إلى صديقتي التي تحذر كل شيء.. حتى التنفس بصوت مسموع.. تحذر أن أفتح عيني يوما فأبصر خوفها.. ضعفها.. لهفتها.. ألمها.. احتراقها.. وتخشى حتى الموت أنني لست هنا.. فتحمل تفاصيلها وترحل.
الخوف يمزقها.. ويمزقني.. ونحن نتبادل الضحكات والدعابات غير المتقنة.. وكلانا تفحص الأخرى وترفض أن تبوح.. إلى متى ونحن نتهادى راقصتين على هذا المسرح الذي مل خطواتنا الوجلى المترقبة.. التي تخاف هي الأخرى أن تهبط من أمام خشب المسرح وتطأ أشواك أرض الواقع.. أما آن للمسرحية أن تنتهي.. وللحلم أن يلملم أخشابه الصلبة اللامعة من تحت أقدامنا وينفينا إلى أرض الواقع..؟!
أعلم.. وتعلمين.. أنه ينوي ذلك في العاجل القريب.. ونتابع خطواتنا.. ضحكاتنا.. نرسل النظرات الحائرة تترقب ما سيكون.. وتحاول أن تفهم.. ما كان.. تتفحصه عن بعد.. ثم تقترب تفسر تفاصيله.. ثم تتراجع خطوات للخلف.. وأسألك: لم لا نصرخ في الزمن.. أو نرجوه.. عله يقف.. حتما سيفهمنا.. ويقف ولا تجيبين..؟
وأخشى إن أنا صرخت أن يتراجع صوتي ويخفت.. لأنك تقفين بصمت.. وتخافين.. أن لا أبكي معك كالأطفال حين تبكين الرحيل.. سنرحل.. نعم.. هل أدركت كم من الحقائق يسهل الحديث عنها وفلسفتها حتى اليقين.. ويصعب احتمال فكرة ممارستها ناهيك عن عيشها..؟!
أيمضي أحلى العمر.. و الكثير.. لم نقله بعد؟ أيمضي دون أن نحاول أن ندعي أننا سنستطيع تجاوز الأمر بابتسامة فتغتالها دموعنا المنهمرة كالمطر الذي يصبّ غضبه على زجاج نافذتي في هذه اللحظة؟!
اسمعي ما أفكر به.. أفكر في أن لا أحضر الفصل الأخير من المسرحية.. ستقولين: جبانة.. خذلتني. أنا لست جبانة فقط بل الخوف ما يسكنني.. لو استطعت الفرار لفعلت.. ولو أستطيع خطفك.. لما ترددت.. ولكني أدرك أن درب الرحيل لا يحمل الأشخاص إلا فرادى.. وحيدين.. لا يهتمون إلى أين يأخذهم الطريق.. ما دام استطاع أن ينتزعهم من أحلى العمر.. آه يا أحلى العمر.
كل ما أستطيع فعله أو قوله لأخفف من مصابك.. وأعلم أن مصابي لا يهونه.. إلا من قدره.. هو أن تتأكدي دائماً أنني لن أستبدل تفاصيل أخرى بتفاصيلنا..
تلك الطرقات التي عبرناها معاً.. وتلك التي تحدثنا عنها.. الأماكن التي اعتدت أن تقصديها وحيدة.. الكلمات الطفولية التي كانت تنجح دائماً في انتزاع الضحكة منا.. قصائدك.. وحروفي.. أغانينا.. غضبك الدائم.. اللذيذ حين أعدك بالمجيء.. وأتأخر عن موعدي.. وحين أسخر من أشيائك الصغيرة التي لا تلقين لها بالاً.. وصمتك.. لا مبالاتك المزعومة.. أخطاؤك الصغيرة التي تسمح لي بأن أراك كما أنت.. حقيقة لا تحتمل الزيف.
أيتها النبل الجميل الذي اجتاح هدأة حلمي.. لك امتناني.. يا أحلى العمر.. لك مكان في الذاكرة.. سكناك.. يحمل كل تفاصيلك.. أسعديني بزيارة أخرى.
|