* تحليل - د.حسن الشقطي*
شهد الأسبوع الماضي تذبذباً حاداً للأسبوع الثاني على التوالي، إلا أن تذبذب الأسبوع الأخير بات أكثر سرعة في حركته، ولكن داخل حدود منطقة معنية ما بين 12484 إلى 13583 نقطة. وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول طبيعية وكيفية وأسباب انضباط حركة المؤشر داخل حدود هذين السقفين رغم التذبذب الحاد الذي يشهده بينهما؟ هل هذا الانضباط والاستقرار النسبي الملحوظ الذي شهده المؤشر داخل هذه المنطقة هو انضباط مخطط أم استقرار سوقي طبيعي ناجم عن انضباط ذاتي لحركة التداولات في السوق؟ وهل يستوجب هذا التغيير من صغار المستثمرون تغييراً في استراتيجياتهم المضاربية؟ وما هو شكل هذا التغيير؟
ماذا حدث خلال الأسبوع الأخير؟
بدأت تداولات الأسبوع الأخير بافتتاح المؤشر في يوم السبت الماضي عند مستوى 13575 نقطة، حيث شهد تذبذباً حاداص أدى إلى نزوله إلى مستوى 12775 نقطة ليخسر حوالي 780 نقطة. في اليوم التالي عاود الارتفاع بنسبة 2.1% رابحاً 268 نقطة وليغلق عند مستوى 13043 نقطة، استكمل في اليوم التالي صعوده ليكسب نحو 374 نقطة إضافية بنسبة 2.9%، حيث أغلق على 13418 نقطة في يوم الاثنين. ثم بدأ رحلة تراجع جديدة في يوم الثلاثاء ليغلق على 13001 نقطة، حيث فقد 417 نقطة بنسبة 3.1%، ثم عاود الاخضرار مرة أخرى ليكسب حوالي 53 نقطة بإغلاقه عند مستوى 13053 نقطة في يوم الأربعاء. وأخير يوم الخميس الماضي انتهى تداولات الأسبوع فاقداً 302 نقطة بنسبة 2.3% بإغلاقه على 12751 نقطة.
بالتحديد، لقد أغلق المؤشر الأسبوع الماضي على خسارة بحوالي 824 نقطة عن مستواه في الأسبوع السابق مباشرة، أي أنه خسر نحو 6.1% من قيمته. وقد برزت خلال الأسبوع الماضي العديد من الظواهر في حركة التداولات السوقية، من أبرزها ما يلي:
الظاهرة الأولى: توجه السيولة النقدية ناحية قطاعي الصناعة والخدمات
اتجهت السيولة النقدية بشكل بارز خلال الأسبوع الماضي للقطاع الصناعي الذي استحوذ على حوالي 45.5 مليار ريال، في حين استحوذ قطاع الخدمات على 20.4 مليار ريال، تلاه مباشرة القطاع الزراعي بحوالي 8.3 مليارات ريال، أي أن القطاع الزراعي استحوذ على حوالي 9% من إجمالي السيولة النقدية المتداولة خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يؤكد أن توجهات كبيرة من قبل المتداولين للتركيز على المضاربة في أسهم هذه القطاع باتت أمراً ملموساً، ولكن السؤال الذي يثير نفسه ممن يأتي هذا التركيز؟ بالطبع من جانب كبار المضاربين الذين اتجهوا للضغط على القياديات والمضاربة على صعود الزراعيات. ما هي النتيجة المحتملة.. مزيد من خسائر الصغار وأرباح الكبار، وتعليقة أخرى في وقت لاتزال فيه عدد كبير من المحافظ الاستثمارية عالقة في أسهم حصلت عليها بأسعار مرتفعة للغاية، وغير قادرة على التخلص منها حتى حينه.
الظاهرة الثانية: التركيز على المضاربة في أسهم الأداء الضعيف
حقق القطاع الزراعي خلال الأسبوع الماضي أعلى ارتفاع وأحرز أرباحاً ملحوظة نتيجة اشتداد حدة عمليات المضاربة على أسهمه، فقد وصلت نسبة القيمة المتداولة إلى حجم رسملة القطاع إلى 75%، وهي نسبة مرتفعة للغاية إذا قُورنت بنظيرتها للقطاع الصناعي مثلا، التي بلغت -رغم السيولة الكبيرة التي ضخت في القطاع - 7.2%، ويشير ذلك إلى أن القطاع الزراعي يكاد يكون يتداول بكافة أسهمه المدرجة في السوق، ويدلل ذلك على مدى الخطورة التي تتعرض لها الأسهم الزراعية من جراء تمكن المضاربين من تحريك كامل أسهمه.
ومن ناحية أخرى، فإن هذا الصعود وهذه الأرباح لا يكاد يوجد لها تأثير يذكر على مؤشر السوق العام، حيث إنه رغم تحقيق الأسهم الزراعية لأرباح أسبوعية بنسبة 22%، إلا أن مؤشر السوق خسر بنسبة 6%.
الظاهرة الثالثة: صعود الأسهم الخاسرة خلال التصحيح
وهبوط القياديات
لوحظ الأسبوع الماضي صعوداً للأسهم التي أحرزت أعلى خسائر منذ بداية العام، في مقابل هبوط ملحوظ للأسهم القيادية، فأسهم المواشي وخمسة أسهم القطاع الزراعي شهدت ارتفاعات بنسب متفاوتة ولكن جميعها يفوق الـ30%. في المقابل هبطت الأسهم القيادية، حيث حققت أسهم سابك والراجحي والاتصالات خسائر بنسب 9.6% و18.5% و10.2%.
الظاهرة الرابعة: تبني المستثمرين لأسلوب القنص السريع في
جنى الأرباح
حركة التذبذب الشديد للمؤشر العام للسوق باتت هي السمة الرئيسية له منذ 26 أبريل الماضي، وهذا التذبذب يفسر من خلال عدم صبر كبار المضاربين لصعود أو زيادة اخضرار السهم لجني أرباحه، بل اقتناص أول بادرة للصعود، وبدء عمليات جني الأرباح. ويرجع ذلك لقراءتهم الجيدة وتفهمهم لطبيعة المرحلة التي يمر بها السوق، وشعورهم بأنهم باتوا غير قادرين على لعب العديد من الأدوار سواء بتلاعبات أم بتداولات اعتيادية كانوا يقدرون عليها في الماضي.
الظاهرة الخامسة: أساليب جديدة
ظهرت خلال الأسبوع الماضي بشكل واضح أساليب من كبار المضاربين في شكل عمليات شراء على أسهم بعينها، وبخاصة قبل افتتاح التداول، فقد برزت في أحد الأيام عمليات شراء على سهم معين بسعر يفوق سعر العرض المعلن بحوالي 3 ريالات، وهو أمر غير منطقي أن يطلب متداول شراء سهم بسعر يفوق سعر عرضه بثلاثة ريالات وبكميات كبيرة بشكل ملحوظ، ويدلل ذلك على استمرار وجود مضاربين يرغبون في إيهام صغار المستثمرين بصعود أو هبوط وهمي أو خادع استهدافا لتحقيق أرباح مرتفعة.
الظاهرة السادسة: حركة منتظمة وسريعة لهبوط وصعود المؤشر حسب فترة التداول
يمكن ملاحظة وجود دورة منتظمة لحركة المؤشر العام خلال الأسبوع الماضي، فبعد أي ارتداد في فترة تداول الصباح، يشهد المؤشر ارتفاعاً في المساء، ولكن مع ارتداد المساء لوحظ انتكاسه في الصباح، ومن الصعب تفسير هذه الظاهرة، وتحديد هل ترجع لمحض الصدفة أم أنها تعمل بشكل مخطط من المضاربين.
الظاهرة السابعة: دورات
حركة منتظمة
قد يلحظ أيضاً دورة تنقل سريع وربما منظم في عمليات المضاربة في السوق من الأسهم القيادية إلى أسهم الأداء الضعيف، ثم العودة للقيادية مرة أخرى، ثم العكس وهكذا. وهي دورة تستهدف السير في عكس اتجاه صغار المضاربين، بل وإرهاقهم في التعرف على توجهات كبار المضاربين أنفسهم.. وليس من السهل معرفة مدى الخطورة التي يمكن أن تنجم عن تكوين مثل هذه التكتلات المضاربية في السوق، التي ينبغي ملاحظتها ومتابعتها.
هل هو تذبذب أم انضباط للمؤشر؟
بالتحديد، تثير تداولات الأسبوع الماضي العديد من التساؤلات حول كيفية صيانة وحماية المؤشر من التحركات الصعودية أو النزولية العنيفة داخل حدود منطقة معينة، وبخاصة في ظل الاستجابة العنيفة والسريعة للمستثمرين في السوق لأي بادرة سوى لأخبار جديدة أو حتى حركة تداولات كبار المستثمرين؟ رغم ما يثيره صغار المستثمرين، وأيضاً كثير من المحللين من أن السوق لا يزال يشهد نزولاً حاداً أو أن الانهيار لا يزال مستمراً، إلا أن التدقيق في حركة المؤشر خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة قد توضح ما يخالف هذا الرأي. المرفق أنه بعد النزول الحاد الذي شهده المؤشر خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إلا أن حركته بعد سقوطه ووصوله إلى قاع متدنٍ، وهو 12077 نقطة في يوم 23 أبريل الماضي، أصبحت تقع في نطاق محدود، يكاد يكون المؤشر قد بنى لنفسه سقفاً أدنى لا يتجاوزه، وسقفاً أعلى لا يتخطاه، وأنه بعد وصول المؤشر لهذا القاع، ربما أصبح بالإمكان البدء بالسيطرة عليه لإبقائه داخل حدود منطقة يمكن بسهولة اكتشاف أنها منطقة التقييم العادل له.
بالتحديد، لقد شهد المؤشر انضباطاً هيكلياً واضحاً منذ 24 أبريل الماضي، ويكاد يكون هذا الانضباط الملحوظ أحد أبرز الأسباب وراء التذبذب الحاد الذي شهده المؤشر منذ هذا التاريخ. فحركة نطاق تحرك المؤشر الرئيسي للسوق قد تكون أصابت كبار المتداولين بضربة قاصمة في تحركاتهم المضاربية لصعود وهبوط المؤشر بشكل حاد يسمح لهم بجني أرباح كثيفة. أي أن الانضباط الهيكلي للمؤشر قلص إمكانية تجاوز أرباح كبار المضاربين لحدود معينة. ومن أكبر الدلائل على ذلك، التحركات الكبيرة في عمليات المضاربة، فبعد تركيزها على الأسهم القيادية، عاودت الاتجاه إلى الأسهم الضعيفة، مع الضغط الشديد على الأسهم القيادية، بل إن توجهاً ملحوظاً ناحية المضاربة السريعة بات يمثل الإستراتيجية الرئيسية لكبار المضاربين الذين تمكنوا من قراءة حركة المؤشر منذ صدور توجيهات مجلس الوزراء.
إن تأكيد ما يحدث في السوق منذ 24 أبريل قد لا يكون بإمكان أي محلل اقتصادي قراءته بالسهولة بشكل مؤكد، لكن هذه القراءة تكاد تكون واضحة لدى كافة كبار المتداولين في السوق، الذين لا تزال على ما يبدو بينهم وبين الجهة المسئولة عن انضباط السوق حالة من عدم الرضا.
ولكن لماذا هذه المنطقة بالتحديد؟
هل هي تمثل نطاق تقييم عادل بشكل فعلى للسوق؟ وإذا كان هذا النطاق عادلاً للسوق.. فهل هو عادل لكافة الأسهم المتداولة فيه؟
يوجد العديد من الدلائل على أن منطقة تحرك مؤشر السوق منذ 26 أبريل الماضي تعد منطقة عادلة للسوق ككل، حيث إن مكررات ربحية معظم الأسهم المتداولة داخل حدود هذه المنطقة تعد مناسبة وجذابة جداً، بما يؤكد أن القيمة السوقية للأسهم المتداولة داخل حدود هذه المنطقة تعد عادلة وربما منطقية للسوق، حيث إن تحركات المؤشر الرئيسي للسوق في هذه المنطقة يعد صحياً بشكل كبير، ويدلل على تعافي السوق من وعكته الأخيرة، رغم أنه نسبياً وفي نظر الكثيرين يعد مستوى قاعدي أو مستوى قاع، إلا أنه يعبر عن أداء حقيقي وعادل للسوق.
ومن ناحية أخرى، فإن أكثر من نصف الأسهم المتداولة داخل حدود منطقة تحرك المؤشر حالياً تمتلك مكررات ربحية جذابة، تقل عن 30 مرة تقريبا، بل إن عدد منها يلامس مستوى 15 مرة. اتجاه السوق؟
لا نرغب في البحث كثيراً حول الأسباب التي أدت إلى استقرار نسبي للمؤشر، بقدّر ما نرغب في التنبيه لعامة المستثمرين في السوق بالثقة في متانة السوق وقوة المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد الوطني. لكن الإشارة هنا تجدر أن تغييراً استراتيجياً حدث في طريقة تعامل كبار المتداولين في السوق، ينبغي أن يرافقه تغيير مماثل في تفكير صغار أو عامة المتداولين في السوق، بل إن أسلوب المضاربة لدى هؤلاء العامة -الذين يتجاوز عددهم أكثر من مليونين على أقل تقدير- يجب أن يكون على قدّر المسئولية في تداولاتهم خلال الفترة القادمة التي كلّما ازداد الضغط على حركة المؤشر صعوداً وهبوطاً أصبح أكثر انضباطاً وكلّما تزايدت حدة تذبذباته خلال حدود منطقة هذا التحرك.
بمعنى أن سرعة وحدة عمليات المضاربة من المتوقع أن تزداد بشكل ملحوظ، لأنه في النهاية سوق يتحرك بناء على عرض وطلب، وحدود التدخل فيه -حتى ولو للانضباط- لا تكاد تكون محدودة. لذلك خلال سقفي المنطقة التي يتحرك فيها المؤشر، يمتلك المؤشر الحرية الكاملة لأرباح من يستحق - الخبير والأكثر مهارة وكفاءة مضاربياص-، وإلحاق الخسارة بمن يستحق -الأقل أو عديم الخبرة والمهارة. لذلك، فينبغي التأكيد على ضرورة اتخاذ ذات الاستراتيجيات الواضحة المستندة إلى أسس صحيحة، لا انتظار لصعود المؤشر لمستويات خيالية، لا انتظار لاخضرار أكبر، بل الأكثر أهمية ضرورة عدم التوجه للمضاربة على الأسهم ذات الأداء الضعيف، تلك الأسهم التي رغم هبوط المؤشر خلال الأسبوع الماضي، إلا أن كثيراً منها أحرز ارتفاعات غير منطقية ولا تتعلق بأي حال من الأحوال بتقييم حقيقي لشركاتها، فقط عمليات المضاربة أدت إلى ارتفاع ملحوظ في أسعارها، هذه الأسهم تحديداً تعرض المتداولين، وبخاصة صغارهم لمخاطر كبيرة، حيث إنها في العادة تسقط عند حدوث أو بادرة نزول للمؤشر بشكل أكبر بكثير من نزول المؤشر ذاته، بل إننا نذكر أن الخسائر الهائلة التي لحقت بصغار المستثمرين من جراء التصحيح الأخير في مارس الماضي تعود بشكل جوهري إلى استحواذ أسهم المضاربة على النسب الكبيرة من المحافظ الاستثمارية لهؤلاء المستثمرين الخاسرين.
بالتحديد، لا ينصح بالمضاربة على أسهم المضاربة، فيوجد في السوق الآن أسهم تكاد تكون جذابة للغاية للاستثمار، وبخاصة في ظل ملامسة مكررات ربحيتها لـ15 مرة.
*محلل اقتصادي ومالي
|