Saturday 13th May,200612280العددالسبت 15 ,ربيع الثاني 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

دعم حماس والثوابت التاريخية للمملكة دعم حماس والثوابت التاريخية للمملكة
مطلق سعود المطيري

في أعقاب فوز حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في الانتخابات النيابية التي أجريت في يناير الماضي وتكليفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية، أكدت المملكة العربية السعودية على ثوابتها وموقفها التاريخي الداعم للجهود والحقوق الفلسطينية، وهو الموقف الذي عبر عنه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قبل زيارته المملكة على رأس وفد من أعضاء الحركة، بقوله: (إن المملكة ليست حديثة عهد بالقضية الفلسطينية، بل إن مواقفها معروفة منذ القدم؛ فموقفها عظيم وكريم وشجاع ومتواصل من التأييد والدعم بكل أشكاله.. المملكة بحكم وزنها العربي والإسلامي والدولي لها أهمية كبيرة لنا كفلسطينيين بشكل عام ولحماس بشكل خاص).
فدعم المملكة للحقوق الفلسطينية ليس وليد اليوم، ولكنه ارتبط وتاريخ تأسيس المملكة، التي اختطت لنفسها منهجاً يقوم على حماية الحقوق والمقدسات العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الحقوق الفلسطينية، ففي رسالة جلالة الملك عبدالعزيز إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، قال عن فلسطين: (هي عربية عرقاً ولساناً وموقعاً وثقافة وليس في ذلك أية شبهة أو غموض، وتاريخ العرب في تلك البلاد مملوء بأحكام العدل والأعمال النافعة).
وقد شكل استشعار الملك عبدالعزيز بخصوصية موقع المملكة وعمق الانتماء له، الانطلاق في سعيه لنصرة القضية الفلسطينية، خاصة خصوصية المواقع العقائدية الروحية وخصوصية المواقع الجغرافية التاريخية وما يترتب عليها من التزامات ومسؤوليات.
واستمر قادة المملكة في دعم القضية الفلسطينية، واعتبرت المملكة نفسها كما أشار الملك فيصل (سنداً لكل عربي، وفي خدمة كل عربي، تهدف إلى التعاون والتضامن وإلى الإخاء، معتمدة في ذلك على حسن نيتها وإيمانها بالله سبحانه وتعالى في حسن مقصدها).
وفي إطار هذه الرؤية تجسدت السياسة السعودية تجاه القضية الفلسطينية، حيث تبنت مبدأ عدم التدخل في شؤون القيادة الفلسطينية ودعمها فيما تصل إليه من قرارات ومواقف مع ضمان مراعاتها للبُعد الإسلامي لمسألة القدس. هذا هو المبدأ الأساسي أو الخاصية العامة التي حكمت علاقة المملكة بالقضية الفلسطينية.
وتجاوز دور المملكة في دعم القضية الفلسطينية النطاق الإقليمي، وامتد تأثيرها إلى آفاق عالمية، حيث شكلت إحدى دعامات الموقف في الشرق الأوسط، ولم تبخل بإمكاناتها في خدمة القضية الفلسطينية، فدعمت دول المواجهة وقدمت لها المساعدات الاقتصادية منذ 1967م وبعد حرب 1973م وحتى الوقت الحاضر.
كما أنه بعد وقوع العدوان الإسرائيلي على البلاد العربية عام 1967م وتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى مخيمات اللاجئين، بادرت المملكة إلى تقديم العون والدعم المادي والمعنوي والغوث للشعب الفلسطيني من أجل مساعدته على مواجهة الآثار الناجمة عن الحرب، فأصدر الملك فيصل أوامره بتشكيل لجنة شعبية برئاسة الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض باسم (اللجنة الشعبية لمساعدة أسر شهداء الأردن).
وكان في مقدمة أهداف اللجنة إيجاد الإطار المنظم والمناسب لتنظيم جمع التبرعات الشعبية وجمع أكبر قدر ممكن من التبرعات لدعم صمود الشعب الفلسطيني خصوصا لفئة أسر الشهداء والأسرى والجرحى الفلسطينيين والعمل على ضمان إيصال الدعم إلى مستحقيه، وكان من أهم المشاريع والأنشطة التي سعت اللجان الشعبية الى إيجادها كمصادر دخل مستمر، مشروع ريال فلسطين، ومشروع سجل الشرف، مشروع الالتزام بنسبة 5%، ومشروع التبرع بنسبة 1%، ومشروع الفتاوى الشرعية، مشاريع حملات التبرع الشعبية.
ومع اندلاع انتفاضة القدس (28-9-2000) وجه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - بتشكيل لجنة سعودية لجمع التبرعات الشعبية لدعم انتفاضة القدس، وتبنت هذه اللجنة عدة مشروعات منها برنامج سلة الغذاء، وبرنامج مساعدة أسر الشهداء، وبرنامج مساعدة ذوي الأسرى.
وبجانب الدعم المادي برزت جهود المملكة في احتواء وتسوية الأزمات التي يتعرض لها الفلسطينيون وتلافي التوتر بين الأشقاء، فلعبت دوراً مهماً في الوساطة بين الأردن والقيادة الفلسطينية عام 1970، كما سعت إلى تقريب وجهات نظر مصر وسوريا، والأردن وسوريا بعد حرب 1973م، كما نجحت في تسوية الخلاف الذي نشأ عام 1976م بين سوريا من طرف وبين مصر والقيادة الفلسطينية من طرف آخر، بسبب الحرب الأهلية اللبنانية ودخول القوات السورية إلى لبنان، وعندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان عام 1982م بذلت المملكة جهوداً دولية كبيرة لضمان سلامة القوات الفلسطينية التي أعيد انتشارها خارج لبنانكما حرص الملك فهد، على الاستمرار في دعم هذه الثوابت وترسيخها وإعطائها بُعداً شمولياً لا يتزعزع، فأكد دعوة التضامن الإسلامي التي أطلقها الملك فيصل، وأطلق شعار الجهاد المقدس من أجل استرداد القدس، التي أعلنت إسرائيل ضمها وتسميتها عاصمة، وكان من بين ما قاله: (بعد أن قامت إسرائيل بإعلان القدس عاصمة موحدة وأبدية لها، مخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي ومتحدية إرادة المجتمع الدولي وحقوق الأديان السماوية الأخرى، فإننا لا نلام إذا اعتمدنا أسلوب الجهاد المقدس، فالحرب الدينية العنصرية العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد العرب والمسلمين لن يوقفها إلا الجهاد).
كما أعلن في عام 1981، مشروعه للسلام في منطقة الشرق الأوسط (مشروع الأمير فهد)، الذي طرح على مؤتمر القمة العربي الثاني عشر في فاس خلال دورته الأولى عام 1981، الذي جرى تبنيه كخطة للسلام العربي في الدورة الثانية لمؤتمر القمة العربي الثاني عشر في فاس الذي انعقد عام 1982م.
وفي زيارته للولايات المتحدة في فبراير 1985، كانت رسالته الرئيسية أن (على الولايات المتحدة مسؤولية استخدام نفوذها القوي وبذل جهود حثيثة لتحقيق سلام بين إسرائيل وجيرانها العرب عن طريق إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية).
وأضاف مخاطبا الرئيس الأمريكي ريجان: (إن المشكلة الفلسطينية هي سبب الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، وإني لآمل يا فخامة الرئيس أن تدعم إدارتكم قضية الشعب الفلسطيني العادلة).
وامتداداً لذلك، كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية بتاريخ 15-11-1988، وقدم الملك فهد أرضا ومبنى لسفارة دولة فلسطين بالرياض، هدية من الشعب السعودي لشعب فلسطين.
واستمرارا لوقوف المملكة مع الشعب الفلسطيني قدمت المملكة خلال المؤتمر الدولي الذي عقد في واشنطن عام 1994، لحشد التأييد السياسي والمادي للشعب الفلسطيني مبلغ ثلاثمائة مليون دولار أمريكي على مدى ثلاثة أعوام لدعم برنامج البنك الدولي لتلبية المتطلبات العاجلة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني.
وجاء الموقف السعودي خلال القمة العربية الطارئة بالقاهرة لدعم انتفاضة القدس، ليرسي ثوابت الموقف العربي في التعاطي مع القضية الفلسطينية بدعم نضال هذا الشعب من خلال الانتفاضة الشعبية.
وباقتراح من المملكة، تم إنشاء صندوقين برأس مال (مليار دولار أمريكي) أحدهما للقدس بمبلغ (800 مليون دولار) والآخر لدعم الانتفاضة بمبلغ (200 مليون دولار).
كما وجه الملك فهد توجيهاته بفتح باب التبرعات الشعبية لكي تساهم في دعمها لنضال الشعب الفلسطيني، وتجاوب الشعب السعودي تجاوباً كبيراً، منطلقاً من شعوره بروح الإخوة العربية والإسلامية مع الشعب الفلسطيني.
وقد تجاوزت التبرعات النقدية أكثر من ربع مليار ريال، إضافة إلى التبرعات العينية مثل السيارات وسيارات الإسعاف والعقارات والمجوهرات والمواد الطبية، وما زالت التبرعات تتوالى على اللجنة المشكلة لجمع التبرعات.
وبجانب هذه الجهود جاء تأييد المملكة لمسيرة السلام في الشرق الأوسط، انطلاقاً من موقفها الثابت الساعي إلي الوصول إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع العربي - الإسرائيلي، بما يكفل إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وعودة الجولان السورية، وأن يكون ذلك على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة واتفاقات أوسلو ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتحقيقا لهذا الهدف، فقد شاركت المملكة كمراقب في مؤتمر مدريد ممثلة للدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وشاركت بعد ذلك في جميع فرق العمل المنبثقة عن المحادثات المتعددة الأطراف، كما تعددت المبادرات التي طرحتها المملكة لتسوية القضية.. وجاءت مبادرة السلام التي طرحها الملك عبدالله أمام القمة العربية التي عقدت في بيروت لتمثل إحدى المحطات المهمة في هذا الإطار.
واستناداً إلى هذه المرتكزات وتلك الثوابت، انطلق موقف المملكة من فوز حركة حماس، حيث جاء تأكيد المملكة على ضرورة الحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني الذي اختار بإرادته المستقلة أن تقوده حركة حماس، وأنه ليس من الصواب معاقبة الشعب على اختياره، كما انه من الضروري منح الحركة الوقت الكافي لتشكيل الحكومة، وتسلم الحكم وإعلان سياساتها، حتى يمكن الحكم عليها.
وهذا التأكيد اصطدم بالتوجهات الأمريكية والأوروبية التي اتخذت موقفاً مضاداً للحركة بمجرد الإعلان عن فوزها في الانتخابات، وهددت بقطع المعونات التي تمنح للسلطة الفلسطينية، وجعلها مشروطة باعتراف الحركة بإسرائيل والإعلان عن نبذ ما تعتبره كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إرهاباً.
وفي المقابل جاء موقف المملكة حاسماً، ومتسقاً مع ثوابتها التاريخية، حيث أعلنت أنها لن تتخلى عن دعم الفلسطينيين، وأكدت على استمرارها في توفير احتياجاتها المالية، لضمان وفاء السلطة بالتزاماتها حيال شعبها، وقد جاء التعبير عن استمرار هذا الدعم في العديد من المواقف كان في مقدمتها أثناء جولة جلالة الملك عبدالله الآسيوية، حيث أكد جلالته لرؤساء الدول التي زارها على ضرورة دعم الحركة، كما تم التأكيد على هذا الموقف الراسخ لوزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أثناء زيارتها للمملكة في الثالث والعشرين من فبراير الماضي، وكذلك للرئيس الفرنسي جاك شيراك أثناء زيارته للرياض في الثالث من مارس الحالي، حيث أكد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، في أعقاب هذه الزيارة أن المملكة (كانت دائماً تعطي مشورات بإعطاء فرصة للحكومة الجديدة لتعبر عن نفسها ولتدرس خياراتها وتقرر أي مقاربة تتخذ قبل أن يتم إصدار أحكام مسبقة أو تخمين بما يمكن فعله، مؤكدا أن المملكة لا تضع أي شروط على حركة حماس، وأنها تنتظر نوع القيادة التي ستمارسها حركة حماس وتقدمها للحركة الفلسطينية). وأضاف: (نعتقد أنهم كحكومة سيتصرفون بمسؤولية في تمثيلهم لقضايا الشعب الفلسطيني).
وهذه المواقف تمثل امتداداً لسياسة المملكة ونهجها الثابت في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهي السياسة التي بسببها تعرضت للعديد من صور الضغط والابتزاز من جانب العديد من القوى الفاعلة في النظام الدولي، كما اتخذتها العديد من قوى الضغط ومراكز البحث الغربية عامة والأمريكية خاصة ورقة لاتهام المملكة بدعم الإرهاب، وتصويرها للمساعدات الإنسانية على أنها مصادر لإعداد وتجهيز المقاتلين الفلسطينيين.
ورغم حملات الهجوم والدعاية المغرضة التي تعرضت لها المملكة والتي زادت حدتها في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والموقف السعودي المعلن من الهجمات الأمريكية على أفغانستان، وكذلك من العمليات العسكرية ضد العراق 2003، إلا أن المملكة استمرت في التأكيد على ثوابتها، في الدفاع عن القضايا العربية المصيرية، وتقديم كل صور الدعم المادي والمعنوي للدول والشعوب العربية والإسلامية، بما يضمن لها مصالحها ويدافع عن حقوقها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved