفق المشاهد وركبها فوق مناظر طبيعية في أماكن مختلفة.. وأحضر ممثلين شباب للتمثيل وحدهم ومن ثم أقنعهم بأنها ستظهر واقفة أمامهم في الفيلم بتقنية تركيب المشاهد بطريقة فائقة الدهشة وعالية الإتقان بحيث لن يستطيع أحد إنكارها أو عدم تصديقها!
في جانب آخر أتقن التهرب من ملاحقة الصحافة حول إمكانية لقاء هذه السيمون.. كل مرة بسبب، فتارة هي متعبة.. وتارة أخرى تخشى الأضواء ولقاء الناس!! عشق الناس في جميع أنحاء الأرض سيمون، حتى طالبوه بفك الحصار المنصوب حولها وملاقاتها وملامستها (حقيقة) يعيشونها بجميع حواسهم! لم يكتف بجعلها تمثل، بل استخدم أشعة الليزر لتقف على مسرح أمام بث حي منقول إلى شاشات كافة مدن العالم المتشوق لرؤية (سيمون)! أحبها الناس حباً جنونياً.. وبلغت ذروة شهرتها وتألقها في المقابلات التلفزيونية التي كان يجريها عبر النقل الكمبيوتري ويجيب هو عن جميع الأسئلة ويجعلها تضحك وقتما يريد.. وتنزل دمعة ثلجية تستجلب شفقة المشاهدين ودموعهم (الحقيقية) وقتما يريد! وصل به الأمر أنه يريد قتلها لينتهي من المعضلة التي خلقها بنفسه لنفسه.. احتار كيف يتخلص من هذا الضجيج الراكض بنَهم خلف سيمون، خرج على الصحافة معلناً موت سيمون ثارت الأرض حزناً على فقد الجمال والألق والبهجة والوهم الذي ساعدهم على تجاوز حواجز الرتابة والاعتيادية.. بل وحلّقت بهم نحو سماوات من الأحلام والآمال والمتعة، وعند إنزال التابوت إلى القبر.. هرعت الشرطة للإمساك بالمخرج المتهم بقتلها.. حيث شك محبوها أنه هو قاتلها لأنها ماتت فجأة دون مقدمات.. حاول إقناعهم في التحقيقات أن شخصية سيمون ما هي إلا شخصية وهمية من اختراعه وأنه بريء من القتل، ولكن هيهات.. من سيصدق (الحقيقة)!!! صدق الناس الشخصية المزيفة.. وانبهروا بها لكنهم عجزوا عن الإيمان بالصدق والحقيقة!!! ورغم أن الصدق منجاة.. لكننا في زمن الزيف والخديعة! اكتشفت حبيبة قديمة له سر سيمون في معمله الكمبيوتري، وطارت إلى الشرطة معلنة عودة سيمون إلى الحياة.. وجعلتها تتحدث إلى الناس!! فغادر السجن وعاد للكذب مضطراً وواصل تقمص الشخصية المفبركة ليبقى حراً! متعجباً من حال الناس الذين رفضوه (حقيقياً)! وأوصلوه مدارك الملوك (مزيفاً) وهكذا أنقذه كذبه.. وورّطه صدقه!
وهذا هو حال المعركة الدائرة بين العبث والعذاب.. بين الحب والسراب.. بين الحقيقة والزيف، هل ستعتمد صكاً تنازلياً عن مبادئك.. لتتأقلم وفيروسات الزيف، أم سترمي بنفسك من فوق أعلى قمة للوجع حتى لا تتلوث دواخلك وبساتينك!!
لا محالة، ستشرع عينيك ذات حدث.. فتجد أنك تحولت لمكبِّ نفايات وطاولة نادل بار.. يفضفض لديه كل بأسراره وادعاءاته وتلفيقاته مجملاً صورته الشوهاء.. ثم يرمي أمامك بزيفه واعترافاته الفضائحية وأفعاله القذرة بالناس في لحظة صدق وحيدة.. تأتي مرة كل عام!! لا يلبث ويفيق منها على جناح السرعة.
ثمة صوت نازف مغرق في الوجع.. يوقظ فيك الضمير والنباهة الناشئة عن الحس بعيد المدى.. وشفافية الروح..
ليتهم يتعلمون قول الحقيقة.. وليتهم يعلمون أن الحقيقة لو لم تجد ظلاً لها مشت بجانب الجدار خشية أصابع العبث، واحتفظت بقوتها إلى حين تنقلب الأرض بمن عليها..
إلى أن يبعث الله معصوماً يقتل الزيف في مخدعه.. ويعيد نصاب الصدق.. ويدحر قوى الظلم والخبث والشر.
إلى ذلك الحين.. فلنتدثر بالحقيقة أكثر.. ونتمسك بحبل الله.. ونحمل لواء كلمة صدق.. فالصدق منجاة............ ولو بعد حين!
لا تدع الجمرة من بين يديك مهما حاولوا إطفائها بلؤمهم وخبثهم واستعمالهم لخصوصيتك وتبريحاتك لهم يوماً ما في لحظة توحد! فكم أجادوا اقتناص كل أسرارك وبحثوا في أعماقك عن نقطة ضعف يلوون بها ذراع الكرامة... ويدفعون بالحب ليلقى مصرعه على حاوية نفايات.. ومن ثم هاوية أشلاء متراكمة!
لن يطفئوا إلا توهجهم بالزيف كلما تقادم زمن الادعاء، ولن ينالوا إلا من الدمار الذي يقبعون تحته كبقايا أبنية زلزلها الحق! لن... ولن..
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} الصافات آية 8، سعيهم الحثيث على خشبة المسرح هو إطفاء نور الحق.. وأي إشراقة لمبدأ مغاير لخطتهم..
ستُسحل رقبة عنجهيتهم على أرصفة العناء بخنجرهم نفسه الذي استعملوه ذات نجاح مستقطع في طعن براءة الناس.. وسيُنفون إلى بلاد اللاعودة.. حيث لا جمهور يصفق لزيفهم ولا يخدعه الضوء المنبعث من خلف الستار.. يحسبه الظمآن تألقاً وجمالاً.. وهو تصميم محكم التنفيذ بإنارة موزعة توزيعاً فنياً.. تسلط على قناعة ملطخ بالميك أب والدهانات المختلفة ليس إلا!
ولتثق تمام الثقة.. أنهم كلما أمعنوا في الغرور.. افترشت الضغينة منزلاً جديداً بداخلهم، وكلما هبت على خديك لكمة أو لطمة.. كما ازددت عنفواناً وثورة وتمرداً.
وحينها ستدرك أنك لم تعد قادراً على تحمل وجودهم ضمن دائرة تنفسك..
وستدرك أن حتى (الطبيب) و(الطيّب) فيهم أنت في غنى عنه.. وسترحل تثميناً للمتبقي من عقلك المنهك بمساحات همّهم!! وقلبك المصاب بداء البياض والتسامح!!!
وستغني على شرفات الذكريات المسروقة (ما في داعي من حنانك..).

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved