Monday 24th April,200612261العددالأثنين 26 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

لوعة الفراق..دموع غزيرة وجراح عميقة لوعة الفراق..دموع غزيرة وجراح عميقة
د. صالح بن عبدالعزيز العمير

من المألوف في هذا الوطن - وربما في غيره من البلاد المجاورة - أن تكتب كلمات الرثاء والتأبين في فقد الأحبة من الذكور.. أما النساء فلا يحظين إلا بالنزر اليسير. والأسطر التالية سوف تخالف ما هو مألوف في هذا الشأن. إن الاحساس بحرقة الألم ولوعة الفراق يلح عليَّ في أن أدون هنا بعضاً من مشاعري حيال فقد زوجتي الغالية (أم سهل) رحمها الله رحمة واسعة واسبغ عليها شآبيب رضوانه.
ومنذ البداية عليَّ أن اعترف أن الكلمات التي أسردها في هذه العجالة تبقى قاصرة وعاجزة عن التعبير بحق عما أحمله وأحس به في داخلي من شحنات وومضات تجاهها، فهذه الكلمات القصيرة ليست إلا موجزاً يسيراً لملامح سيرتها النبيلة وذكراها العطرة وخصالها المتميزة.
فعلى مدى ثلاثين عاماً كانت نعم الزوجة والخليلة عشنا معا هذه السنين القصيرة في وسط عائلي مفعم بالحب والمودة والتعاطف أضفت عليه أم سهل الكثير مما حباها الله من خصال حميدة ونهج قويم ينبع ويستمد قوته ومدده من إدراك واسع وعميق لمعاني ومفهوم العلاقات الأسرية والزوجية.
قبيل اقتراني بها - رحمها الله - كان لدي من الأتباع خمسة (أربع بنات وابن) وخلال زواجنا رزقنا بأربعة (ثلاثة أبناء وبنت)، ومنذ الأيام الأولى لانتقالها إلى البيت الذي استحدثته بعد زواجنا شرعت - رحمها الله - في إعادة ترتيب أوضاع أسرتنا الصغيرة على النحو الذي يوفر لها كل مقومات التماسك والاستمرار والحيوية ويقيها ويحصنها مما تجلبه - عادة - رياح التغيير من حساسيات، وقد نجحت نجاحا منقطع النظير في توثيق عرى هذه الروابط وحافظت على مدى ثلاثين عاماً على ترسيخ علاقة أسرية حميمية متوازنة ومتزنة، وإلى جانب ذلك سعت ونجحت في إقامة نموذج متميز من التعاون الصادق والمخلص مع بقية عناصر وفروع أسرتنا الأكبر. هذه الخصال المتأصلة في نفسها وفي ضميرها اكسبتها محبة حقيقية داخل أسرتنا الصغيرة وإعجابا وتقديرا من أسرتنا الأوسع. فجزاها الله عني وعن والدتي وعن أبنائي وبناتي واخوتي وأخواتي خير الجزاء وأجزل لها الأجر والمثوبة.
ويشهد الله أنها طيلة عشرتنا معاً كانت براً بوالديها وأقاربها، وأن انشغالها في بيتها الحديث ومسؤولية أبنائنا جميعا ومتابعة شؤونهم وشؤوني لم يصرفها عن الاهتمام في شؤون بيتها الأولى. كانت شديدة التعلق بأسرتها كثيرة الاطراء والاعجاب بجدتها لوالدها (منيرة العبدالمحسن التويجري) أو كما تسميها (أمي منيرة). ويبدو من فرط اعجابها بجدتها أنها منذ طفولتها المبكرة كانت تترسم خطى جدتها وتعشق أن ترى نفسها شبيهة بها أو قريبة من سيرتها العطرة. رحم الله الأم ومولودتها رحمة واسعة.
لم تكن أم سهل بالنسبة لي زوجة فحسب - بل كانت صديقة تمنحني النصح وتسدي إليَّ بالرأي السديد والمشورة الصادقة تذكرني إذا نسيت وترشدني إذا قصرت أو أخطأت وتشد من عزيمتي إذا ضعفت. هذا شأنها وذلك دأبها معي ومع أولادنا جميعاً. كانت شريكة لي في كل مناحي الحياة بكل ما تحمله هذه الكلمة من التزام ومسؤولية، كانت ربة بيت من الطراز المتميز تقدر مسؤوليتها وتحرص على الوفاء بالتزاماتها كاملة غير منقوصة. كانت جادة وحازمة محبة للقراءة والمطالعة - ولعل انخراطها المبكر في سلك التعليم وما تستوجبه هذه المهنة العالية من تحضير ومتابعة غرس لديها هذه الصفة وعمق هذا الطابع المتميز حافظت عليه حتى في أحلك وآخر أيام حياتها.
كانت - رحمها الله - محبة للخير تسعى في سبيله وتعين عليه تتعرف على طرقه وأبوابه وتدل عليه غيرها تتلمس حاجات المعوزين في أي موطن يقيمون وتسارع إلى بذل الخيرات واضفاء البهجة والسرور في كل جانب ابتغاء مرضاة الله وفي سبيله.
وفي هذه العجالة من القول والألم يعتصر منا المهج والقلوب لفقد الحبيبة الغالية نستذكر قول بهاء الدين زهير:


يعز عليَّ حين أدير عيني
افتش في مكانك لا أراكا
ختمت على ودادك في ضميري
وليس يزال مختوما هناكا
فوا أسفي لجسمك كيف يبلي
ويذهب بعد بهجته سناكا
فيا قبر الحبيب وددت اني
حملت ولو على عيني ثراكا
ولا زال السلام عليك مني
يُزَفٌ على النسيم إلى ذراكا

كما نستذكر قول المهلل:


سقاك الغيث أنك كنت غيثاً
ويسرا حين يلتمس اليسار
أبت عيناي بعدك ان تكفا
كأن غضا القتاد لها شفار

وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي)

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved