Thursday 8th June,200612306العددالخميس 12 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

أين المصداقية في عطائنا؟ أين المصداقية في عطائنا؟
مريم علي الرشيد / الرس

جلست في المكان المخصص لحالتي في المستشفى خائفة مرتبكة بعد أن أقفلت في وجهي أبواب الحياة وقلوب الأصدقاء، ولم أعد قادرة على استيعاب ذاتي أو الآخرين، وفجأة حضر الطبيب وجلس أمامي وسألني: مِمَ تشتكين؟.. لا تخافي فأنا مجرد شخص يستمع إليك. فقلت له: ماذا يمكنني أن أقول لك أيها الطبيب؟ كيف يمكنني أن أفتح لك أبواب أحزاني وأعري أمامك أوجاعي بعد أن عجزت عن التعامل مع أقرب الناس لي ولم يعد أمامي أمل سوى دموعي، ما أنا إلا امرأة متعبة، امرأة لا تعرف أن تتعامل مع المشاعر إلا بطريقة واحدة صادقة وحقيقية.
لم أكن قادرة على استيعاب كيف يصبح كل شيء عاديا وطبيعيا وسط دوامة الحياة.. أنا أيها الطبيب متعبة حتى الموت، منهكة.. قد أكون في أقسى درجات حزني ولا أجد الأصدقاء، ولكنهم يعودون هكذا دون سابق إنذار ويريدونني أن أبقى متماسكة في هذا الزمن الشائك.. أنا امرأة أتعبتها الحياة بمفاهيمها الرمادية.. خسرت الأصدقاء لأنهم يتلاعبون بالصداقة كما يرغبون، يبتعدون ويقتربون كما يشاؤون.. لا كما يتطلب الإحساس بالآخر بحزنه وفرحه.. كل شيء بداخلي احترق، أخاف أن أتحول إلى امرأة عادية تتعامل مع كل شيء مقدس في الحياة بطريقة روتينية قاتلة، فهل تنقذ أيها الطبيب ما تبقى من امرأة؟.. ابتسم الطبيب وقال زمانك غير زماننا ولا يوجد عندي ما أصرفه لك من دواء سوى أن تحرقي ما تبقى من قلبك كي تستطيعي الحياة، فالصداقة الآن ليست عطاء بل فرضا للذات على الآخرين، إنها تعبير عن الألم، إننا حينما نصادق لا نريد أن نعطي، أن نعالج، أن نزرع حبا أو سرورا، إنما نريد أن نطرح أنفسنا مآسينا، أحزاننا، خوفنا، حيرتنا، عجزنا.. أن نطرحها على من ندعوهم أصدقاءنا. قلت له: لم آت لك لتزيد جراحي بل لتعالجني.. هل أنت طبيب؟! قال: الطبيب هو من يستطيع عرض المرض لا نفس المرض. قلت له: لقد عرضت المرض ولكن كيف الخلاص منه؟ قال لي: بالتوافق. قلت له: لم أفهم؟. قال لي: نحن نبحث عن السعادة عن طريق الأشياء، فأصدقاؤك أنت من تهبيهم السعادة لما تمتلكينه من أشياء وليس عليهم إلا أن يتوافقوا معها فهم يتبضعون من ذاتك، وعندما لا يجدون ما يريدون يتبضعون من غيرك فليس عليك إلا أن تحددي احتياجاتك وتتبضعي من غيرك، فالحياة أخذ وعطاء وليست عطاء فقط.
فللسعادة ترجمة واحدة في جميع لغات العالم هي التوافق بين الذات والأشياء التي تتعامل معها أو تمارسها أو تعيشها بتفكيرها وخيالها وأمانيها وبكل همومها النفسية.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved