الأستاذ الأديب علوي طه الصافي.. أحد الذين تناولوا الأديب الفقيد عبدالله نور من خلال زاويته التي كانت تطل علينا في المجلة الثقافية (هؤلاء مروا على جسر التنهدات) حيث صدر بعد ذلك في كتاب (هؤلاء مروا على جسر حياتي)..يقول الأستاذ الصافي عن الراحل نور رحمه الله:(ظلم نفسه، فظلمه الآخرون!!
ظلم نفسه لأنه لم يختط لأدبه ونقده مساراً متصل المراحل، فهو كمثل (قوس قزح) يطل على قرائه فترة قصيرة ثم يختفي لسنوات، حتى يكاد مجايلوه ينسونه، ثم يطل بعدها ويختفي.. وهكذا دواليك!!وظلمه الآخرون كنتيجة لظلم نفسه، ونتيجة تواريه خلف عزلته الذاتية التي ربما يرتاح لها لأنها تمكَّنه من القراءة على مزاجه دون أن يشعر بأنه مُلزَم أو ملتزم بالكتابة المستمرة، متناسياً أن الناس نسَّاؤون، وأن مجتمعنا كما يقول عنه أستاذنا الزيد: إنه (مجتمع دفَّان)!!يجمع بين الكتابة الأدبية وكتاباته النقدية على نسقه الخاص به!!عرفته في (جدة) عن طريق صديق الطرفين القاص المبدع الراحل (سباعي أحمد عثمان) رحمه الله، الذي كان يعمل في جريدة (المدينة) مسؤولاً عن شؤونها الأدبية والثقافية. هذا العمل الذي قربهما إلى بعض، وأنشأ بينهما صداقة حميمة خاصة تنامت مع الأيام، وكان يحلو لهما التجوال في شوارع جدة ومقاهيها القديمة التي تتجمع فيها بعض الوجوه الأدبية والصحافية المقيمة في جدة، فتكون فرصة لصاحبنا للاجتماع بمَن يعرف ومَن لا يعرف!!
هذا الأديب (القوس قزح) الذي ظلم نفسه فظلمه الآخرون هو الصديق الأستاذ (عبدالله نور). إذا تعرَّفت عليه وجدته منتصباً أمامك كرمح إفريقي في طوله، وإذا ضحك فإن له ضحكته التي تميزه!! إذا عرفت نشأته ودراسته فإنك تستطيع التعرف على جذور ثقافته التي صاغت عقليته فصبغتها بدايةً بالثقافة التراثية.
فقد وُلد في مكة المكرمة عام 1357هـ درس عاماً واحداً بمدرسة (الفلاح)، ثم درس الثانوية العامة في المعهد العلمي بالرياض، لكنه لم يكملها لانشغاله بكرة القدم، ودرس على أيدي مجموعة من الشيوخ، فأخذ عن حمد الجاسر علم الأنساب وعلم السير، كما درس على يد الشيخ (محمد الشريدي) والشيخ (عبدالعزيز بن باز) والشيخ (عبدالعزيز بن إبراهيم)، وفي حلقات المساجد وكان يغشى دائماً (نادي الرياض العلمي) مستمعاً للمحاضرات التي يلقيها مجموعة من الأدباء الكبار المعروفين في ذلك الوقت.
كما درس النحو على يد الشيخ (السويلكي)، وعلم الأصول على يد الشيخ (عبدالمنعم النمر).هذه مسيرته الدراسية، أما العملية فقد عمل (محاسباً) بوازرة الصحة، ثم نائب رئيس قسم المقاولين في الوزارة نفسها، ثم تفرغ للعمل في الصحافة. وأول بداية لممارسته الكتابة في الصحافة كانت عام 1380هـ في مجلة (الرائد) لصاحبها ورئيس تحريرها الأستاذ الصديق (عبدالفتاح أبو مدين)، حيث نشرت له مقالة عقب فيها على الأستاذ الكبير الراحل (محمد حسن عواد) حول كتاب (شعراء نجد المعاصرون) للأستاذ عبدالله بن إدريس.في حوار معه أجرته جريدة (البلاد) قال فيه:(أميل إلى دراسة التاريخ والسير والأيام، ولي نصيب لا بأس به من الشعر العربي القديم والحديث - سمعته يشدو بقصيدة (الشنفرى) عن ظهر قلب بصوت مؤثر، فهو يمتلك حافظة راوية جيدة - واتجهت في الفترة الأخيرة لكل ما له علاقة بثقافة الصحراء - أذكر له دراسة عن أدب الصحراء من خلال روايات عبدالرحمن منيف (مدن الملح) - وبخاصة ما له علاقة بالتقاليد واللباس والأزياء والنبات والحيوان، ولديَّ مخطوطة من مقتنيات هارون الرشيد أسمها (ظواهر الطير)، وهي مجازة للطبع.ولديَّ مخطوطة بعنوان (من نوادر المخطوطات في الفروسية وسياسة الخيل)، كذلك لديَّ مخطوطة معنية بعلم (البيزرة) علم الصقور والطيور والجوارح) انتهى.أمام ما قاله قبل ما يقارب (12) عاماً لم أطلَّع على كتاب واحد مطبوع له هذا جانب، والجانب الآخر هو أن تعدُّد اهتماماته يعكس لنا أنه كاتب يحكمه المزاج، وهذا ما يجعل السنين تتفلت من عمره دون أن يكون له كتاب يرجع إليه القارئ.. ألم أقل في البداية: إنه ظلم نفسه فظلمه الآخرون؟!ولو استطاع أن يلملم جهوده المبعثرة لكانت له بصمته الفعلية على خارطة أدبنا، ومع ذلك يلتقي به القارئ من خلال الحوارات التي تنزعه من صمته المزاجي.ومما أذكره له مشاركته في صرعة (اللامنتمي) لكولن ولسن، وكانت له زاوية يومية بعنوان (فيالق) يكتب فيها عن أصول وجذور بعض الأسماء مركزاً على اسم (تركي)، ثم كتب كما أشرت في جريدة (الجزيرة) عن أدب الصحراء، ثم كتب أكثر من (40) حلقة في (الجزيرة) عن الأمير خالد الفيصل بعنوان (خالد - النص).
|