* بالأمس هبط المدينة المدعو ابن ظلهاب مثيراً كعادته زوبعة من اللغو والغبار والشتائم التي يجيد تماماً توزيعها على كل سائق يتجاوز وانيته الخرب المبجل العتيد بل حتى من يتجاوزه هو ولو كان من المارة الذين لا ناقة لهم ولا جمل إلا لسوء حظهم الذي أوقعهم في نطاق درب بن ظلهاب فهو - أدامه الله - مثل حافلة البلدية (يقّش) كل ما يقع أمامه في الطريق بلا أدنى اكتراث.
***
وقد تأكد لي حضوره البهي وهو يطرق باب البيت بمشعابه العتيد صاهلاً كالحصان العجوز: (هيا افتح الباب ياموصّي الحرمهْ على صكة البيت تقول ما هو فيه وهوا وراها).
ومع أنه يدرك جيداً أنني لستُ من هذا النوع من الرجال ومنذ أن (ابتلاني الله) بمعرفته اللاسعيدة إلا أن ابن ظلهاب- وكعادته الذميمة - يحبُّ دائماً تقريع الأصدقاء بسبب أو بلا سبب وما عليهم إلاّ الإذعان والاحتساب سواء قبلوه كله أو رفضوه كله لأن ابن ظلهاب لا يحب أنصاف الحلول ولا أنصاف الأصدقاء لذلك كثيراً ما أبتلعُ بلاويه على مضض، شاكياً أمري إلى الواحد الأحد.
***
المهم أنه دخل عليَّ البيت مرغياً مزبداً كفحل نوقه العتيد، تلك النواق التي باعها كلها واشترى بثمنها (سهوماً) أي أسهماً ليلحق بركب الأثرياء، وقبل أن يتناول فنجان القهوة بل قبل أن أُقبِّل كالعادة لحيته المبجلة، نهرني بجلافة وصلف: هيا أيها (الضفعه) قم ودّني (للهيعه) -أي الهيئة- وهنا فكرتُ أنَّ في الأمر سوءاً إذ لربما قد ارتكب ابن ظلهاب حماقة ما وأوقعته في يد الهيئة، مع أنني أعرف جيداً أنه عفيف اليد والعين واللسان، إلا أنني ظننت وبعض الظن إثم أنه لربما تحرّش بامرأة في السوق وضبطته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أنني أشهد شهادة حق بحق المخلوق إياه وأنه ومنذ أن عرفته قد تاب ومنذ أن شاب عن كل ما فات كما يحلو له دوماً أن يردد: (اليوم شبت وتبت عن كل ما فات وطويت عن حبل الموارد رشايهْ إلا اليا من شفت خطو الخونداه اللي جدايلها تعدّى الحظايه) فقلت له: يا ابن ظلهاب لعلك قد وقعت في محظور (إلاّ..) ورأيت (خونداه) ما. وهنا ضحك حتى بانت نواجذه الصفراء وقال: (الله يقطعك ما تخلي ها السوالف) فقلت له: إذن ما الذي أوقعك بيد الهيئة، فقال لي: (لا تذهب بعيداً وتسيء الظن أقصد (هيعه سوق المال) فقلت له: يا هداك الله مالك ومال المال؟!
فقال: (هيا لقد بعت أبلي كلها واشتريت بثمنها (سهوماً) - أي أسهماً) وقلت يا ولد اِلحقْ هذه الطفرة ولكن الأسهم (دحدحت) وأريد إيقافها عند سعرها اليوم). فقلت له: لا يمكن ذلك يا ابن ظلهاب. فقال: (إذن استردها) فقلت: وهذا من المستحيل إلاّ إذا بعتها على خسارة وهنا قال لي: (ما علينا راعي النصيفة سالم) فقلت له: حتى النصيفة لا تحصل إلاّ إذا كنت تريد أن تبيعها ب(كلب سرق أهله)؛ وهنا صمت ابن ظلهاب طويلاً وهزّ رأسه قائلاً: ولكن أين ذاك الكلب؟!
S-alfulih.com |