من حسن حظنا اليوم أننا نعيش في أرض الحرمين الشريفين تحت حكم ملك عادل لا يُظلم عنده أحد، يبحث عن كل ما فيه سعادة شعبه ورفاهيته ورخائه.. أرض هي الفرح والفرج والمخرج من الفتنة والفقر والبؤس والمرض والجوع لكل قاصديها ووافديها والمقيمين والقاطنين فيها.
هي طوق النجاة وجزيرة الحياة، وواحة الأمن من حالة الإحباط التي تعيشها الإنسانية نتيجة تفشي الظلم والفقر واستشراء الأوبئة، والأمراض الاجتماعية، والمفاهيم الخاطئة، وانحراف الفكر، والعنف والتطرف.
تنطلق في تحركاتها وسياستها من واقع حضاري تعيشه، ومن أسس ومقومات إسلامية قامت عليها، جعلتها رائدة في خدمة البشرية من خلال جهودها المباركة في مختلف المجالات ومساعدتها الإنسانية وقروضها الميسرة ومساهماتها السياسية، وهو ما دفع الكثيرين من المنصفين إلى اعتبار إسهاماتها الحضارية من أهم العوامل التي ساهمت في استقرار العالم وأمنه.. وجعل منظمة اليونسيف تحتفل في حاضرتها الرياض يوم الثلاثاء 13من هذا الشهر بإطلاق وتدشني تقريرها السنوي. وهو ما اعتبرته الأوساط الثقافية والسياسية تعبيرا رمزيا عن تقدير هذه المنظمة العالمية لأهمية الدور الذي تضطلع به انطلاقا من كونها مهد الإسلام والحريصة في سياستها ومواقفها على دعم كل ما فيه خير البشرية، حتى بات لقب مملكة الإنسانية من أكثر الألقاب تداولا عند الحديث عنها، وهي شهادة عالمية يعتز بها كل مسؤول ومواطن وثمرة من ثمرات دعم القيادة الحكيمة لأعمال الخير والبر والصلاح في أرجاء العالم.
إن حب الخير والعطاء وتقديم المساعدة لكل محتاج سمة وهبها الله لهذه البلاد الطاهرة قيادة وشعبا طوال عمرها وميزة أهلها كثرة الإنفاق في وجوه الخير المتعددة، لعقيدتهم الإسلامية العظيمة التي تحض على التعاون والتكاتف بين كل أفراد المجتمع، الغني فيهم يواسي الفقير بماله، والقوي ينفس كربات الضعيف. كما يميز هذه البلاد المباركة تلاحم أبنائها مع قياداتهم في تنظيم المشاريع الخيرية التي تخدم كل فئات الناس بدون تمييز ولا تفريق.
وإن أردنا رصد مفردات الإنجازات الإنسانية للمملكة وجدنا من الصعوبة بمكان تتبعها أو إعادة تصنيفها في حقولها المتنوعة التي مست جوانب عديدة أنساق القضايا الإنسانية على الصعيدين المحلي الداخلي أو الدولي الخارجي.. فالحديث عن مساعدات المملكة لأشقائها وأصدقائها لا حدود له.. والمساعدات الإنسانية التي تقدمها دون منّ أو أذى، ودون تكلف أو مبالغة كثيرة عصية على الحصر. فأينما حلت يحل معها الخير والبركة لصدق ما تقدمه ونبله وليس مصالح كما تفعل بعض الدول الداعمة.
فهي تساعد إدراكاً منها أنها مطالبة شرعا ودينا بإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وإيواء المشرد المهاجر، واستجابتها استجابة تلقائية لنوازع الخير وتعاليم الإسلام الذي جعل للإغاثة مكانة عظيمة، ورغَّب فيها وجعلها من أفضل القربات المستمرة الدائمة التي يُتقرَّب بها إلى الله تعالى.
والمملكة وهي تضطلع بهذا الدور الإنساني والإسلامي الرائد تتميز عن غيرها من البلاد بأنها مؤتمنة على أطهر بقاع الأرض في مكة المكرمة والمدينة المنورة، مهوى أفئدة المسلمين وقبلة عباداتهم، فضلا عن موقعها الاستراتيجي وأهميتها على الصعيدين العربي والدولي.
على المستوى الخارجي امتدت من مملكة الإنسانية ووطن الخيرات جسور التكافل إلى خارج حدودها لإيمانها التام بأهمية وأثر هذه المعاني في خلق ومد جسور من الحب لكل مسلم في العالم أملاً في رسم بسمة على وجه يتيم أو طرد هم أو حزن عن كاهل أرملة أو شد عضد عاجز أو مسكين في أرجاء المعمورة، فوصلت مساعداتها ومنحها الخيّرة إلى أكثر من (50) دولة في أنحاء العالم تساعد بها المتضررين من الكوارث الطبيعية والحروب.. ولأن مساعداتها التي تقدمها للناس كافة لا ترتبط بلون أو دين أو عرق، فقد تصدرت المملكة دول العالم أجمع في مجال المساعدات الإنسانية، إذ بلغ ما بذلته في هذا الشأن 83 مليار دولار خلال ثلاثين عاماً. وهو ما يشكّل ما نسبته 4% من الناتج الوطني، في حين أن الأمم المتحدة تطلب من الدول المانحة 0.7% فقط من ناتجها القومي.
وقامت المملكة خلال السنوات الخمس الماضية بتنفيذ أكثر من 64 برنامجا ومشروعا إغاثياً وإنسانياً في فلسطين والعراق وإندونيسيا وسيرلانكا والمالديف والباكستان، وأنفقت على هذه المشاريع أكثر من مليار ومائة مليون ريال.
وموقف السعودية من الأزمات والكوارث والملمات التي تعرضت لها البوسنة وفلسطين وباكستان وإيران ظاهر بيِّن للعيان، وترجمة صادقة منها لمبدأ التضامن الإسلامي الذي رفعته بإخلاص وبصدق منذ عهد القائد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- واستمر في عهد أبنائه الميامين من بعده، حيث عملوا ، وهذا ما نشاهده ونلمسه في كل شأن من شؤونها اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً، ولا ننسى موقف السعوديين - أطفالا ورجالا ونساءً - حين كانوا يدخلون أيديهم في جيوبهم ويخرجون كل ما فيها، بل تجاوزت النساء ذلك؛ فكن يفتحن خزائن نفائسهن ومجوهراتهن ويستخرجن قلائدهن وعلبهن المخملية وكل قطعة اقتنينها منذ البواكير الأولى للحياة، ويمسحن بأيديهن على ذكريات عمر جميل من أجل غسل حزن الحياة عن أطفال ورجال ونساء ارتجفت من تحتهم الأرض وتزلزلت حتى أسقطت الآلاف من الضحايا.
ولم تنحصر مساهمة المملكة في إغاثة أشقائها من المسلمين في كل مكان على ما تقدمه لهم بصورة مباشرة وثنائية فحسب ولكنها اتسعت لتشمل الهيئات والمنظمات الإنسانية الدولية المختلفة.. حيث قدمت لبرنامج الغذاء العالمي تبرعات ومساهمات نقدية وعينية بلغت (1541500000) ريال.. كما بلغت مساهمتها حتى الآن في دعم برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة 787 مليون ريال وتمثل هذه المساهمة حوالي 90% من موارد البرنامج الإجمالية وهو البرنامج الذي يقدم خدماته لأشد الدول فقراً في العالم وذلك من خلال المؤسسات الدولية مثل: منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الغذاء العالمي، وبرنامج البيئة، ومنظمة اليونسكو، وبرنامج المعاقين والبرنامج الإنمائي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وصندوق النشاطات السكانية.
أما على المستوى الداخلي فإن المجتمع السعودي مضرب المثل في التكاتف والتعاطف وحب الخير والمساعدة بين كافة أبناء الوطن المحتاجين خاصة أثناء الظروف الطارئة التي تواجهها كثير من الأسر.. وكان قادة هذه البلاد حفظهم الله وكافة أفراد الشعب السعودي وجميع المؤسسات الحكومية والأهلية تقف دوما موقفا موحداً أمام هذه الظروف.
ومن واقع هذه المسؤولية أُنشئ الكثير من المؤسسات والجمعيات الخيرية والهيئات الإغاثية بمختلف مناطق المملكة.. كلها تسعى إلى العمل الخيري والإنساني الخالص وفي ظل هذه المسؤولية أصبحت هذه المؤسسات والجمعيات تؤدي أدواراً متعددة تصب في استقبال المساعدات والتبرعات والهبات والصدقات من المتبرعين، وصرفها لمستحقيها شرعا وإنسانيا سواء في الداخل أو في الخارج مهما كانت هذه التبرعات نقدية أو عينية أو خدمية.
ووطن هذه مزاياه ليس غريباً أن تكون المؤسسات الاجتماعية والخيرية على وجه الخصوص هي الشعار الذي يتصف به والميزة التي يتميز بها إذ تقف خلف هذه المؤسسات الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز تدعمها معنوياً ومادياً.. وتتيح لها المناخ الملائم لتؤدي دورها الإنساني والاجتماعي والخيري.. في مد يد العون والمساعدة للأسر المحتاجة وتحسين حياتها المعيشية وتخفيف هموماً الأسرية.. ككفالة أيتام وأرامل فقدوا عائلهم.. يؤازرها أهل البر والإحسان من الموسرين الذين تسكن الرحمة قلوبهم ويستشعرون أهمية أن يعيش المجتمع في تكافل وتكامل.
وأخيراً لا نملك إلا أن نفخر بأننا سعوديون.. منتمون بكل تفاصيلنا إلى هذا الوطن الغالي على قلوبنا وإلى هؤلاء الناس الطيبين.. ويحق لنا أن نفخر وأن نشعر بدفء الانتماء لمجتمع نقي.. صادق.. ينشغل بالقضايا الكبيرة ويهب لنجدة الشعوب المنكوبة.. كما يجب علينا أن نشكر الله عز وجل أن جعل مملكتنا آمنة مطمئنة تناصر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وتسعى جاهدة لمناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية ولم شملهم منادية دائما مع الآخر بما يكفل السلم والعدل الدوليين.
|