* الرياض - خالد الحقيل:
أخذت العلاقات السعودية - البريطانية عبر التاريخ على عاتقها تطوير العلاقات الثنائية فيما بينها، وزادت حدة الحاجة إلى ذلك في العصر الحديث؛ حتى أصبح تطوير هذه العلاقة في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية التحدي الكبير لمسؤولي الدولتين؛ الأمر الذي يستوجب جهوداً مشتركة لتطويرها بفاعلية الروح الجديدة والمسؤولية، بما يكفل استمرارها، ويحفظ للدولتين العلاقة المميزة بينهما، ولشعبيهما استقرارهما وازدهارهما.
وانطلاقاً من هذه العلاقات، وحرصاً من المملكة العربية السعودية على ضرورة تضافر الجهود المشتركة لتطوير العلاقات السعودية - البريطانية، وإيجاد أسباب التعاون المشترك، يأتي انعقاد مؤتمر (التحديات التي تواجه المملكتين) تعزيزاً للمساعي الدؤوبة بين الدولتين لتبادل الآراء والخبرات والتجارب على كل الأصعدة، والخروج بالتوصيات والمقترحات المناسبة التي تحقق غايات المملكتين، ولا سيما أنه قد انعقد مؤتمر (مملكتان.. في مواجهة التحديات التي أمامهما) للمرة الأولى في لندن بتاريخ 23 فبراير 2005م ونادى بالعديد من التوصيات التي تحظى بالمتابعة، منها:
1- إقامة مؤتمر سنوي لمراجعة ومتابعة سبل التعاون المشترك بين البلدين على أن يعقد المؤتمر القادم قي الرياض ومن ثم يعقد المؤتمر بالتناوب في مدن مختلفة في المملكتين.
2- تشكيل لجنة متابعة فرق عمل منفصلة بحسب ما يتم الاتفاق عليه في لجنة المتابعة.
3- تكوين لجنة فنية سعودية - بريطانية مشتركة لتحديد مجالات التعاون لإعداد الشباب لسوق العمل وتبادل الخبرات في مجال تطوير سوق القوى العاملة وتكوين منهجية استراتيجية لتنمية القوى العاملة وبالذات فيما يختص ببرامج تدريب المدربين.
4- تبادل الخبرات في مجال الخصخصة.
5- تبادل الخبرات لتشجيع نمو الأعمال التجارية صغيرة الحجم ووسائل دعم رجال الأعمال الناشئين.
6- تفعيل أكبر لمشاركة القطاع الخاص من الجانبين في برنامج التوازن الاقتصادي.
7- العمل على مساعدة السعودية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
8- التعاون بين الحكومتين السعودية والبريطانية معاً مع المفوضية الأوروبية فيما يخص الاتفاقيات التجارية الأوروبية الخليجية.
9- تبادل الخبرات في مجال تفعيل مشاركة المرأة في المجتمع المدني وتفعيل دور المرأة في التدريب الفني والمهني.
10- الاتفاق على التعاون الإعلامي المشترك وإنشاء منتدى سعودي - بريطاني على شبكة الإنترنت لتوضيح وشرح أمور العلاقات المشتركة بين السعودية وبريطانيا.
مقتبسات من كلمتي وزيري خارجيتي المملكة العربية السعودية وبريطانيا في المنتدى السعودي - البريطاني المنعقد في لندن في تاريخ 23 فبراير 2005م بعنوان (مملكتان.. في مواجهة التحديات التي أمامهما)
***
كلمة الفيصل
أصحاب المعالي.. أيها السادة والسيدات.. أود أن أشكر منظمي هذا المنتدى لإتاحة الفرصة لي لمخاطبة هذا الحضور الكريم بمنتهى الصراحة، عن القضايا التي تشكل أهمية قصوى لبلدينا، كما أنني أتطلع إلى تبادل الآراء والأفكار سوياً.
رغم التقدم الهائل الذي يشهده العالم في مجالات العلم والتقنية والاتصالات في إطار استمرار العولمة، ما زلنا نعاني من الظلم الفادح والفقر والأمراض والقلاقل الاجتماعية والنزاعات المسلحة وانتشار الإرهاب الدولي، لا بل إن الطبيعة هي الأخرى انضمت في الآونة الأخيرة لتصب جام غضبها علينا. هدفي من الحديث معكم اليوم أن أناقش بعض الأطر المحتملة التي بوسع كل من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة تبنيها للتعامل مع بعض القضايا الخطيرة التي تواجه الأسرة الدولية.
إنني على قناعة - لأسباب تاريخية وواقعية - أن كلا من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة مؤهلتان تماما للتعاون لتصبحا أداة فاعلة للتعامل مع هذه القضايا العالمية؛ فالمملكة العربية السعودية وبريطانيا بلدان صديقان يشتركان في تبوؤ مواقع نفوذ معينة، وقيم مشتركة محددة، يضاف إلى ذلك ما يتمتعان به من تعددية صحية. جميع هذه العوامل تشكل عناصر قوة تتيح لنا القيام بدور أكثر تأثيرا في القضايا الدولية.
يضاف إلى ذلك أن مليونين من مواطنيكم في بريطانيا يتجهون بصلاتهم لمكة المكرمة خمس مرات في اليوم، ونستضيف أربعين ألفا من مواطنيكم على أرضنا كمقيمين. بناء على ذلك، فعلى الرغم مما يقال، فإن تاريخنا - على ما يبدو - متشابك كل التشابك بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد؛ فالمملكة المتحدة تظل متفردة بلا جدال، فعلى الرغم من خسارة ما يسمى الامبراطورية، إلا أن قيمها الثقافية لا تزال ظاهرة للعيان في مجتمعات تتوزع على كل أرجاء العالم.
تحظى المملكة المتحدة بموقع قيادي فريد في أوروبا، وهي مخزون واسع لمعارف الثقافات المتنوعة، حازتها في زمن الامبراطورية بما لم يتح لبلد آخر. كثير من الرحالة والعلماء الذين جالوا العالمين العربي والإسلامي جاؤوا من المملكة المتحدة وبأعداد أكبر من أي بلد آخر، مما أتاح لكم معرفة أكبر بتلك الثقافات التي آمل أن تحظى بتقديركم أيضا.
المملكة المتحدة هي بلد القانون والنظام وسلطة المؤسسات القضائية، مما جعل منها مثالا يحتذى به. والتي تعود جذورها إلى العام 1215 عندما أعطت بريطانيا العالم الماغناكارتا التي ضمنت بعض حقوق الإنسان الأساسية مثل حق السجين في معرفة المسوغات القانونية لاعتقاله، وحق المحاكمة أمام هيئة محلفين؛ المبدأين اللذين تبنتهما كافة الدساتير التي توالت لاحقا بشكل أو بآخر.
في المقابل تحتل المملكة العربية السعودية موقعا فريدا في العالم وفي محيطها الإقليمي؛ فهي الأرض المقدسة التي شهدت ولادة رسالة الإسلام التي أنزلت على نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام - وهي موطن الحرمين الشريفين اللذين يؤمهما الملايين من جميع أركان المعمورة لأداء واجباتهم الدينية؛ لذلك فإن المملكة تتبوأ مسؤولية قيادية أخلاقية عظيمة.
وفي المحيط العربي تعتبر المملكة العربية السعودية على الدوام شريكا فاعلا في حل الصراعات ومنع الخلافات، كما أنها تمتلك أكبر مخزون احتياطي للنفط في العالم، ومع استمرار حاجة العالم إلى النفط تقوم المملكة بدور الوسيط الذي يهدف إلى خدمة مصالح المنتجين والمستهلكين على حد السواء.
وإذا ما قيست المساعدات الخارجية بميزان مستوى دخل الفرد، فإن المملكة تعتبر في طليعة الدول المانحة في العالم، لذا فإنه من البديهي إذا ما أخذ كل ذلك في الاعتبار، أن يكون بلدانا حليفين طبيعيين ويتعاونان معا لمواجهة القضايا الراهنة، بيد أن مجرد الوعد بالتعاون لا يعني ببساطة الإيفاء به؛ فنحن بحاجة إلى تنقية الأجواء، وإلى الصراحة فيما يتعلق بفهم كل منا للآخر.
نحن في المملكة نواجه من الغرب بانتقادات عدة، تتمحور حول القضايا التالية:
أولا: أن نظامنا السياسي متخلف، وأننا لا نشدد كثيرا على قضايا حقوق الإنسان، خصوصا حقوق المرأة، كما أن الديمقراطية طال انتظارها.
ثانيا: على الصعيد الاقتصادي، نتهم بتبديد أموالنا الوفيرة على الإسراف والتبذير، ولعل من الأصح انتقادنا على الإنفاق الوفير على تحقيق الرفاهية الاجتماعية.
ثالثا: أخيرا، نتهم بشكل كبير أن معتقدنا الديني أدى بطريقة ما إلى تفريخ الإرهاب الدولي.
في المقابل، فإن فهمنا للغرب، مبني على الأسس التالية:
أولا: من منظور تاريخي، هنالك مشكلة مصداقية ومعايير مزدوجة، وأننا نشعر بأن العديد من المصاعب التي نواجهها في الشرق الأوسط خصوصا الصراع العربي - الإسرائيلي هي نتاج سلسلة من الوعود الكاذبة التي أدت إلى تقسيم منطقتنا وأهلنا بشكل متعسف.
ثانيا: ثمة انطباع في صفوف مواطنينا بأن تقليد المجتمع الغربي القائم - من منظورهم - على التكالب على المادة وضياع القيم الروحية، لن يؤدي إلا إلى بيئة فاسدة وتفكك في النسيج الأخلاقي للمجتمع.
ثالثا: ثمة انطباع في وجدان شعوب منطقتنا بأن دعوة الغرب إلى الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، والتي هي غريبة عن بيئتنا، لا تهدف إلى سلامة ورفاهية الشعوب إنما إلى إقامة هيمنة سياسية في أحسن الأحوال، أو في أسوئها إلى تحويل مجتمع متدين إلى مجتمع فاسد.
ولكي نحقق أقصى درجات التعاون، يجب أن نجهد لتصحيح هذه المفاهيم والانطباعات والمدارك الخاطئة. ولعل الأسلوب الأمثل هو أن ننسى الماضي ونتعامل مع الوضع الراهن كما هو لكي نستطيع المضي قدما. وهذا الأمر يتطلب من المملكة المتحدة وبقية الدول الغربية التعامل بجدية وحيادية تامة مع الصراعات في منطقتنا.
دعوني باختصار أتطرق إلى الاتهامات الغربية حول استخدام ثروتنا، حيث أتذكر جيدا في الثمانينات زيارة العديد من الخبراء الماليين للمملكة العربية السعودية لمساعدتنا في طرق إنفاق ثروتنا المالية الحديثة، وكان الحل الرئيسي آنذاك يرتكز على مفهومين (امتصاص رأس المال) و(إعادة التدوير). النظرية التي سادت آنذاك كانت تقول إن تكديسنا المتتالي للثروة أدى إلى أزمة في امتصاص رأس المال. بالتأكيد فإن الحرب العراقية - الإيرانية، وحرب الخليج الثانية تكفلت بهذه الأزمة.
إن أكثر المفاهيم التي تعيق تعاوننا الكامل هي تلك التي تتعلق بالإصلاحات السياسية والإرهاب الدولي، وإذا ما قدر لنا أن نفهم بعضنا البعض، خصوصا عندما نستخدم تلك المفاهيم أو المصطلحات المجردة، يجب علينا أن نتوافق على التعريف لاستخدام أفضل لتلك المفاهيم أو المصطلحات؛ فنحن حاليا، نتحدث عن مفاهيم مثل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، مع غياب كامل للمحتوى التاريخي أو التطبيق اليومي لها.
اسمحوا لي أن أستطرد تاريخيا، فقد كان الصراع في المملكة المتحدة بين أجهزة الحكومة مؤلما، واستدعى حربا أهلية وحركة إصلاحات لحل تلك المعضلة، كما أن التحرر الكامل للمرأة لم يتوج إلا في القرن العشرين. وحسب قول أحد المؤرخين، كان مثيرا للسخرية والضحك أن يفترض أن المرأة قادرة على إدارة شؤونها المالية من دون إشراف الرجل. ولم تتمكن المرأة من الحصول على حق التصويت هنا في المملكة المتحدة إلا في القرن العشرين وعلى مرحلتين: المرحلة الأولى، أعطت النساء فقط اللائي تجاوزن سن الثلاثين حق المشاركة في الانتخابات، وكان هناك شائعة تقول إن هذه مكيدة من الرجال ليمنعوا النساء من المشاركة، على اعتبار أنه لا توجد امرأة تعترف بأنها تخطت الثلاثين.
وفي أمريكا تطلب الأمر حربا أهلية، وأجيالا من قرارات المحكمة العليا لتطبيق قانون حقوق المواطنة، كما أن القانون الذي يحظر التزاوج بين الأعراق في بعض الولايات لم يسقط إلا بعد عقد التسعينات.
بوسعي أن الاستطراد في عرض المزيد من الوقائع، ولا أهدف بذلك الانتقاد بقدر إظهار الحقائق التاريخية وتبيان أن الإصلاح السياسي الناجح ليس إلا عملية تدريجية. كما قال معالي السيد جاك سترو في إحدى خطبه الجيدة: (إننا في أوروبا، يجب علينا أن نشعر بالتواضع إزاء بطء التغيير، حيث إن الحكومات الممثلة تعتبر ظاهرة حديثة في إحدى عشرة دولة من دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرين).
نحن في المملكة نؤمن بضرورة الإصلاح السياسي، ولكن ينبغي أن يكون متدرجا، وأن يفي بمتطلبات شعبنا ويحافظ على نسيجه الاجتماعي. ولتحقيق هذه الغاية، أصدرنا القانون الأساسي للحكم، وبدأنا مشروعا للحوار الوطني وزدنا عدد أعضاء مجلس الشورى الذي توسعت صلاحياته لتشمل مراجعة التشريعات ونشرها، ونتيجة ذلك، انضم المجلس إلى الاتحاد البرلماني الدولي.
وفي هذا الشهر بدأنا أيضا عملية الانتخابات البلدية التي نأمل أن تؤدي إلى تجربة أوسع. وقد صرح وزير الشؤون الإسلامية السعودي مؤخرا أنه لا يوجد في الإسلام ما يحظر على المرأة المشاركة في الانتخابات. كما أن سلاسة الإجراءات التي تمت بها الانتخابات أدت إلى إعلان المفوض العام للانتخابات أنه يوصي بمشاركة المرأة في الانتخابات القادمة، ولن يكون من المستغرب إذا جرى ذلك في الانتخابات المستقبلية.
إن دور المرأة شهد تغيرا سريعا، حيث أفرزت إصلاحاتنا التعليمية جيلا نسائيا جديدا على قدر عال من التعليم والتدريب المهني يتبوأ الآن مكانه المناسب في المجتمع السعودي. وأقول بفخر أمامكم إن النساء سيدخلن هذا العام وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية؛ (انتبهوا يا رجال الدبلوماسية).
فيما يتعلق بآخر المفاهيم الخاطئة وهي الإرهاب، يعتبر المجتمع السعودي مجتمعا متدينا. وكسائر المجتمعات الأخرى، نلنا قسطنا من أقلية متطرفة تعيش بين ظهرانينا، بيد أن المفهوم الأوروبي الخاطئ أحال الاستثناء في السعودية إلى قاعدة، وكما قال مرة صاحب السمو الملكي أمير مقاطعة ويلز، تشارلز: (إن حكمنا على الإسلام كان في غاية الخطأ كوننا اعتبرنا الاستثناء قاعدة)؛ فإنه ثمة ميل في وسائل الإعلام للاستشهاد بعلماء لا يملكون من العلم شيئا ولا يحظون بمصداقية، مع الابتعاد عن البيانات والتصريحات لقادتنا الدينيين الذين يدعون إلى الوسطية والتسامح ويروجون لها.
إن المملكة العربية السعودية هي نفسها ضحية للإرهاب، وتهديد الإرهاب يتعدى أمننا وسلامتنا، طالما أن أحد أهم أهداف الإرهابيين هو إحداث تصدع بين الثقافات والمجتمعات المختلفة. إننا نشن حربا ضروسا لا هوادة فيها على الإرهابيين ومجنديهم ومموليهم ومنظريهم. لقد عقدنا هذا الشهر مؤتمرا دوليا حول مكافحة الإرهاب في الرياض ودعونا إليه ممثلين من خمسين بلدا للتناقش وتطوير سبل ووسائل لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية الدولية. إننا نأمل بأن تتعاون كل الدول لكي تحول دون تمكن الإرهابيين من إيجاد أماكن آمنة عبر التحايل على أنظمة اللجوء السياسي والهجرة. لقد أوصت المملكة العربية السعودية بإنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب، ومما يدعو حقا للاستغراب أنه بالرغم من خطورة الإرهاب، لا يوجد حاليا مركز دولي لمحاربة ما لا يمكن إنكاره بأنه مشكلة عالمية.
إن إحدى الحقائق المسلم بها التي تغذي الإرهاب هي الظلم الفادح الذي يرتكب ضد الفلسطينيين خلال النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وعلى مدى سنوات كنا نصرخ في آذان لا تسمع في الغرب أن هذا المشكل يجب حله على أسس عادلة ونزيهة وإلا سيكون عاملا مغذيا للتطرف في المنطقة. لسوء الحظ فإن عناد إسرائيل في تحديها القانون الدولي وكذلك بناؤها المستوطنات غير الشرعية بالإضافة إلى إذلالها الشعب الفلسطيني ونشرها الخوف في الأراضي المحتلة، لم ينضح عنه إلا زيادة التطرف وتعطيل الجهود الدولية لحل هذه الأزمة الملحة.
يجب علينا أن نعمل أيضا لبناء عراق موحد ومستقر يعيش بسلام مع نفسه وبانسجام مع جيرانه، ولقد سررنا جدا بالانتخابات فيه وما أسفرت عنه، وينبغي أن نعمل سويا للوصول إلى ما يستحقه الشعب العراقي.
إن المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، وانطلاقا من موقعهما المتميز، ينبغي لهما تحمل المسؤولية معا، والمضي معاً إلى الأمام لمعالجة هذه القضايا. هذا لا يعني على الإطلاق التعارض مع الجهود الدولية الأخرى، بل يجب علينا أن نضع نصب أعيننا في المستقبل أن نكون القوة الدافعة وراء هذه الجهود الدولية.
لن يكون بوسعنا أن نكتشف كل العلاجات للمشاكل التي تواجهنا، لكن لم يفت الأوان بعد لكي نقول كما قال شاعركم الكبير ألفرد لورد تينسون: (لنحصل على عالم جديد؛ سنفتش ونتحرى، بعزم وإرادة، ولن نستسلم).
شكرا لكم على الاستماع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
***
كلمة سترو
وهذا جزء من نص كلمة وزير الخارجية، جاك سترو، التي ألقاها في وقت سابق خلال المؤتمر ذاته:
أصحاب السمو الملكي.. أصحاب السعادة.. سيداتي وسادتي.. أرحب بكم في لندن وفي هذا المؤتمر.
يسعدني أن تتاح لنا هذه الفرصة اليوم لمناقشة كيفية إمكاننا تعزيز الشراكة القائمة ما بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، ومواجهة تحديات العالم المتغير معا.
علاقات المملكة المتحدة مع المملكة العربية السعودية تحتل تقديرا كبيرا لدي ولدى الحكومة البريطانية بأسرها.
المملكة العربية السعودية هي القلب السياسي والاقتصادي لمنطقة تعد محورية بالنسبة لاهتمامات بريطانيا وكذلك تقريبا اهتمامات كل دولة أخرى في المجتمع الدولي؛ فمع وجود 25% من مخزون النفط العالمي فيها، تعد هذه المنطقة حيوية بالنسبة لأسواق الطاقة التي تعد اليوم ذات أهمية كبرى للنمو العالمي والرخاء الاقتصادي. وبالطبع دون تأثير المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار خلال ربع القرن الأخير لكان اقتصاد العالم قد واجه هزات أكثر عنفا، كما تحتل المملكة العربية السعودية، باعتبارها مقر أكثر مدينتين مقدستين في الإسلام، أهمية قصوى بالنسبة لمسلمي العالم، بمن فيهم مليونا مسلم يعيشون في بريطانيا، ومن بين هؤلاء 25.000 مسلم يعيشون في دائرتي الانتخابية، بلاكبيرن. ومما أفتخر به أن المملكة المتحدة كانت أول دولة مسيحية بشكل عام ترسل بعثة سنوية للأراضي المقدسة لمساعدة الحجاج المسلمين الذين يؤدون فريضة الحج.
وكلا بلدينا عازم على مقاومة وهزيمة البلاء الذي يشكّله الإرهاب. ونحن نرفض فكرة أن هذا العنف المثير للازدراء له ما يبرره في الدين الإسلامي الذي نعلم بأنه دين سلام وتسامح واحترام. وتعمل الجهات المعنية بتطبيق القانون وغيرها في بلدينا عن قرب أكثر من أي وقت مضى في مواجهة تهديد الإرهاب. وقد استضافت المملكة العربية السعودية في وقت سابق من الشهر الجاري مؤتمرا هاما يهدف إلى تعزيز المكافحة الدولية المشتركة ضد الشبكات الإرهابية.
تعمل المملكتان معا على إشاعة الأمن في منطقة الشرق الأوسط حيث تلعب المملكة العربية السعودية دورا كبيرا وحيويا بها.
أرحب بعملنا المشترك في مساعدة الشعب العراقي بينما يعمل على بناء بلد مستقر وديموقراطي ومزدهر يعيش بسلام مع جيرانه. كما أن لدينا اهتماما مشتركا في ضمان أن يكون برنامج إيران النووي مستغلا فقط لأغراض سلمية. وربما أهم من كل ذلك، فإن كلا بلدينا عازم على مساندة قضية السلام ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
أعلم وأتفهم مدى أهمية هذه القضية بالنسبة لجميع من هم في المنطقة تماما كما هي مهمة بالنسبة للمجتمع الدولي بأسره؛ فإلى جانب المأساة الإنسانية الناجمة عن هذا الصراع، فإن حالة الجمود في عملية السلام في الشرق الأوسط أضعفت إيمان الناس بالسياسة وبمدى قوة الحلول التي يتم التوصل إليها عن طريق الحوار؛ وبذلك فقد كان الصراع في الكثير من الأحيان أيضا مصدرا للراديكالية وعائقا أمام التغيير الإيجابي في الشرق الأوسط ككل. واليوم هناك أمل بأن يتمكن كلا الطرفين من إحراز تقدم تجاه السلام. وعلينا تقديم كل الدعم الذي بإمكاننا تقديمه بينما يسعى الطرفان نحو ذلك السلام المنشود. فسوف نعقد، أنا ورئيس الوزراء، في الأسبوع القادم لقاء دوليا هنا في لندن الهدف منه مساعدة الفلسطينيين على بناء المؤسسات التي سيحتاجون إليها لتشكيل دولة فلسطين مستقبلا.
ويسعدني أنكم، يا صاحب السمو الملكي، ستحضرون هذا اللقاء إلى جانب أعضاء اللجنة الرباعية - الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا - وممثلين عن دول أخرى وعن البنك الدولي. سيكون هذا اللقاء بمثابة فرصة هامة لنا لتحريك دعم عملي أكبر للفلسطينيين بينما هم يتخذون خطوات نحو هدف تأسيس دولتهم التي ناضلوا طويلا من أجلها.
أصحاب السمو الملكي.. إلى جانب هذه القضايا الدولية، تواجه مملكتانا احتياجا على نطاق أوسع، وهو يمثل الموضوع الأساس لمناقشاتنا اليوم، إلا وهو متابعة عملية التغيير والتحديث والإصلاح المضبوط لكي نتأقلم مع عالم متغير سريعا.
ورغم أن بريطانيا والمملكة العربية السعودية دولتان مختلفتان تماما، فإننا نشترك بالتحدي في مواجهة التغيير. لقد كانت عملية التغيير في المملكة العربية السعودية خلال القرن الماضي مذهلة بكل بساطة؛ فهي بلد كان يعتبر يوما ما متخلفا نسبيا، وأصبح اليوم حجر الأساس في الاقتصاد العالمي، وقد عمل النمو الاقتصادي والتنمية على تغيير حياة الملايين من مواطنيه. لكن كما أدرك حكام المملكة، ليس هناك دولة تقف ساكنة؛ فالتحدي الكامن أمام المملكة العربية السعودية، كما هو بالنسبة لبريطانيا وغيرها من الدول، هو التأقلم مع حقيقة العالم المتغير، بينما تحافظ على كل ما هو جيد ومثير للإعجاب في مجتمعها، أو بمعنى آخر هو ما يلي: التأقلم لكي يتم الحفاظ على تلك التقاليد والقيم الراسخة؛ فبدون الإصلاح، قد تعمل الطموحات المحبَطة الساعية للتغيير على إشعال الرفض وتقوية تلك القوى التي ترغب بتدمير كل ما يتمسك به المجتمع. والبديل لذلك - التحديث - ليس نظرية للاستهلاك الفاقد للحس الأخلاقي كما يجري الادعاء أحيانا. فإذا ما تمت إدارته على نحو ملائم، كما أدركت المملكة العربية السعودية، فإن الإصلاح سيعمل على الحفاظ على ما يقدّره السعوديون وغيرهم أكثر ما يقدّرون في مجتمعهم؛ قيم احترام الأسرة والآخرين، والمسؤولية الاجتماعية والنظام؛ ومبادئ أخلاقية قوية مبنية على الدين الإسلامي العظيم والنبيل.
تعمل المملكة المتحدة شراكة في المملكة العربية السعودية لنساهم ونشارك بخبراتنا في مجالات كالتدريب المهني والفني للقضاة والصحفيين وسيدات الأعمال. وقد نظمنا ندوات لإبلاغ القطاع التجاري عن مدى تأثير الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، ونعمل على تعزيز التعاون فيما بيننا حول مكافحة الإرهاب وفي مجال الدفاع.
المملكة المتحدة هي قوة دافعة خلف روابط الاتحاد الأوروبي المتنامية مع المملكة العربية السعودية وجيرانها، وذلك من خلال المفاوضات للتوصل لاتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والعمل الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي تجاه شراكة استراتيجية مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تعمل المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية معا من خلال مبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الجديدة التي تهدف إلى تحسين ظروف الاستثمار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونرأس معا مجموعة عمل تركز على التنوع الاقتصادي.
وقد أوضح حلف شمال الأطلسي (الناتو)، من خلال مبادرة إسطنبول للتعاون، عن رغبته بتطوير المساعدة العملية المقدمة للمملكة العربية السعودية وجيرانها في مجلس التعاون الخليجي، وذلك في المجالات التي تختار أن تعمل بها، وبالتواتر الذي تحدده. كل هذا يمثل شراكة قوية تهدف إلى التغيير والتحديث والإصلاح، وهي شراكة كلا بلدينا عازم على تنميتها أكثر من خلال مناقشاتنا اليوم.
|