Friday 2nd June,200612300العددالجمعة 6 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"عزيزتـي الجزيرة"

إلى حماد السالمي: إلى حماد السالمي:
مقالكم وهم وسراب.. وعنوانه كوارثي!!

في العدد 12288 اطلعت على مقالة ساخنة للكاتب حماد السالمي بعنوان (حصادك مر يا مناهجنا).. الأستاذ حماد كما نعرف استرسل كثيراً في التشنيع على المناهج التعليمية والتخويف منها حتى جعل منها (وحشاً مرعباً).. ولكنه اعتاد أن يتقدم بدعاواه تلك خالي اليدين من البينة التي تسند آراءه الهجومية وقد قِيل (البينة على مَنْ ادَّعى).. لكن هذه المرة أتى مسرعاً وكأنه نذير قوم من خطر يوشك أن يطبق عليهم.
** أتى متأبطاً بحثاً علمياً يؤكد من خلاله أنه تم القبض على (قيم سلبية) تعمر بها مقررات اللغة العربية وتكشف مقدار ما فيها من (الأدلجة والمواقف المسبقة وتحقير الحياة وتمجيد الموت وإقصاء المرأة)!.. عندما قرأت العنوان الكوارثي لمقالته وألقيت نظرة عابرة على متن مقالته قلت لا بد أنه أتى بالطوام والبلايا العظام.. فهو بحث سيعري (حسب قوله) التعليم العام الذي يعزز الفردية ويضخم الفوقية ويقصي الآخرين والوصاية وتدجين الأفكار.
** ولكن عندما قرأت المقالة كان الأمر مختلفاً.. فقد اتضح أن ما قاله أشبه بوهم وسراب أو محض أماني!.. تُرى أين (ما بشَّر) به من بلاوٍ عظام في تلك المناهج؟ كيف يستشهد بدراسة تنسف مقولاته وادعاءاته نحو المناهج.. (ستٌ وعشرون) سلبية! هذه النتيجة النهائية للبحث!.. صدقوا عندما قالوا كفى ب(المرء) نبلاً أن تُحصى معايبه.. هذا إذا رأيناها سلبيات.
** تخيل هذه الدراسة والنتيجة هي محصلة مسح شامل لمناهج اللغة العربية للصفوف التعليمية العامة من الخامس ابتدائي حتى الثالث الثانوي بنين وبنات.. وتشمل مناهج ومقررات المحفوظات والمطالعة والأدب العربي والقراءة والقواعد والبلاغة والنقد.. أي أن الدراسة نقبت في ما يزيد على الخمسين كتاباً مدرسياً كإحصاء متحفظ.. ليخرج بهذا الصيد الهزيل (26 سلبية).. أي من كل كتابين تم اكتشاف (سلبية واحدة)!.. كما قلت هي مقالة تنسف ومن الأساس الآراء العدائية والتحريضية ضد المناهج كمضمون ومحتوى.
** وإذا كان كل منهج يشترك في تأليفه ما لا يقل عن أربعة متخصصين فهل عشرات العلماء والتربويين والأساتذة والأكاديميين (مؤدلجين) والسالمي لوحده على الصراط المستقيم؟
وهنا سأعلق بإيجاز تحاشياً للإطالة على معظم ما صنفها كقيم سلبية.. التي سيفاجأ القارئ أنها إيجابيات بل هي قيم محمودة.. فهي لا تعدو أن تكون قبسات تسير على هُدَى القرآن والسنة أو مختارات نفيسة من عمق التراث العربي:
** الدراسة تنقسم حسب تصنيف الكاتب إلى ثلاثة محاور أولها (الموقف من المرأة)!..
1- (من كتاب القراءة سادس ابتدائي) يشير إلى موضوع سلبي! يصف المرأة أنها (مَدْرَسةٌ) يقصد بيت أحمد شوقي الشهير (الأم مَدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق).. وأن الشاعر يحذر من أمور خطيرة على الفتاة!.. تُرى أين الإهانة للمرأة هنا.. هل وصف المرأة أنها مَدرسة تُربى من خلالها الشعوب مذمة؟!.
2- (قراءة ثاني متوسط) يحذر من موضوع يتحدث عن (شخصية المرأة المسلمة) وأنها تتلقى العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها ما يكون له أثرٌ حميدٌ في شخصيتها وأسرتها ومجتمعها ويؤهلها للقيام بالمهمة التي خُلقت من أجلها لا نسخة مماثلة للرجل!!.. صَدِّق أو لا تُصدق كل ما قرأته صُنف أنه إهانة للمرأة وتمييز ضدها!
3- (نصوص ثالث متوسط) ينتقد موضوع عن (فضل الحجاب) وإلى وصف المختلف بمحاكاة الكافرات!.. تُرى لماذا هذه الحساسية من الحجاب..؟ فهل هذه الأدلجة التي يتحدث عنها؟!.. والحجاب فريضة متفق عليها ومأمور بها صراحة بالقرآن الكريم؟
.. أما محاكاة الكافرات فقد أتت أحاديث شريفة صحيحة تحذر من هذا..
4- (قراءة ثالث متوسط) ينتقد وجود نصيحة من أم لابنتها ليلة زفافها (وهي نصيحة شهيرة في كتب التراث).. وينتقد ورود فتاوى تعزز هذا الجانب!. ألا يوجد أحاديث شريفة تحث المرأة على التقرب من ربها بحسن التبعل لزوجها.. أما كونها نصيحة للفتاة فلأن المقرر خاص بالطالبات.
5- (أدب ثالث متوسط) ينتقد إيراد خطبة للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه..!
فالله المستعان.. فإذا لم نستشهد بمقولات الصحابي الجليل والخليفة الراشد فنستشهد بمن؟!.. هل علي بن أبي طالب أيضاً مؤدلج وتكفيري و(حاشاه ذلك).. إذا لم يسلم من مطاعنهم الإمام علي - رضي الله عنه - فمن ذا الذي سيسلم منهم؟
6- (مطالعة ثاني ثانوي) يطعن أيضاً في الصحابي معاوية بن أبي سفيان وهو يورد ما أسماه إهانة من معاوية لرجل من اليمن بقوله (ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة).. ربما نسي معد الدراسة الحديث الشريف (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)!
7- (مطالعة ثاني ثانوي) ينتقد موضوع (الإنسان والحياة على أرض الخليج العربي) و(الشباب والحياة) بحجة أن هذا إشارة للذكور فقط!.. كنت أظن ثقافة الأستاذ أكثر عمقاً.. فكيف غاب عنه أن (الإنسان) يُراد به الرجل والمرأة هل نسي سورة الإنسان {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا }(الإنسان:1).. وأن لفظ (الشباب) يقصد به الجنسين.. كما أن (الأولاد) و(البنون) يقصد بها الأبناء إناثاً وذكوراً.. فهل قصرت ثقافته عن إدراك ذلك؟..
8- (المطالعة ثاني ثانوي) ينتقد وجود موضوع (اختيار الزوجة) ولا يوجد ذكر لاختيار الزوج.. ربما نسي أن الرسول عليه الصلاة والسلام ركز على حسن اختيار الزوجة فقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) والحديث المعروف: (تُنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفرْ بذات الدين تربت يداك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام لأن الزوج طالب والزوجة مطلوبة.. فهذا الموضوع لم يخرج عن الاستئناس والاستهداء بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
** في المحور الثاني تحدث عما أسماه تحقير الحياة وتمجيد الموت:
1- (قواعد ثالث متوسط) ينتقد إيراد مقولات تراثية يقول إنها تحقر الحياة!!.. لعلنا نُذكِّر ببعض الآيات الكريمات {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}الأعلى:17) و{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} (التوبة:38) و{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}(الحديد:20) و{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت:64) بالطبع لا يمكن القول إن هذه الآيات تحقر الحياة.. بقدر ما هي تعظم من شأن الآخرة.. وتذكر المسلم ألا يطغى الاهتمام بالدنيا عن الإعداد لها.
2- (الأدب العربي أول ثانوي) ينتقد خطبة زياد بن أبيه وهي خطبة شهيرة في كتب التراث بحجة احتوائها على ألفاظ استبدادية وقمعية.. مع أن الخطبة أُدرجت في المنهج لقيمتها اللغوية والبلاغية ليس إلا.
3- (نحو وصرف ثاني ثانوي) ينتقد وجود عبارة تحث على الجهاد والموت في سبيل الله..!! ولا أعلم لِمَ هذه الحساسية من كلمة (الجهاد) وهو ذروة سنام الإسلام؟.. ولماذا النظر على أنه تحقير للحياة وتمجيد الموت.. والله جل وعلا يقول {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج:40) وقد امتدح جل وعلا رجالاً قال عنهم {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} وقال تعالى {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}) التوبة:111) فالجهاد شعيرة مقدسة للدفاع عن حياض الإسلام وعن حرمة بلاد المسلمين.. ولكن يبقى أن للجهاد ضوابطه وأحكامه.. ومن يوجه سلاحه إلى أمته وبلاد المسلمين فهذا حتماً ليس من الجهاد بل هو ضرب من ضروب الإرهاب.
4- (قراءة ومحفوظات سادس ابتدائي) ينتقد إيراد قصيدة بعنوان (كن شجاعاً)!!.. فهل الحث عن الشجاعة قيمة سلبية؟!! هل يريد قصيدة بعنوان (كن جباناً) أو (كن انبطاحياً)؟!
** (المحور الثالث) ما أسماه بالأدلجة وتغييب العقل وكثير من الظلم:
1- (قراءة ومحفوظات سادس ابتدائي) (طريق الأمة الإسلامية إلى القوة والعزة واضح رسمه لها القرآن الكريم طلب إليها ألا تلجأ إلى أعداء الدين وألا تضع رجاءها بين أيديهم..) يصف هذه العبارات بالأدلجة!.. فيا سبحان الله هل اتباع هُدَى القرآن الكريم أدلجة؟!
2- (قراءة عربية ثاني متوسط) ينتقد حِواراً مُتخيلاً بين ابن الهيثم وإسحاق نيوتن ويصف الحوار بأنه تمجيد للذات وتحقير الآخر.. يقول هذا فقط لأن ابن الهيثم يفتخر أنه أعظم من نيوتن..!! تُرى لماذا يستكثر أن يعتز المسلمون بأحد علمائهم الأفذاذ وأحد أهم مَنْ خدم الإنسانية باكتشافاته العلمية الشهيرة في الفيزياء وعلم الضوء والبصريات!؟ أليس رأيه هذا هو تحقيراً للذات بسبب عقدة الخواجة والشعور بالدونية؟!.
3- (الأدب العربي الأول ثانوي) ينتقد تقديم شواهد شعرية لشعراء فطاحل من العصر الجاهلي مثل الأعشى وزهير بن سلمى وطرفة بن العبد.. بحجة أنها تغييب للعقل!..
إذا كان ينهي عن الاستشهاد بمقتطفات من روائع الشعر العربي.. فنستشهد بمن؟ أم يريد حجب (ديوان العرب) عن مناهج الأدب ويحرم الطلاب من تذوقه؟
4- (البلاغة والنقد أول ثانوي) ينتقد إيراد آيات تذم اليهود!.. بحجة أن الوصف مخصوص في القرآن الكريم.. ويعرض بحديث من صحيح مسلم فيه ذم لليهود!.. وهذه الغيرة على اليهود تذكرنا بمقولة أحد الكُتَّابِ الصحفيين إن إسرائيل ليست عدوة للفلسطينيين وإنما المقاومة هي عدوتهم؟
هذه (أهم النقاط) التي تم اكتشافها من خلال هذه الدراسة.. فهل هذه قِيَمٌ سلبيةٌ؟ واللافت هو تعليق الأستاذ حماد في نهاية المقال.. وهو يطلب بإحلال هذه القيم محل (قِيم إيجابية تعزز تصالح الإنسان مع دينه ودنياه وتاريخه وتراثه.... ليكون إنساناً سوياً) هنا يستخدم كلمة الإنسان.. أليس هذا لفظاً ذكورياً وتمييزاً ضد المرأة حسب منطقه؟؟.. ثم من هو الذي بحاجة إلى أن يتصالح مع دينه وتاريخه وتراثه..؟ أليست النقاط السابقة منبثقة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ومن عيون التراث العربي؟!
نحن مع التطوير والإصلاح في المناهج.. وهو ما يحدث الآن ويحدث دائماً فهي عملية مراجعة وتطوير مستمرة.. ولكن تظل الإشكالية في تباين المفاهيم وتضارب الرؤى واختلاف النوايا في التطوير المنشود.. فَلِكُل وجهةٌ هو مُوليها!..

صالح بن سليمان الحناكي -الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved