Thursday 25th May,200612292العددالخميس 27 ,ربيع الثاني 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"سماء النجوم"

وجهان للخيبة وجهان للخيبة
هيفاء الربيع

الفرح يسكن الزوايا، أشعر بأنني أصفع كل أحلامي بيدي المرتعشتين، جدران المنزل تهتز مع أصوات الطرب المنبعثة من المسجلة التي تستند قرب نافذتي، قدماي تغوصان في وحل من الأفكار المخيفة، أحاسيس تدفع عجلة الفرح إلى الخلف ثم ترمي بها في هاوية الأحزان.
لماذا أنا حزينة بينما الكل يعيش الفرح.
الكل يحبني في هذا المنزل ويتمنى لي السعادة، أمي تحضر إلى غرفتي، تحمل بين يديها طفلتي الصغيرة: هاه يا سعاد، هل أنهيت متطلباتك كلها فالعريس بالتأكيد سيحضر قريباً.
تحول صدري إلى قرع من الطبول، أصداء من الصخور تتدحرج من قمة الحزن إلى هاوية النهاية، وحلة الفرح تنبئني بالتوقف عند صخرة صلبة قاسية كقسوة النهايات التعيسة.
لا يزال صدري ترتفع نبضاته.. أختنق.. أخفي وجعي المتد حتى ذيول ثوبي الذي لم أختره بنفسي، بل من وحي شقيقتي التي تنتظره من بعدي.
أختي أحق به وبهذا المكان، إنني أنانية من الأجدر أن أحافظ على تلك الكتلة الصغيرة المتكومة في حضن أمي.
ها هي تغمض أجفانها في سعادة، تبتسم، تلقي برأسها الصغير على كتف أمي وهي تستعد بنوم هانئ.
إنني أحق بهذه النومة الهادئة فأنا قاسية، قضيت على كل أحلامها وأحلامي.
آه إنها أحلامي التي ودعتها مع مطلقي.. كان الرجل الأول الفجر الباسم لأول أفراحي.. بل هو فرحتي الأولى والسهم الأخير الذي اخترق صميم الفرح.. لقد شربت من كؤوس قسوته وعلقم كلماته، خرجت من بيته صامتة.. حملت ابنتي لتعود الأفكار تثور في رأسي رغبة في الانتقام لجراحي المحترقة.
اختي تخرج شريط الكاسيت وتبدله بأغنية أخرى لا تزال في صميم الذاكرة كنبتة صحراوية تنتظر موعد الهطول لتورق من جديد.. آه يا أختي أي حلم أراه الآن مهدراً ينسكب على واقعي المر.
عليّ أن أنهض من مكاني لأنني لا أستحقه، صوت الارتطام في قلبي صخور الواقع تتدحرج أمامي، ثمة أمر يخنق عنقي كهذا العقد الذي أحيط به عنقي ووضعت أسوارته في معصمي.. إنها قيود فولاذية يا أمي فاجعليني احتضن كتلة لحمي ودمائي وفرحي المنتظر، امنحيني نافذة للضوء بعيداً عن هذا السجن، هذا أمر أرفضه وأعلم تماماً أنني سأكون الزوجة الثانية في منزل صغير تلبسه الظلمة وتنذر جدرانه البالية بالسقوط.
ولكن ليس هذا موعد الهطول لحلمي المنتظر.
ساعة الحائط تنعق كغراب يعلن موعد يتلبسه البؤس والألم.
أمي تنظر إليّ وإلى ساعتها تتملل في مقعدها، تحرك المدخنة لعل البخور يتصاعد في فضاء الحلم المرتقب.
تحول الفحم إلى دمار.. عاد نعيق الغراب إلى الصمت المريب.
تدلف أختي بنظرة فاترة لي وصوت هامس لأمي أن أبا محمد يعتذر عن عدم الحضور ويقول إن ابنه مريض ويحتاج إلى عناية وأنه.. وأنه..
أنهض من مقعدي.. أترك فراغاً يجتاحه صقيع الليل وأنين الحزن، أحمل ابنتي النائمة.. احتضنها بقوة.
هذا الذي كنت نتتظرين مقدمه يا أمي ها هو يحافظ على ابنه، بينما أنا تركت ابنتي الصغيرة.. إنني أمامك يا أمي امرأة ناضجة، تحمل من العلم الشيء الكثير.
ولكن كل هذا لم يمنحني الجرأة والانطلاق برأيي كما ينبغي، لم تمنحني شهادات الدنيا كلها أن أوازن بين أفكاري، بل بين وجهين ماثلين أمامي.. من الأجدر أن أصفع أحلامي المهدرة للمرة الثانية.. آه إنه قدري ويكفيني اللوم والتأنيب.. يكفيني يكفيني.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved