الحمد لله القائل {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله، مَنْ كان موته عزاء كل محزون، وبوفاته يهون كل مفقود، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفض ماؤها عذر |
فَقْدُ الإخوان على النفس موجوع ومؤلم، فكيف إذا كانوا إخوان السراء والضراء وأعوان الشدة والرخاء، فليس بعد فقدهم لذيذ عيش ولا عوض، ولكن نؤمن بقضاء الله وقدره ونرضى بما كتب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإن لفراقك يا أبا سليمان لمحزونون.
ففي فجر السبت الموافق 4-3-1427هـ دق جرس الهاتف ليتصل أحد الإخوة الأعزاء قائلاً: أحسن الله عزاءك في أبي سليمان فقد وقع الأجل المحتوم واختار الله بتقديره الحكيم أخي في الله خالد بن عبدالله الطبيشي.
أغلقت الهاتف لأغلق معه مرحلة من حياتي ودعتها وودعت معها أخاً كأخي النسب أو هو أقرب، شريكاً أنى لي أن أجد من يضاهيه في الود والمحبة، ورفيقاً منَّ الله عليه بحسن الخلق ومحاسن الأدب.
لقد فقدنا وفقد التعليم رجلاً شهد بإخلاصه وجده وغيرته ودينه كل من عرفه أو تعامل معه أو تتلمذ على يده رحمه الله رحمة واسعة.
لقد امتدت علاقتنا ما يصل إلى عشرين سنة في التربية والتعليم، عرفته مديراً لمدرسة (ث. الغزنوي)، فكان لتلاميذه الأب الحاني ولزملائه المعلمين المحب الرفيق، ولأصدقائه الوفي المعطاء الخبير، وعرفته زميلاً في إشراف الادارة المدرسية فكان القدوة الصالحة والشخصية الجادة المخلصة في العمل وتحمل المسؤولية.
وعرفته أخيراً شريكاً كاملاً في إدارة قسم الادارة المدرسية، فلا ينسب نجاح ولا يذكر تميز ولا تمر شدة إلا ونحن شريكان، يعجز المتابع أن يفصل بين جهدينا حتى خلط بعض بين اسمينا مع أنه في الحقيقة أعلى سبقاً وأعظم جهداً وأكثر بذلاً مني.
مات أبوسليمان - والموت حق - وقد ترك بصماته واضحة على إدارات المدارس بالرياض وحتى خارج الرياض من خلال كتاباته ومساهماته التربوية ومشاركته الفاعلة في اللقاءات والاجتماعات والزيارات. لقد أسهم في صناعة جيل من القادة التربويين من المشرفين والمديرين والوكلاء الذين تولى الإشراف عليهم عبر (14) سنة حتى تغلغل في قلوبهم وملأ شغفها فأكنوا له الحب والتقدير، ولا أدل على ذلك من هول الفاجعة على نفوسهم ووقع الخبر على قلوبهم حتى غُص بهم جامع الملك خالد ومقبرته، وهم يلهجون بالدعاء والثناء والذكر الحسن، بل لم تتوقف الاتصالات الهاتفية من داخل الرياض وخارجها للتعزية والدعاء.
مات أبوسليمان فبكته قلوب وعيون زملائه وإخوانه حتى ظن كل واحد أنه الأحق بالتعزية والأولى بالتسلية.
فهنيئاً أبا سليمان هذا الحب والود والوفاء، هنيئاً لك تلك الدعوات الطيبات والذكر الحسن، جعلها الله نوراً لك في قبرك وأنساً في وحشتك، ورحمة عليك يوم حشرك إنه سميع مجيب.. وأحسن الله عزاءنا وعزاكم يا آل الطبيشي وآل الحمودي، وجبر مصيبتنا ومصيبتكم وأخلف علينا وعلى أهله وذريته وإخوانه خيراً. اللهم أجعله في المهديين، وأعلي درجته في عليين، واجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|