عندما هاجم أبرهة الحبشي مكة المكرمة في العهد الجاهلي، محاولاً الاستيلاء عليها وهدم الكعبة المشرفة، استولى بعض أفراد جيشه على إبل لعبد المطلب بن هاشم جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندما طلب عبد المطلب مقابلة أبرهة، ظنّ هذا أنّه سيطلب منه الانصراف عن مكة وعدم التعرُّض للكعبة بشرٍّ، إلاّ أنّه فوجئ أنّ الشيخ الجليل طلب من القائد الحبشي أن يعيد له إبله! ولما أبدى الحبشي استغرابه من طلبه هذا، وقال له إنّه ظنّ أنّه قدِم إليه ليطلب منه أن يرجع عن هدم الكعبة، أجابه زعيم قريش أنّه إنّما يطالب بإبله فقط، أمّا البيت فإنّ له رباً يحميه.
سقت هذه القصة المعروفة لأشرح لماذا أكتب الآن ما سوف تقرأونه، وهو أمر يخصني شخصياً ولا مصلحة ولا فائدة منه لأيِّ قارئ يقرأه، اللهم إلاّ إذا كان لم يسمع بحكاية عبد المطلب مع الحبشي .. ثم دعوني أضيف أنّني لا أشعر بذنب ما إذا لم أكتب الآن شيئاً يخص أو يفيد عامة الناس، أو له هدف إصلاحي اجتماعي وهو ما درجت على الكتابة حوله من وقت لآخر في بعض صحفنا المحلية، والسبب أنّني لا أرى داعياً لاعتذاري عن الكتابة في موضوع يهمني شخصياً فقط لأنّني لا أذكر أنّني كتبت عن أي موضوع يهم الناس واستجاب له من قريب أو بعيد مسؤول له شأن، وهذا ما دفعني أن أجمع كل ما كتبته في الصحف والمجلات وأضعه في كتاب جعلت عنوانه (كلام جرايد) لأنّنا عندما نريد أن نقول عن شيء إنّه لا أهمية له نقول عنه إنّه كلام جرايد.
والآن أدخل في الموضوع الذي يخصني والذي حملني على كتابة هذا المقال والذي أيضاً آلمني وما زال يؤلمني ويؤرقني منذ أكثر من ثلاث سنوات .. كنت اشتريت منذ تلك المدة أو أكثر قطعة أرض في جدة لأنشئ بيتاً عليها حتى أكون قريباً من بيوت أبنائي الذين يعيشون في جدة والتي ألحت زوجتي أم نزار أن تكون بقربهم، بعدما خلت ديارنا من ابنيّ نزار وإياد وأولادهما وانتقلوا إلى بيوت مستقلة كما هي سنّة الخلق منذ الأزل .. لا أريد أن أطيل في القصة حتى لا أدفع بالقارئ إلى رمي الجريدة جانباً وإنّما أريد أن أقول فقط إنّ الشخص الذي باعني الأرض باعني شيئاً لم يكن يملكه، ويعرف أنّه لا يملكه وأنّ الصك الذي باعني الأرض بموجبه كان ملغى ولا قيمة له وهو يعرف ذلك جيداً .. لقد احتال عليّ وعلى الوسيط والدلاّل، أو هكذا أفهمني الدلاّل! وكنت أنا الضحية ودفعت مبلغاً كبيراً لأرض عرف بائعها أنّه خدعني مع الإصرار والتصميم، هذا عدا المبلغ الكبير للسعي كما يسمونه والذي كان أكبر من المتعارف عليه بسبب أنّ الأرض كانت رخيصة - كما ادعى الساعي - مقارنة بأسعار مثيلاتها!!
سوف يقول القارئ إنني ساذج قطعاً أن أشتري أرضاً بهذا الشكل دون التأكد من أنه ليس فيها أي مشاكل، ولكن ماذا عن كاتب العدل الذي نقل الصك باسمي ولم يلاحظ ذلك أو يدقق فيه مما هو من صميم عمله؟ وماذا أيضاً عن أمانة مدينة جدة وفرعها الذي أصدر ترخيصاً لي بالبناء وبدأت فعلاً عملية البناء وجاء بعدها مندوب نفس فرع البلدية في أبحر الجنوبية وبكل صفاقة ليأمر المقاول أن يوقف البناء. لقد وصل الأمر في عالم البلديات حدوداً فلكية يقترفون الأخطاء الرهيبة ويضرون الناس ويعذبونهم.
من سيعوضني المليوني ريال اللذين دفعتهما لذلك الرجل واللذين استحلهما ضارباً عرض الحائط بكل القيم الدينية والقانونية والاجتماعية؟
في أي مكان في الدنيا المفروض الآن أن أحصل ليس فقط على ما دفعته بل على ما دفعت من سعي وعلى مدة السنين الثلاثة التي لم أسكن فيها في منزلي.
كنت طوال هذه السنين الثلاثة تركت الموضوع بيد محام إلا أنني الآن وقد عزمت على كتابة هذا المقال فكرت أن أتصل بالسيد بائع الأرض لعل وعسى. اتصلت به مساء يوم الاثنين الماضي محاولاً أن أتفاهم معه قبل نشر هذا المقال. هل تعرفون ماذا كان جوابه؟ لقد قال بكل بساطة: إن الشخص الذي باعه الأرض خدعه؛ لأن الأرض مملوكة لبنك، وإنه هو بالتالي باعها لي على هذا الأساس، وإنه سوف يدفع لي دراهمي إذا حصل عليها من البائع الأول!!.
وللعلم فإن الرجل ثري ولديه محلات تجارية وعمارات وصيدليات؛ أقول هذا حتى لا يخدع السلطة المختصة بأنه معسر كما يفعل كثير من المحتالين أمثاله. ومن أغرب الأمور أنه عندما أتى إلى منزلي وأكملنا عملية البيع كان يقطر رقة وأدباً ودماثة خلق. بعد ذلك عرفت لماذا كان كل ذلك الأدب الجم.
والآن لماذا انتشر هذا الكلام علناً ونحن كمسلمين أُمرنا أن نتعاون على قضاء حوائجنا بالكتمان؟ الجواب إنّه مضى الآن، كما ذكرت، أكثر من ثلاث سنوات وقضيتي لا تزال تراوح في مكانها ولم أستطع وبمساعدة محامٍ دفعت له إلى الآن مبلغاً نظير أتعابه، لم أستطع أن أتملّك الأرض كما لم أستطع استرداد دراهمي .. البائع موجود ويعيش في جدة ومكانه معروف ومحلاته التجارية معروفة وهو ما زال إلى اليوم يخرج لسانه لي ولجميع الذين يعملون معي في القضية. ويبدو أنّه لا يخشى أحداً - وأقول أحداً من الناس - لأنّه بالأحرى لو كان يخشى الله لما اقترف ما اقترف في حقي ولما أكل وشرب وأطعم أولاده من مال حرام .. إنّ ما اقترفه هذا الرجل بحقي هو سرقة واضحة اقترفها في وضح النهار دون خوف، لم أكن أظنّ أنّ قضية بهذا الوضوح والبساطة تأخذ من القضاة والمحكمة طوال هذه المدة دون حلها.
لقد قامت الدولة في هذه البلاد على يد مؤسسها الملك عبد العزيز - طيّب الله ثراه - وثبّت فيها أسس العدل وأحقّ الحق وضرب على أيدي العابثين بأمنها وأمانها بعد أن كانت مسرحاً للفوضى وغياب القانون وقطّاع الطرق واللصوص.. لكن يبدو أنّ بعض هؤلاء عادوا بهيئات وأشكال جديدة حديثة وطوَّروا من أساليب احتيالهم وطرق سرقاتهم. إنّ من أصعب الأمور أن ترى نفسك وقد ابتزّك إنسان ما وخدعك واستولى على مالك بالخداع والغش والسرقة، حتى ولو كان المسروق ريالاً واحداً. إنّ هذا الرجل ابتزّني والقضية لدى المحاكم ولم يحكم بها على الرغم من مضي وقت طويل، لكنني لن أسكت ولن أتنازل عن حقي ما بقي له عمر.. أريد أن يعود لي حقي وأريد أن يعلن اسم هذا الرجل على الملأ عندما يتأكد القضاء من احتياله، كما أدعو إلى إعلان كلِّ أسماء المحتالين والدجّالين واللصوص الذين تثبت جرائمهم حتى يتقي الناس شرورهم وحتى يكف أذاهم عن الناس لأنّهم ما داموا طلقاء فلسوف يستمرون في السرقات والاحتيال على الناس، ولدى الجهات المختصة الآن على ما أظن أعداد منهم.
وإذا قيل إنّ من نتهمهم قد يكونون أبرياء نقول إنّ على المحاكم أن تشمِّر عن ساعد الجد وتجتهد في الفصل في القضايا الكثيرة التي تأخذ أعواماً قبل البت فيها مثل قضيتي هذه - وعندها يمكن لنا أن نعلن عن أسماء المحتالين واللصوص الذين لا يتورّعون ولم يتورّعوا على مدى تاريخ الإنسانية من مثل ذلك؛ ولهذا وُجدت القوانين ووُجد العدل والحماية للناس وممتلكاتهم.
ومرة أخرى أكرر أنّه لا تفيدني دراهمي إذا حصلت عليها بعد أن أموت ..
لديَّ أخيراً اقتراح لمليكنا الصالح المصلح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز - حفظه الله - وهو الحريص على مصالح ورفاهة شعبه .. وحقوقهم والاقتراح هو إنشاء مجمع عقاري كبير يحوي أقساماً لمحاكم مستعجلة ولكتابة عدل وفروعاً لبلديات المدن المقام فيها المجمع، ويحوي أيضاً مراكز للشرطة وفروعاً للبنوك وفروعاً للوزارات ذات العلاقة مثل وزارات العدل والبلديات والتجارة والزراعة كما يضم المجمع سجناً يستقبل كلَّ من يثبت تلاعبه واحتياله على الناس .. ولعلّ مثل هذا المجمع يحد أيضاً من تلاعب أصحاب المساهمات الذين خدع بعضهم الناس واستولوا على مدّخراتهم ونسوهم. لا بدّ من التحرُّك ضد أولئك الذين لا ضمائر لهم والذين ما فتئوا يحتالون على الناس وكثير منهم معروفون والضرب على أيديهم بحزم من أهم واجبات الدولة وأجهزة الدولة التي استطاعت بحمد الله وقوّته القضاء على العصابات الإجرامية الضالة ولن تعجز إن شاء الله عن التصدِّي لمواجهة الإرهاب غير المسلّح وهو خداع الناس وابتزازهم ..
كما أتمنى أن يقرأ مقالي هذا معالي وزير العدل الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ وفضيلة الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وأي من الاثنين يستطيع من موقعه أن يحل مشكلتي هذه، ولا أشك إلا أن هناك مشاكل عديدة ومتنوعة من مثل قضيتي وأدرك تماماً أن رأسَي المسؤولَين اللذين ذكرتهما مليئان بقضايا أكبر وأصعب من قضيتي ولكن هذا قدرهما في مواقعهما ولهما منا - إن شاء الله - الدعاء بالتوفيق والقوة.
والله من وراء القصد.
|