سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
يسعد كل قارئ لصحيفتكم ذائعة الصيت والانتشار بما تنهجونه من فتح المجال للقراء للتعليق والتعقيب على بعض المقالات التي تنشرها الصحيفة مع مراعاة الانضباط بأخلاقيات المهنة، ومن هذا المنطلق أضع بين يدي سعادتكم تعليقاً على ما كتبه الأستاذ حماد السالمي - وفقه الله - في عددي الأحدين 16 - 23 ربيع الآخر في صحيفتكم الماتعة، وصدّره بعنوان كبير: (حصادك (مر) يا (مناهجنا)؟؟!)، وكان التأخر في كتابة هذا التعليق انتظاراً للمقال الثاني للأستاذ - وفقه الله - آمل أن يكون هذا التعليق مجازاً للنشر لدى سعادتكم. ويمكن إجمال التعليق في النقاط التالية:
1 - جعل الكاتب - وفقه الله - عنوان مقاله - بحصادك (مر) يا (مناهجنا)، وهذا تعميم يدخل فيه الكاتب وغيره ممن درس هذه المناهج، فهل هم من الحصاد المر؟!
2 - يرى الكاتب - وفقه الله - أن د. ناصر الحنيني - وفقه الله - ومَنْ سار على دربه يتهمون المنتقدين للمقررات والمناهج بالخيانة والعلمنة واللبررة أو العمالة للغرب بينما الكاتب نفسه صدَّر مقاله باتهام المدافعين عن المناهج بأن لهم ولاءات ممنوحة لآخرين فما الفرق بين الاتهامين عند الكاتب؟! ولم أباح لنفسه ما عابه على غيره؟.
3 - أقحم الكاتب - وفقه الله - جامعة الإمام في (مركز الدراسات والبحوث المعاصرة) الذي يشرف عليه د. ناصر الحنيني - وفقه الله -، والمشرف لم يدخل الجامعة في مركزه من قريب أو بعيد، فَلِمَ هذا الإقحام عند الكاتب؟
4 - صرَّح الكاتب - وفقه الله - أن د. ناصر الحنيني - وفقه الله - تناسى الدراسة العلمية للمحاميينِ السعوديينِ عبدالعزيز القاسم، وإبراهيم السكران التي كشفت - كما يقول الكاتب - عوار المقررات والمناهج، فهل الكاتب تذكر ما وُجه إلى تلك الدراسة من انتقادات وتعقيبات ومداخلات في نفس دورة الحوار الوطني التي قُدِّمَتْ فيها الدراسةُ، فضلاً عما ظهر من دراسات علمية قام بها أصحاب اختصاص أثبتت أن الدراسة قامت على رؤية استباقية وانتقائية غير متجردة ومثل ذلك لا يكشف وجه الحقيقة.
5 - الفرقُ بين المطالبة بتغيير المناهج والمقررات بعد الحادي عشر من سبتمبر وبين تعديلها وتطويرها قبل الحادي عشر من سبتمبر فرقٌ ظاهرٌ وجليٌّ لا يجهله كاتبٌ قديرٌ كحماد السالمي - وفقه الله -.
6 - لم يصرح الكاتب - وفقه الله - بالمواطنين المخلصين في إيمانهم وفي ولائهم وانتمائهم الذين صدمتهم تلك المقررات، والطبيعي أنه إذا صدمتهم تلك المقررات فسيصدمهم حصاد تلك المقررات الذين منهم الكاتب - وفقه الله -.
7 - إذا كانت ما اشتملت عليه مفردات المقررات الدراسية من النصوص الدينية والأدبية بل والنص الديني - عند البعض - رأس حربة للوقوف ضد كل محاولات الفهم والتصحيح، وتوظيف المفردات المنهجية لبناء الشخصية وتحفيز الإبداع، والنمو المتصالح مع الذات، والتخلي عن المواقف الضدية وطرح الأحكام الحدية ونبذ تكريس التكريه والتعصب واتهام الآخرين، فكيف أصبحت المناهج والمقررات (تسير بالتلاميذ والطلاب في كل الاتجاهات) حسبما قال الكاتب - وفقه الله -؟، فالثاني لا ينتج عن الأول قطعاً، ومثل ذلك لا يخفى على كاتب قدير كالسالمي - رعاه الله -.
8 - إنَّ حكايةَ وقائع معينة وحبكها - بل الزيادة عليها - لاستمالة القارئ حال رؤية معينة، أسلوبٌ لا يرقى إلى التعامل مع قراء واعين يحللون ويسبرون ما يُكتب، بل إنَّ مثل ذلك قد يفقد معه الكاتب المصداقية عند القراء.
9 - تساءل الكاتب - وفقه الله - : هل قام المركز الذي يشرف عليه د. ناصر الحنيني - وفقه الله - بدراسة الحالتينِ اللتينِ ذكرهما في مقاله عن شاب في حائل اعتدى على عضو هيئة تدريس بريطاني وأوسعه ركلاً وضرباً، وكذا مديرة مدرسة في مكة تمنع الطالبات من حمل المرايا والأمشاط، وليسمح الكاتب - وفقه الله - بتوجيه تساؤل له - أيضاً -: أنت كاتب كبير تحتل مساحة أسبوعية في صحيفة ذات شهرة واسعة على النطاق المحلي والإقليمي، فهل قمتم - رعاكم الله - بالكتابة عن حالات في المجتمع بعضها أصبح ظاهرة وأُنشئت من أجلها إدارات مستقلة كانتشار المخدرات وشرب المسكرات، وبعضها تكاد تصبح ظاهرة كنكاح المحارم التي قالت عنها إحدى عضوات جمعية حقوق الإنسان: إنها تكاد تصبح ظاهرة؟ وهل تعرضتم فيما كتبتموه لرجل الأمن الذي قتل زميله في مدينتكم، وأسباب مثل تلك الحالات والظواهر، والبحث عن علاج لها؛ فضلاً عن بقية الظواهر الأخرى كالبطالة والعنوسة والفقر.. وغير ذلك، أم أنَّ المسؤولية عن عاتقكم حيال ذلك ملقاة، والتبعة فيها إنما هي على غيركم؟.
10 - يرى الكاتب - رعاه الله - أنه لا ينبغي أن تُصاغ أفكار الأجيال بشكل فردي، ويستشهد بقول حافظ إبراهيم - رحمه الله - أن: رأي الجماعة لا تشقى البلاد به، ثم هو لا يثق باللجان الجماعية لأنها - بحسب رأيه - أفكار فردية، (ملجنة) فهل لدى الكاتب - وفقه الله - شخص في الوجود لا يحمل فكراً خاصاً يمكن وضعه في تلك اللجان ليصوغ لنا أفكار الأجيال وهو عارٍ عن الفكر تماماً؟!!.
11 - مِنْ أعجب وأغرب ما جاء في مقال الكاتب - حفظه الله - استشهاده بحادثتي حائل ومكة على أن مفردات مقرراتنا الدراسية - خاصة الدينية منها والأدبية - تنضح بمفاهيم خاطئة لقضية الولاء والبراء، والمغالاة في مواقف متشددة، فاستنتاج مثل ذلك بناء على تلك الحادثتين وأمثالهما ينسحب على قضايا أخرى كحالة نكاح المحارم، وقتل بعض الأبناء لآبائهم، وتعاطي المخدرات والمسكرات، وقتل رجل الأمن زميلَه وغير ذلك، فهل يمكن نسبة مثل تلك الحوادث إلى سلبيات تنضح بها مقرراتنا الدراسية؟، ثم أين في مناهجنا ما يُبيح أو يشرِّع الاعتداء على عضو هيئة تدريس يُدرِّسُ في جامعاتنا سواء كان بريطانياً أو أمريكياً أو غير ذلك؟ فضلاً عن ركله وضربه!! وهل في مناهجنا ما يُحرِّمُ استعمال المرآة والأمشاط على المرأة؟!.
12 - أجزمُ - ولا أظن - أن الكاتب الكبير حماد السالمي - رعاه الله - قرأ في كتاب الله {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الممتحنة 7 - 8. وهاتان الآيتان قاعدة راسخة عند المسلمين في قضية الولاء والبراء، وأحسب أن الكاتب - سلمه الله - درس في مناهجنا الفرق بين الولاء وحسن المعاملة، والبراء وسوء المعاملة، وإساءة بعض الأفراد في تطبيق هذه القاعدة لا يعيبها ولا المقر الذي تدرس فيه، كما إن وصف الإسلام بالإرهاب بسبب ممارسات ليست من الإسلام لا يجعله إرهاباً.
13 - فيما يتعلق بالدراسة التي انتظر القارئ أسبوعاً ليكشف الكاتب بها عن بعض القيم السلبية في المقررات الدراسية من خلال دراسة علمية، فقد تكشف في هذه الدراسة العلمية خلوها من أهم الأسس الدراسية العلمية وهي الأمانة العلمية المبنية على التجرد المحض، والخالية من الانتقائية والتجزئة ومن ثم إصدار الأحكام بناء على ذلك، ويمكن الاكتفاء بعرض أول نموذج انتقده صاحب الدراسة ونقله الكاتب عنه ليتكشف لكل قارئ: هل القيم السلبية هي في مقرراتنا الدراسية، أم أنها في الانتقائية والاختزال والتعميم؟!!؛ وليطلّع القارئ الكريم على ما تحويه مقرراتنا الدراسية - بحسب رأي الكاتب - من أدلجة، ومواقف مسبقة، وتحقير للحياة، وتمجيد للموت، وإقصاء للمرأة.
قال الكاتب: نقلاً عن الدراسة:
ومقررات اللغة العربية - مثلاً - تحفل بالعديد من القيم السلبية نورد بعضها على سبيل المثال في الجوانب الآتية:
1 - قواعد اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي (الصف الثاني) يحصر مجال عمل المرأة في التدريس (ص 57).
وإليك أخي القارئ الكريم ما جاء في هذه الصفحة من المقرر بنصه: الدرس الرابع (نصب الفعل المضارع) أن، لن، كي.
ماذا أريد؟.
قالت المعلمة لتلميذاتها في حصة التعبير:
الحياة أمل وعمل، والإنسان الفطن هو من يصنع لنفسه أهدافاً، ويرسم لها طريقاً كي يحقق هذه الأهداف، لذا أريد من كل واحدة منكن أن تمسك بالقلم وتكتب ماذا تريد أن تكون، فأمسكت التلميذات بأقلامهن ثم كتبن، ومما كتبت فيءُ: أريد أن أتعلم لتتفتح أبواب المعارف أمامي.
أريد أن أحمل مشاعل النور كي أُعلِّم من حولي العلم النافع.
أحب أن أتأمل في الكون كي أشعر بعظمة خالقي، فيظل قلبي متعلقاً به، ولساني لاهجاً بذكره.
أود أن نتصفح جميعاً تاريخ أمتنا المجيد، كي نسير على خطى ثابتة، ونبني مستقبلاً مشرقاً لذا لن أستسلمَ للكسل، وسأكافح كي أحقق ما أريد بإذن الله).
فانظرْ أيها القارئ الكريم بعين الإنصاف كيف اختزل صاحب الدراسة المواد وأصدر حكماً عاماً بحصر مجال عمل المرأة في التدريس من خلال لفظة (قالت المعلمة) ولم تشفع مفردات بقية النص في منع ذلك الحكم الغريب والعجيب. كما أَدَعُكَ أيها القارئ الكريم تستكشفُ بقيةَ القيم السلبية في النص التي منها: الحياةُ أملٌ وعملٌ = تمجيد للموت، والتعلم لتنفتح أبواب المعارف، وحمل مشاعل النور، وتعليم الآخرين العلم النافع = إقصاء للمرأة، والتأمل في الكون، واستشعار عظمة الخالق، والتعلق به، وذكره = أدلجة. وتصفح تاريخ الأمة المجيدة، والسير بخطى ثابتة = تحقير للحياة.
وثمة أمر آخر في هذا النص إذ ليس فيه إشارة للرجل وقد جعل صاحب الدراسة من القِيم السلبية عدم الإشارة إلى المرأة في بعض النصوص كما في رقم 10 من الموقف من المرأة، فبناء على هذا الاستنباط، فإنَّ هذا النص فيه اتخاذ موقف من الرجل فليضف إلى القيم السلبية لمقرراتنا الدراسية.
وليس المقصود عرض ما اشتملت عليه هذه الدراسة من مجانبة للحقيقة إذ كشف مثالها الأول عن فقدٍ للمنهجية العلمية المتزنة، وبعدٍ عن الإنصاف والعدل، وخلوٍ من المصداقية في التعاطي مع مفردات المقررات الدراسية، بل ثَبُتَ بهذا المثال استغفالُ الدراسة للقارئ، وتغييبُ عقله، وتجريدُ فكره، وتبليدُ ذهنه، وأنَّ عليه أن يقرأ ويُصدِّق ويعتقد ويستيقن من دون الرجوع إلى مصادر المعلومة في تلك الدراسات ولا يُعَدُّ ذلك أدلجةً وهدماً للشخصية، وقتلاً للإبداع، واتهاماً للآخرين، بل هو نمو متصالح مع الذات، ومحاولة للفهم والتصحيح!!!.
فقليلٌ من الإنصاف يضعُ الأمورَ في نصابها، ويبعدها عن دائرة الظنية المقيتة، وبعضُ العدلِ كافٍ للقسطِ في القول والعمل، ويسيرٌ من التجرد تنكشفُ به الحقيقة.
وأُذَكِّرُ نفسي والقارئ الكريم والأستاذ الفاضل الكبير بأخلاقيات قول الله - تعالى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(8) سورة المائدة. والله من وراء القصد.
إبراهيم بن عبدالله الحماد للتواصل: |