* تحقيق - عبدالله الشتيلي:
تعدد الزوجات أمر أباحه الخالق سبحانه، وأوصى نبيه- صلى الله عليه وسلم- ما ينظم هذا الأمر ويقيده للصالح العام، وسارت على ذلك الأمة، غير أن هناك من يفهم مضمون التعدد فهماً يشوبه شيء من سوء الفهم بدليل الميل وعدم العطف والرحمة أو انتقاص لبعض الحقوق، وإهمال لبعض الواجبات ونحو ذلك، كما أن للنساء بعض المواقف والأدوار التي يجب ألا تغفل في مسألة التعدد خاصة إذا ما أدركن أن هذا تشريع إلهي لا جدال فيه، عن هذا وذاك يكون الحديث في هذا التحقيق:
آراء نسوية
فوزية النعيم قالت: إن طبيعة المرأة جبلت على عدم الرغبة في الشراكة الزوجية بل إنها ترفضه، وإن قبلت فهذا استثناء، وغالباً أن المرأة عندما تجد نفسها شريكة لأخرى في بيت الزوجية، فإنها تحاول جاهدة، وعلى مضض التكيف مع الواقع والعبور إلى مساحات من الوئام والمحبة بقدر المستطاع، وإن كانت في حقيقتها تكتم عدم رضاها، ولكن لأنها متعقلة، وتؤمن بإرادة الله وحكمه تتعايش مع الواقع، وإن كانت غير ذلك أي من تلك النسوة اللائي لا يحتملن هذا الأمر لسبب داخلي في نفسها، فإنها تكون دائماً متوترة منفعلة، بل إن بعضهن- هداهن الله- يصلن إلى مراحل من الشقاق والعناد الأسري مع ضراتهن ومع بعولتهن رغم أنهم حينما يحاسبن أنفسهن يصلن إلى قناعة أنهن في مسار خاطئ، وأن هذا أمر الله، ولكنها طبيعة البشر وغيرة في أنفس النسوة، وهذا شيء معروف وليس غريباً، والمجتمع يقدر فيهن هذا الشعور، إلا أن المفترض أن هذا الشعور لا يجب أن يكون جامحاً ومدمراً لبنية الأسرة ومنغصاً على بقية الأطراف حياتهم الزوجية.
غزيل الحربي كان رأيها كالتالي:
الإسلام كما هو شأنه في سائر أمور الحياة يعنى بالأمر، وينظم شؤونها ويحل مشكلاتها بالطريق الأمثل والمنهج القويم، وعندما أباح الإسلام التعدد بل وجعله الأصل في الوقت الذي حرمته مجتمعات من العالم، وجعل للتعدد أسباباً، وضوابط وشروطاً، كما تكفل بمصلحة جميع الأطراف وحقوقها وعلى رأسها العدل والمساواة فيما يستطيعه الإنسان ويمكنه من مأكل، وملبس، ونفقة، ومبيت، ورحمة، وغير ذلك فهو بهذا أباح التعدد مشروطاً بالعدل، والمقدرة، وقصره على أربع، وفي حال مظنة الظلم أو عدم القدرة عليه توجب الاكتفاء بواحدة، وما يشوه صورة التعدد اليوم، والذي كان قائماً من قبل، هو إساءة استخدامه، وعدم العمل بما يرضي الله سبحانه وتعالى فيه، وأنانية بعض الرجال، أو ضعف شخصياتهم بالمقابل مما يترتب عليه النظرة المجحفة في حقه من قبل المجتمع.
من محاسن الإسلام
الشيخ صالح بن عبدالله المطر رئيس كتابة العدل بالمذنب تحدث عن هذا الجانب فقال:
التعدد يعد من محاسن الإسلام لحاجة النساء إلى الرجال، ولحاجة الرجال إلى النساء، وما فيه من المصالح العامة والخاصة، فالأصل في الزواج التعدد، والإسلام لم ينشئ التعدد، وإنما حدده ولم يأمر به، وإنما رخص فيه لمواجهة واقع حياة الإنسان وفطرته، ولا أحد يشك في مشروعية التعدد، ومن شك في ذلك فهو ضال، ومن أنكر هذه الإباحة ورأى أن التعدد خطيئة فقد يؤدي به ذلك إلى الكفر أعاذنا الله وإياكم منه.
وأقول هنا: إن المشكلة في هذا الموضوع وإحجام المجتمع عن التعدد هي سوء استخدام هذه الرخصة من قبل الرجال في الدرجة الأولى، فعلى من أراد تطبيق هذه السنة أن يطبقها مع الالتزام بالضوابط الشرعية حتى تتحقق المصلحة ويكون ذلك رحمة ونعمة.
فعلى الزوج قبل أن يقدم على الزواج الثاني أن يعرف من نفسه القدرة على العدل، وأن يكون قادراً على الإحصان والإنفاق، ويلمس في نفسه القدرة على الإدارة والتصرف مع الطرفين بحسن العشرة وتربية الأبناء والبنات، فهذا يحتاج إلى حزم وحكمة، أما إذا كان يعرف من نفسه الظلم وعدم العدل والإضرار بإحدى الزوجات، فإن التعدد يكون في حقه حراماً، فموقف الرجل وطريقة تعامله مع الأمر تعتبر الأساس في نجاح أو فشل التعدد لأنه مسؤولية عظيمة فيجب أن يراعي زوجته الأولى والمشاكل المتوقعة، وأن يضع نصب عينيه الآية الكريمة {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لذا عليه التماس رضاها وحسن معاشرتها.
ولا يفهم أن على المرأة أن ترضى بالتعدد على نفسها، ولا أن تزيل ما في قلبها من غيرة تجاه زوجها إذا تزوج عليها فلا تلام على شعورها بذلك، فغالباً ما تغلبها العاطفة والحب لزوجها وغيرتها حتى تطغى على تصرفاتها. ولقد كانت الغيرة تندلع في قلوب أعلى طبقات النساء وهن أمهات المؤمنين.
وليس لها أن تتجاوز في حبها وغيرتها كأن تطلب طلاق ضرتها فهذا حرام لما فيه من إضرار بغيرها بغير حق فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:( لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحيفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها). أخرجه البخاري.
ولتعلم المرأة أن الداعي للتعدد ليس نقصاً فيها أو أنها لم تعد مرغوبة كلا فهو حق مشروع، وعليها ألا تستعجل الأمور وعليها أن تلتجئ إلى الله وتلح بالدعاء لتطمئن وتعود إلى دائرة الاعتدال.
وعلى الزوج أن يعلم أن مشروعية التعدد مشروطة بالعدل.. عدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة.. أما العدل في المشاعر الأحاسيس فإنه خارج عن إرادة الإنسان.
التعدد لصالح المرأة
الدكتور عمر بن عبدالله المقبل - عضو هيئة التدريس بقسم السنة بجامعة القصيم يوضح مصالح المرأة من التعدد في سياق حديثه عن الموضوع جملة حيث بدأ بقوله:
أولاً: الشرع الحكيم أباح التعدد - وكثير من العلماء يرى أنه مسنون - لكن بشروط وضوابط، يجمعها القدرة على القيام بواجبات التعدد، وأهمها:
1- العدل بين الزوجات.
2- القدرة على الوفاء بحقوقهن الواجبة من حيث النفقة وحسن إدارة البيت الجديد.
ومما يدخل تحت القدرة: القدرة على إدارة البيت نفسياً، فإن من الناس من لا يستطيع ذلك لكونه شخصاً عاطفياً، لا يستطيع التحكم بمشاعره، وربما سبب له ذلك الحيف بين الزوجات.
وهذان المعنيان أعني العدل، والقدرة - يجمعهما قول الله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، وقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
ثانياً: إذا كان العدل هو أعظم قواعد التعدد، فقد حرّم الشرع الحيف والظلم بين الزوجات فيما يقدر عليه الإنسان من حيث المبيت، والنفقة، قال تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، وقال سبحانه: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}.
ثالثاً: التعدد كان موجوداً في الجاهلية، ولكنه - كحال كثير من العادات الجاهلية في هذا الباب - لم يكن منظماً بل من شاء عدّد بما شاء، من غير مراعاةٍ لعدد، ولا لحقوق، فجاء الإسلام - دين الفطرة - فأقرَّ التعدد؛ لموافقته للفطرة السليمة، ونظّمه، وحدّ حدوده، وبين ما لكلٍّ من الزوجين من حقوق وواجبات، ليتحقق ميزان العدل بين الجميع.
رابعاً: لا يستريب عاقلٌ منصف، فضلاً عن مسلم بأن التعدد - من حيث أصل تشريعه - هو عين الحكمة، فهو حلٌّ لكثير من المشاكل التي تعترض الحياة الزوجية، والتي قد تؤول في كثير من الأحيان إلى الطلاق بدلاً من تخفيفها بالتعدد.
وكثير من الناس يظن أن التعدد هو في صالح الرجل أكثر منه في صالح المرأة، وهذه نظرة قاصرة، بل لهما جميعاً، يوضح ذلك:
1- عندما يكون الرجل قويّ الباءة، ولا تكفيه امرأة واحدة، ففي التعدد حلٌّ لهذا الأمر.
2- بعض النساء يعرض لها عوارض تمنع من كمال الاستمتاع، ومن أجلى صور ذلك: العقم، أو المرض، أو العجز عن القيام بحقوق الزوج، أو عند ضعف الحب والمودة فبقاؤها - في الحالات السابقة - مع زوج خير من أن تبقى بدونه، وبقاؤها عالةً على أحد، حتى ولو كان أباها، فضلاً عمن هو أبعد منه نسباً.
3- في بعض المجتمعات تزيد نسبة النساء عن نسبة الرجال، إما بسبب الحروب، أو لغيرها من الأسباب، فإنه لا يوجد حل لمشكلة ذلك المجتمع وحفظه من براثن الفساد والفتن سوى التعدد.
4- التعدد من أعظم أسباب حلّ مشكلة العنوسة التي باتت خطراً، وكابوساً يهدد غالب البيوت.
5- الأرامل والمطلقات في الغالب لا يرغب فيهن الشاب الذي يتزوج لأول مرة، فمن لهؤلاء النسوة ؟! أليس من حقهن أن يمارسن ويعشن حياتهن كغيرهن من النساء؟! وهل غير التعدد يكفي للقضاء على هذه المشكلة؟! إلى غير ذلك من المصالح الشرعية والاجتماعية والنفسية.
خامساً: لقد كشف الواقع المشاهد ،وما يصلني شخصياً، ويصل غيري من طلبة العلم أن ثمة خللاً كبيراً، وتقصيراً كبيراً في تطبيق الأحكام الشرعية في هذه المسألة من قبل الرجال بشكل أخص، مما ترتب عليه مفاسد عظيمة، من أهمها:
1- تشويه صورة هذه الشعيرة التي أباحها الإسلام أمام أعداء الإسلام الذين جعلوا من جملة طعونهم فيه هو هذه المسألة، ولو أن أهل الإسلام طبقوا شرع الله فيها؛ لكانت أبلغ ردّ على كل مشكك في المصالح العظيمة المترتبة على هذه الشعيرة.
وإن كنا لا ننتظر من الأعداء إلا مثل هذا، لكن يسوؤنا - والله - أن يجد الأعداء ما يبررون به كلامهم، فيغررون السذج ،أو من في قلوبهم مرضٌ بأن التعدد ظلم للمرأة، وسحق لكرامتها،.. إلخ تلك الدعاوى الفجّة.
2- تشويه سمعة هذه الشعيرة أمام النساء، واللاتي يكفيهن ما فطرهن الله عليه من بغض الضرات، ولكنني متأكد أن من أعظم أسباب نفرة كثير من الفتيات عنه هو هذا الواقع المؤلم.
3- إن وجود هذه الصور الكثيرة من الخلل في هذه المسألة جعل من قضية التعدد مادة دسمة للإعلام الذي يحب الإثارة ولو كانت على حساب الشريعة، أو ثوابت الدين وقيمه.
وكم هي المسلسلات، والأفلام التي نفّرت من هذه الشعيرة - والعياذ بالله - وصورّتها بصور بشعة لتزرع - في النهاية - في حس المرأة شعوراً بأن التعدد حكمٌ شُرع عليها لا لها؛ وذلك من خلال التركيز المستمر على المشاكل والآثار الاجتماعية السيئة للتعدد، بدءاً بقصص النزاع بين الزوجات وضرائرهنّ وأزواجهنّ، وانتهاءً بحالات الضياع والحرمان التي يتعرض لها أبناء الأزواج المعدِّدين الذين ينشؤون بين عواصف مهيبة من الشقاء العائلي!
|