رائع حينما تزهر إنسانيتك من رمق حقول الحياة.. ومؤلم أن تعاني برودة الصمت كقطعة جليدة قطبي لا تعرف دفء الفصول..
تلفع بالقهر وهو يدير فكره في أرجاء أقداره.. وهدأه مشاعره تشرخها غصات ألم متتالية ورداء الحزن يحاصر جسده النحيل..
يختلس الاختلاء بذاته.. يرمي برأسه إلى وسادة تيبست من مياه العيون الليلية وانتفخت من الصراخ.
كلما أحس بالظمأ دلف إلى سردابه المظلم يفتش عن وجه الصباح في عتمة ذاته وصفير رياح الوحدة المحملة بهموم العمر تنحت في رأسه صوراً لا تنسى.
صوت أمه المبعثر في كل الأوقات يرتطم برؤيا طفولته الخمسية ثمة فزع وشعور رهيب وارتعاش في أوصاله الغضة.
يغمض عينيه دائماً عندما يسافر صوتها عبر نمافذ بيتهم وطرقات القرية الصغيرة.
ينبض قلبه كطبل يعزف للريح صخب الجنون على أطرافه المرتجفة.
فتتسرب أحداقه عبر الباب الموصد يود لو يرتمي في أحضانها يستدفي من فزعه وبرده القاسي..
ماذا فعلوا بها
ولم القيود لنبع الحنان الذي ارتوى منه الحب والأمان؟
يتمرد في داخله السؤال.. ويظل يكبر..
يقتات من بكائه.
وكلما ارتفع نشيجها المتأوه من خلف الباب اندس في ركن البيت وظهره إلى ملتقى الجدارين يجلس القرفصاء وقبضتا يده تحت ذقنه المرتجف.
وعيناه الزائغتان ترسم صورة أمه وهي مبعثرة الجدائل التي كان يتعلق بها وهو يرضع ماء الحياة.
جدائلها اليوم تنفلت في جنون وكأنها خيمة ممزقة على جسد عار كعود قصب وثقت أطرافه فيوتد اللاوجود.. اللاحياة.
وتتسامق علامات الاستفهام وتنتهي ثم تذوي ويظل المجهول جوعاً إلى الأمان ينشال داخل أعماقه.
وهذه الوسادة المالحة لاتشبع كلما وضع رأسه فيها استشارت حنينه إلى صدرها..
ويظل أمام الباب تطول قامته وتورق ذراعاه ويقبض بكفيه الأمل..
وحينما يفتح الباب ليحتضنها ويمزق من حولها الشرنقة تتفتت بين ذراعيه رماداً..
فتذوب في دمه.. في دموعه ملوحة لا تنتهي..
|