* تقرير - محمد المنيف :
لم تعد الصورة كما بدأت في حدود نقل الشكل العام للواقع الذي تمثله البيئة بمظاهرها الجميلة أولتسجيل المناسبات الرسمية والتقاط صور الأفراد والشخصيات المهمة في وقتها.
بل أصبحت جزءا لا يمكن الاستغناء عنه في كل التخصصات التي تهم الإنسان في شؤونه المدنية والعسكرية، وفي أهم القضايا المصيرية، ولئلا يأخذنا الحديث عن الكاميرا ومهامها العلمية بعيداً عن موضوعنا اليوم علينا العودة لأهم حدث فوتوغرافي في المجال الثقافي أقيم في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض تمثل في معرض يحمل عنوان (أرضية مشتركة) أعده وقام على تنظيمه المجلس الثقافي البريطاني، وأقيم في أربع مدن خليجية هي البحرين والشارقة وأبوظبي ليحط رحاله في الرياض بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام في المملكة بمشاركة ثمانية من المصورين البريطانيين إضافة إلى أعمال الفنانة السعودية منال الضويان التي استضافها المركز الثقافي البريطاني للمشاركة في محطة الرياض تبعا للآلية التي اتبعها المعرض بإشراك فنانين من مختلف الدول التي أقيم فيه المعرض.
الجدير بالذكر أن هذا المعرض يعتبر خطوة أولى في سلسلة من المشاريع الإقليمية التي ينوي المجلس الثقافي البريطاني رعايتها بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام في المملكة.
فكرة المعرض
تقوم فكرة معرض أرضية مشتركة على (مظاهر التجربة المعاصرة للمسلمين في المملكة المتحدة) مستكشفا بذلك مدى تنوع التجربة الإسلامية في الحياة في المملكة المتحدة، حيث قام ثمانية من المصورين الفوتوغرافيين بتكريس أوقاتهم لإيجاد أشكال جديدة من العمل.
كما أن الفكرة أيضا تحتضن هذه الخطوات كافة التطبيقات والخطط الاجتماعية والتوثيقية والتصويرية والطبيعية والفكرية من خلال التصوير الفوتوغرافي.
ويشيرالمعنيون في المعرض بأن العمل في المعرض لا يعني بحد ذاته تمثيلا للمظاهرالإيجابية في التفاعل بين المسلمين وغير المسلمين.
بل إن الغاية منه رسم صورة عن الحياة الشخصية والخاصة للنسيج الداخلي للأفراد، وكذلك الواقع الاجتماعي والسياسي الواسع في الحياة اليومية.
ولهذا جلبت الفنون المرئية إلى المملكة المتحدة أمناء معارض محترفين من ماليزيا وإندونسيا للمساهمة في المعرض، وكذلك للعمل الاستشاري مع الخبرات البريطانية.
فالمعرض جاء بناء على اقتراحات من كل الفنانين الثمانية المساهمين مواضيعهم المقترحة للمعرض.
فأنتج كليمنت كوبر سلسلة من التصاوير بالأبيض والأسود عن طالبات المدارس المسلمات الشابات المرتديات للحجاب في مانشيستر.
وكذلك عمل ريحان جميل الذي يصور بالأبيض والأسود أيضا تحقيقا عن تصنيف المباني الإسلامية في بريطانيا: مثل مسجد شرق لندن ومباني السينما القديمة وأدوار مجلس المعتنقين.
أما سام بياسينا فقد اختار تصاوير ذات ألوان حقيقية كطراز للتحقق من الدوافع وراء اعتناق بريطانيين للإسلام.
وقام سوكي داندا بتوثيق حياة مجموعة من الفتيات المسلمات من وايت شابل.
كذلك تصور رسوم أمياند تانفير الضخمة والملونة لفنانيين مسلمين بارزين ملهمين بإيمانهم.
وتقارن رسوم جاكتار سيمبلاي بين حياة الشباب وكبار السن المسلمين في بريطانيا، وكيف يتجاوب كلاهما في العيش داخل المجتمع البريطاني العلماني , فمعظم مواضيع جاكتار مرتبطة بشكل أساسي بالمدن الشمالية الكبيرة المعنية تاريخيا بهجرة المسلمين كمدينتي ليدز وبرادفورد.
وقد عبر انتوني لام عن انطباعه عن كيفية أن تظهر بريطانيا كملاذ للاجئين والراغبين للعيش فيها، وذلك من خلال سلسلة من صور المناظر الطبيعية الملونة، وقد بنى عمله هذا من خلال خبرته بالعمل مع مجموعة من الشباب.
الغاية من المعرض
يوضح البيان عن المعرض الذي نشر من قبل المجلس أن الغاية من هذا المعرض وعلى أوسع المستويات تكمن في تأسيس حوار فكري مرئي بين الثقافات والشعوب وأيضا في بناء جسور التفاهم الثنائي.. بمعنى أدق الهدف هو تسهيل تبادل التجارب والمعرفة بين المصورين الفوتوغرافيين داخل المنطقة ونظرائهم في المملكة المتحدة حيث إن العنوان هو (أرضية مشتركة).
محطات إقامة المعرض
وضع للمعرض برنامج لإقامته في عدد من المدن الإسلامية ففي عام 2004م أقيم المعرض في كل من ماليزيا (معرض الفنون الوطني) وإندونيسيا (المتحف الوطني) وبنجلادش.
وقد لفت الانتباه وحاز على التقدير والإعجاب، كما نقل المعرض ما بين العامين 2005-2006م الى ثلاث دول شرق أوسطية : البحرين- المملكة العربية السعودية- الإمارات العربية المتحدة في كل من الشارقة وأبوظبي.
ويتكون المعرض من مصورين فوتوغرافيين بريطانيين وشرق أوسطيين.
منال الضويان في محطة الرياض
بدأ المجلس الثقافي البريطاني في هذا العام عملية اختيار الفنانين المشاركين في المعرض من كل مدينة يقام فيها حيث شارك مصورون من سلطنة عمان، اليمن، المملكة العربية السعودية، قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة وكذلك فنانون من ماليزيا وإندونيسيا..
وهي المحطات التي أقيم فيها المعرض، كما شاركت المصورة الفوتوغرافية الشابة منال الضويان بتمثيل السعودية مع خمسة إلى عشرة مصورين فوتوغرافيين آخرين في معرض الرياض، قدمت فيه مجموعة من أعمالها استلهمتها من واقع المرأة العربية استخدمت فيها الإيحاء الرمزي في التعبير عن المضمون تاركة للمشاهد اكتشاف أوالبحث عن أعماق الفكرة مسقطة بذلك حجرا في ذاكرة وثقافة المتلقي، أبدعت في صورها تقنيا خصوصا اختيارها للون الأسود الذي يعتبر أدق قياس للمحترفين الفوتوغرافيين نتيجة حساسية ورهافة التقاط الصورة ابتداء مع التعامل مع الآلة مرورا بتقنيات إظهارها وتثبيتها بمعالجة دقيقة تحتاج لمعرفة ووعي بها أثبتت الفنانة الفوتوغرافية منال الضويان أنها بالفعل حققت درجة الاحتراف والتميز فتحققت لها ثقة المجلس الثقافي البريطاني، وتمت دعوتها للمشاركة في هذه التظاهرة العالمية الإبداعية.
وفي حديث مع الفنانة منال الضويان للجزيرة إشارة إلى اعتزازها بهذا التواجد وهذا التمثيل مؤكدة أن المرأة السعودية قادرة على المنافسة والتواجد في مختلف العلوم والفنون الإنسانية وعلى مستوى كبير من التميز، كما طالبت الفوتوغرافية الضويان من الجهات المعنية بالثقافة، وفي مقدمتها وكالة وزارة الثقافة والإعلام بأن يعطى لهذا الإبداع حقه كما طالبت بإيجاد سبل التوعية للجمهور لحضور مثل هذه المعارض، الجدير بالذكر أن الأعمال الفوتوغرافية منال الضويان كانت مثار تساؤلات كثيرة من الجمهور جعلتها نجما متألقا في المعرض تجيب عن مختلف الاستفسارات التي أثارتها تلك الصور خصوصا أنها تعني المرأة وتظهر الكثير من المعاني التي قد تختلف في تفسيرها العقول بناء على مستوى الثقافة والوعي فنيا وفكريا، فالصورة أبلغ من ألف كتاب، حديث الفنانة منال تذكرنا بمقولة الفنان (مان ري) (ان وظيفة الفن هي دفع المشاهد إلى التأمل وليس فقط إثارة الإعجاب بالبراعة التقنية التي يتمتع بها، اوكما قال الفنان المصور (هلن روجرز) بأن كل صورة بالنسبة له تحكي قصة وليست مجرد صورة منظر يشاهده أمامه، وكأنهم يشيرون إلى دور الفنان الفوتوغرافي للتعامل مع منجزه، وكما هي أعمال الفنانة منال التي قالت عنها أنها لا تعني بها المرأة السعودية، كما يتوقعها الكثير من المشاهدين، وإنما هي المرأة المسلمة في العالم تبعا لموضوع المعرض.
حضور متواضع للفوتوغرافيين المحليين
مع أن الحضور كان يفوق التصور الذي حملناه قبل وصولنا لموقع المعرض في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض إلا أن تواجد المعنيين بالأمر من المنتمين إليه من الفوتوغرافيين في الرياض لم يكن بالمستوى المتوقع إلا من بعض الرموز، ومنهم رئيس جماعة أصدقاء الضوء الفنان هاني حمد الدريعي الذي كان أكثر الحضور سعادة نتيجة ما حظي به هذا الإبداع من اهتمام، وبما قدم من خلال المعرض، وقبل هذا وذاك تواجد الصورة والمصور السعودي ممثلين في الفنانة الفوتوغرافية منال الضويان في هذه المناسبة والمعرض الذي يعد عالميا، كما تحدث الفنان الفوتوغرافي هاني الدريعي عن هذا المجال الإبداعي في المملكة وعن تجربته في تأسيس جماعة تعنى بالصورة والمبدعين فيها مشيرا إلى أن أعضاء المجموعة من مختلف أنحاء العالم منهم عدد كبير داخل الوطن، كما تحدث الدريعي عن المقارنة بين العمل التشكيلي والصورة ورغبته في أن يتاح للصورة الفوتوغرافية فرصة في الصحف بقراءتها والتعريف بما تتضمنه من معان جمالية ملمحا إلى مشاريع مجموعة أصدقاء الضوء وجديدها سيكون لنا معه مساحة أكبر في قادم الأيام.
من جانبه تحدث الفوتوغرافي أحمد الدهلاوي أحد المساهمين في ساحة الفوتوغرافيا السعودية وعضو بيت الفوتوغرافيين أقام عددا من المعارض داخل وخارج المملكة منها معرض في الشارقة افتتح على شرف حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي يقول الدهلاوي عن المعرض: إنه مميز في كل شيء في التنظيم والاستعداد والإخراج، وفي الكتيب المصاحب الذي قدم نماذج من أعمال هؤلاء الفوتوغرافيين متضمنا نبذة عن الفكرة التي قدمها كل ذلك يخدم العملية، ويقرب الموضوع من المتلقي، ويكشف له جوانب حول الفكرة الأساسية التي من أجلها أقيم هذا المعرض.
يأتي هذا المعرض بأعماله التي فاقت 150 عملا ما بين صور بالأبيض والأسود وأعمال بالألوان كل ذلك ليبين اختلاف الأساليب بين المشاركين وتباين توجهاتهم الفنية، جاءت الأعمال متميزة في اختيار الزوايا والتكوين مركزة على الإنسان في جوانب حياته ونشاطه لترسم الأرضية المشتركة وهوعنوان المعرض.
إن ما يلفت الانتباه هذا المعرض الأعمال التي قدمتها الفوتوغرافية السعودية منال الضويان، فبالإضافة للأفكار التي طرحتها والرؤية الشخصية التي قدمتها إلا أن قدرتها على التعامل مع الأبيض والأسود، وكذلك سيطرتها إلى توزيع الإضاءة حيث لا تفرق بين أعمالها وأعمال من كانوا معها، فالمستوى الفني متقارب جدا بل تجدها متفوقة على البعض منهم، وهذا يدل على ما تمتلكه الفنانة السعودية من قدرة وموهبة تستطيع من خلالها المنافسة والوصول إلى مستويات عالمية.
هذا المعرض استطاع أن ينقل صورة المسلمين في بريطانيا وما يتمتعون به من حرية في أداء العبادات، وكذلك ما يجدونه من قبول من الشعب البريطاني وليظهر مستوى التواصل بين بعضهم البعض.
نتمنى أن يفتح هذا المعرض أبواب التعاون بين الفنانين في البلدين بحيث تقام معارض مشابهة في بريطانيا لتنقل صورة المسلمين ،ولتبرز مدى ما يتمتع به الفنان السعودي من قدرات إبداعية.
التشكيليون الأكثر حضورا
مع أن المعرض فوتوغرافي إلا أن وكالة وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في الإدارة العامة للأنشطة الثقافية دعت مختلف المبدعين لحضور الافتتاح وزيارة المعرض، ومن بينهم الفنانون التشكيليون الذين يرون أن التصوير الفوتوغرافي شقيق رحم وقريب منهم بل يمكن القول: إنه المنافس لإبداعهم كما قال الكثير من مؤلفي الكتب المتخصصة في هذا المجال بأن العلاقة بين التصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي ليست وليدة اليوم بل إن هناك من يعتبر التصوير الفوتوغرافي الابن الشرعي الذي خرج من رحم الفن التشكيلي.. إذا علمنا أن من ساهم في اختراع وتطور الغرفة المظلمة (Dark Room) هم الرسامون لاستخدامها في تنفيذ أعمالهم..
لهذا كان الحضور التشكيلي متميزا من قبل نخبة من أبرز التشكيليين في الرياض تبودلت بينهم وبين الفوتوغرافيين الكثير من الحوارات حول الصورة واللوحة والقواسم المشتركة بينهم.
لمحة عن الفوتوغرافيا السعودية
إذا استثنينا دور الكاميرا في المجالات العلمية والطبية والأمنية في المملكة العربية السعودية، وأخذنا الجانب العام أوالشعبي نجزم بأنه ليس هناك منزل يخلو من وجود كاميرا يمارس من خلالها أفراد الأسرة هواية التصوير وتوثيق المناسبات السعيدة أوتصوير البيئة والحياة العامة في المناطق أوالمواقع التي نقوم بزيارتها محليا أودوليا، وإذا كانت تلك الهواية تبدأ بمثل تلك المهام المتواضعة فإن من الممكن وصول الموهوبين فيها إلى مرحلة الاحتراف الذي يحقق مكاسب كبيرة في مقدمتها كسب الرزق على أعلى مستوى والعمل في الكثير من المواقع المهمة، فالتصوير الفوتوغرافي اليوم بأضلاعه الأربعة ، العلمية والتجارية وإلاعلامية، وبما يعنيه كل ضلع منها من أهمية دفع بالكثير من محبي هذا الإبداع والموهوبين فيه للبحث عن سبل الارتقاء بقدراتهم العلمية والعملية لتحقيق أعلى مستويات الإبداع فيها فوجد البعض فرصته في الابتعاث للخارج من قبل الجهة أوالإدارة التي يعمل بها، والبعض بحث عن دورات أومصادر محلية توصلوا من خلالها إلى أبجديات هذا العلم وتقنياته وكيفية التعامل مع الكاميرا ومعرفة أسرارها وصولاً إلى التعريف به من خلال المعارض والمسابقات ومع أن المصور الفوتوغرافي السعودي لا يجد الفرصة لتحقيق المكاسب المعرفية للكاميرا فقد حققها بذكائه وبخبراته الذاتية فكان أحد فرسانها على المستوى العربي والعالمي، ولنا أن نذكر في هذا السياق المصور عيسى عنقاوي صاحب أكبر عدد من الجوائز العالمية والمصور خالد خضر ومحمد الشبيب والراحل صالح العزاز وعلي المبارك والفنانة مديحة العجروش وشريفه نهى والأميرة ريم الفيصل التي لها تواجد عربي وعالمي من خلال معارضها ومشاركاتها المستمرة في هذا المجال .
أما المواقف الداعمة محليا للفن الفوتوغرافي السعودي فهي كثيرة منا تكليف المصور المحلي بالكثير من المهام الوثائقية عن المملكة إضافة إلى منحهم بيتا خاصا للفوتوغرافيا بجدة يحمل اسم بيت الفوتوغرافيين أصبح له أعضاء على المستوى العالمي .
|