دائماً ما نقول إن الطب وعلومه في تطور وتسارع مستمر لا يعرف الكلل، بل إن التقدم في الطب وخدماته هو عنوان تطور الشعوب والرقي بها ونهوضها؛ وذلك ما يجعل من الدعم اللا محدود بقدر المستطاع هاجس كل دولة تتطلع إلى أن تكون في مصاف الدول المتقدمة.
حوسبة الخدمات الطبية أو تطبيقات الحاسب الآلي في الخدمات الطبية أو ما تسمى المعلوماتية الطبية هي إحدى هذه الثورات التي نقلت الخدمات بكل أنواعها إلى نوع آخر من الخدمات قد لا يمكن تخيله حيث إن بعض الدول قد حققت من ذلك الشيء الكثير وفي نفس الوقت تسعى إلى المزيد، وما زال هذا العلم يحتاج إلى الكثير من الخبرات والجهود والدعم ليس فقط على مستوى بلادنا بل على مستوى العالم. وبالرغم من أن هذا العلم قد بدأ منذ أكثر من ثلاثين سنة إلا أن تطوره كان بطيئاً بحكم ارتباطه العام بتطور تقنية الحاسب التي تعيش ثورتها في وقتنا الحاضر؛ ولهذا فإن المعلوماتية الطبية هي الأخرى تعيش ثورتها الكبيرة واللا محدودة المطامح.
ولو تكلمنا عن المعلوماتية الطبية في وطننا لوجدنا أنها مشاريع موجودة في بعض المستشفيات ولا يمكن تعميمها؛ لأن كل واحد منها هو عبارة عن تجربة منفردة وحدها في طريقة التطبيق وحجم المشروع والمبالغ المصروفة عليه والنتائج التي تحققت حيث إنها تحتاج إلى المزيد بالرغم من حرص المسؤولين على إنجاحها وتعميمها.
المعلوماتية الطبية في أي مكان في العالم تواجه العديد من الصعوبات يبرز في مقدمتها توافر المادة لبنائها وصعوبة تقبل المستخدمين وندرة المختصين وحل المشكلات التي قد تطرأ ومن ثم التطوير المستمر؛ ولهذا فإنه ليس من السهولة بمكان أن نطبقها أو حتى نستوردها كما هي، كما أنه ليس من المقبول أيضاً ومهما كانت الصعوبات أن تبقى الخدمات الصحية على ما هي عليه اليوم خصوصاً ونحن نعيش تطوراً باهراً في علوم الطب بكل مجالاته وندرك تماماً أن العجلة المتسارعة لن تتوقف، وأننا إن لم نسايرها وندرك أهمية المعلوماتية الطبية ونقوم بعمل جاد لتحقيقها فلن ننتظرنا ولن نستطيع اللحاق بها.
ولأن الهدف في المقام الأول هو خدمة المريض فلك أن تتخيل كيف ستصبح الخدمات الصحية عندما تطبق المعلوماتية الطبية في كل مستشفى وكل وحدة صحية وكل عيادة وكل صيدلية. قد يتم الكشف على المريض في مكان ما ويشخص في مكان آخر وتقرأ نتائج التحاليل وصور الأشعة هي الأخرى في مكان بعيد كل البعد عن مكان المريض. ويستطيع الطبيب أن يستعلم عن معلومات مريضه أياً كان بعداها الزمني والمكاني ويسترجع صوره الإشعاعية ونتائج التحاليل والفحوص والتقارير والوصفات في أي زمان وأي مكان، أو استخدام البطاقة الذكية التي تحمل كل المعلومات المتعلقة بالمريض وتاريخه المرضي وجميع الفحوص التي أجريت له والتي يستطيع حملها بسهولة ليجد كل معلوماته أمامه عند أي طبيب. وتدخل المعلوماتية الطبية حتى في مجالات البحث العلمي والتعليم والتدريب المستمر والتقويم وإجراء الدراسات والإحصاءات بشكل مباشر أو غير مباشر واستخدام الشبكات في سبيل ذلك.
الآن لا نستطيع أن نتخيل طباً بدون مضادات حيوية حيث كانت الاكتشاف الذي قفز بالطب وغيّر مساره ليصبح ما قبلها طباً قد لا نستطيع أن نسميه كذلك في وقتنا الحاضر، فيا ترى هل سيأتي اليوم الذي نستطيع أن نقول فيه إن عصرنا الحاضر، أي ما قبل المعلوماتية الطبية، هو عصر يخلو تماماً من شيء اسمه خدمة صحية ونتعجب كيف كنا نتعامل مع كل تلك الأوراق والسجلات بتلك الطرق البدائية؟! أتمنى أن يمتد بنا العمر لنرى ذلك في كل مرافقنا الصحية دون استثناء أو على أقل تقدير أن يراه أبناؤنا.
وقفة
تقوم جامعة الملك سعود بن عبد العزيز في الحرس الوطني للعلوم الصحية بدور كبير ومهم في دعم المعلوماتية الطبية في المملكة العربية السعودية؛ حيث استحدثت أول برنامج يمنح درجة الماجستير في المعلوماتية الطبية في الشرق الأوسط؛ إسهاماً من تلك الجامعة في تخريج كوادر قادرة على قيادة وتبني مثل هذه التطبيقات في مختلف المجالات الصحية.
يشرف على هذا البرنامج نخبة من الأساتذة، على رأسهم الدكتور ماجد التويجري المدير التنفيذي لإدارة نظم المعلومات في مدينة الملك عبد العزيز في الحرس الوطني والدكتور بخيت الدوسري أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز في الحرس الوطني، حيث يضم هذا البرنامج عدداً من الطلاب والطالبات من مختلف التخصصات من أطباء وصيادلة ومهندسين وفنيين سيكونون - بإذن الله - نواة نجني ثمار زرعها في المستقبل القريب.
|