يشعر بهذا الضجيج من حوله يكاد أن يصم أذنيه فينسحب تاركاً مكانه بينهم شاغراً.
يزرع نظراته في كل اتجاه كمن يبحث عن شيء مفقود، ثم يعود ببصره إلى أصحابه الذين انهمكوا في أداء رقصة غريبة ينقل طرفه بينهم واحداً تلو الآخر بغية استنطاق قسماتهم التي بدت أغرب حينما ارتدوا هذه الملابس فيرتد طرفه حسراً إليه.
يضيق ذرعاً بمشاعر شتى تتجاذبه دون أن تظفر به أي منها.
يغادر المكان يطلق عنان ساقيه اللتين تحملانه دونما سابق تفكير.. مسافات بعيدة ليجد نفسه بعد حين في هذا المكان الذي لم يحفز إليه من قبل حيث يبدو له المكان عارياً، رائحته تزكم الأنوف ورغم ذلك فقد ملأ رئتيه بهوائه الرطب.
أطلق بصره متأملاً زرقة البحر الأسرة شد انتباهه صغير يلهو بالقرب من صياد عجوز.. فهو لا يهدأ ولا يستقر في مكان.
شعر بو شائج الحنين تشده إلى أيام طفولته تمنى أن يعود إلى عالمه الصغير البريء.
لايزال العجوز منهمكاً في عملية صيد تبدو جيدة حيث يخلص السمكة من السنارة ليضعها في سلة بجواره بدا الصغير مندهشاً لحركة السمكة داخل السلة فهي تشبه الرقص لكنها سرعان ما تدخل في هدوء غريب إلى جوار بقية الأسماك.
هدا الصغير قليلاً وكف عن اللهو والجري، بقي إلى جوار سلة الأسماك يرقب ما يحدث عن كثب راح يتناول السمكة بعد إخراجها من البحر مباشرة يمسكها بيديه الصغيرتين محاولاً مقاومة ارتجافات أعضائه الناتجة عن حركة السمكة فيما يشبه الرقص ويتساءل ببراءة متناهية: جدي لماذا ترقص الأسماك؟
لم يجبه العجوز ربما تشاغل عن سؤاله بينما راح الصغير يعيد السؤال نفسه.
كان قريباً بالقدر الذي يسمح له بسماع ورؤية ما يحدث.
نهض من مكانه.. يود أن يجيب الصغير عن سؤاله.. اقترب من الصياد.. بقي صامتاً يراقب العجوز الذي بدا سعيداً بكمية الصيد هذا اليوم.
أمسك العجوز بسمكة بعد أن خلصها من السنارة بصعوبة.. كانت أكبر وأقوى من سابقاتها فلم يستطع أن يسيطر عليها.. تفلتت من بين يديه وعادت إلى البحر من أخرى.. نظر الصغير إلى جدة بوجل منتظراً أن يسمع كلمات التوبيخ لكن العجوز ربت على ظهره بحنان.. لاعليك الخير كثير اليوم.
الفتى الواقف بالجوار انتابه شعور غريب عندما رأي تلك السمكة تعود إلى البحر وبحركة سريعة منه اختطف السلة وراح يعيد الأسماك النافقة إلى البحر وهو يصرخ: أنا من يعرف سر رقص الأسماك.
قال العجوز مشدوهاً بعد أن فشل في الإمساك به:
ماذا أصابك أيها الفتى؟
عد إلى الشاطئ فالمياه أشد عمقاً هناك.
لا ترم نفسك إلى التهلكة.
لم يستمع إلى نصح العجوز بل راح يخوض ويبتعد أكثر فأكثر مردداً: أنا من يعرف سر رقصة الأسماك.. حتى علا صوت الأمواج على صوته، فاختفى بينما بقيت السلة تطفو على سطح الماء.
|