في إطار نشاطات وفعاليات الاحتفال بأسبوع المرور الخليجي الموحد الثاني والعشرين تحت شعار الالتزام فيه الأمان، فالحديث سوف يكون عن السرعة وازدياد الحوادث المرورية، فأرقام الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في المملكة معظمها بسبب السرعة الزائدة والإهمال في القيادة، حيث نجد أنه تُسجل نسب كبيرة من حوادث السير تحت مسمى السرعة الزائدة، وأغلب من يذهبون ضحايا أو يكونون متسببين فيها من هم في عُمر الشباب، فعدد الشباب الذي فُقد وعدد المنازل التي فقدت ذات يوم أحد أبنائها في حادث سيارة يتزايد أيضاً، كما أن عدد الحوادث المرورية وعدد الذين يذهبون ضحية حوادث السرعة التي نسمع عنها أقل بكثير من تلك التي لا نعرف ولا نسمع عنها شيئاً، مما يعني إهداراً للثروة البشرية وتبديداً للطاقات الاقتصادية، بالإضافة للجروح النفسية والمعنوية التي تُسببها لأهالي وأصدقاء وأقارب هؤلاء الضحايا، ناهيك عن الخسائر المادية والإعاقات الجسدية التي تلحق بمن يُكتب لهم العيش بعد وقوع الحادث.
إن من أسباب الحوادث السرعة الزائدة وعدم إلمام السائقين والتزامهم بأخلاقيات السير على الطرقات، حيث يلعب الخطأ البشري المفاجئ دوراً مأساوياً في الإطاحة بأرواح مستخدمي الطرق وبخاصة ذلك الخطأ القاتل المتمثل في زيادة السرعة على الطرقات دون الاكتراث بحياة الآخرين وحقوقهم، والاستهتار الذي يصل لدرجة المرض النفسي الذي لا يُعالج إلا إكلينيكياً، مما يجعلنا نسأل أنفُسنا هل نحن نعشق السرعة لهذه الدرجة؟ وهل مصنعو السيارات بدلا من أن يجلبوا لنا سيارات جلبوا لنا طيارات وصواريخ؟ إننا فعلاً نستحق أن ندخل الموسوعة العالمية طالما أننا بهذه البراعة في اختراق القوانين وكسرها وازدياد عدد المخالفات وعدد ضحايا السيارات من جراء حوادث السير والسرعة الزائدة.
إن الجهات المعنية بالأمر وعلى رأسها إدارات المرور في المملكة لم تقصر في حملات التوعية بشأن خطورة السرعة، لكننا نأمل في إيجاد وسائل أكثر ردعاً للمتهورين ومن لا يحترمون أخلاقيات القيادة فالغرامة وحدها لا تكفي، فهم يعرضون أنفسهم للخطر ويسببون التوتر والقلق لمن يسير بجانبهم أو أمامهم على الطرقات، مثل هؤلاء لا يستحقون إلا العقوبات الرادعة المقابلة والمساوية للخطر الذي يحدثونه من جراء جنونهم ورعونتهم في الشوارع والأماكن العامة، فما عادت الجزاءات بالغرامات المالية كافية ولا احتجاز السيارة ينفع مع مثل هذه النوعية، وإنما توقيع العقوبات بحسب قوة ودرجة الخطر الذي يهددون به حياة الآخرين، وليكن السجن أحد الروادع في ما يتعلق بالسرعات الجنونية. إن التشدد مطلوب في ظل وجود سائقين لا يبالون بالأمن والأمان على شبكات الطرق فليست الحروب هي التي تحصد أرواح الأبرياء في العالم، وإنما هناك مأساة تتربص بالبشر على الطرقات وهم يسيرون آمنين مطمئنين ألا وهي الحوادث المرورية التي تزهق أرواح البشر بسبب السرعة وعدم الاكتراث لحقوق الطريق. إن أسبوع المرور الخليجي سوف يكون دافعاً لنا جميعاً كي نروض تلك الآلة المندفعة (السيارة) على الطريق وقبلها نُروض أنفسنا على التعامل معها ومع مستخدميها باحترام يتناسب وقدسية الروح البشرية.
إن السرعة المتهورة على الطرق والآثار النفسية والمعنوية والمادية الناجمة عن حوادثها ستظل هماً كبيراً للجميع، فالقضية أكبر من ذلك بكثير، فهناك مأساة على المستوى الوطني تحتاج إلى استنفار أكثر مما تحتاج إلى مجرد نظر ومناقشة، فلا نلقي باللوم إلى قصور جهود إدارات المرور في التوعية، ولكن لابد من أن تتعاون وتتكاتف الأيادي لجميع الجهات المسؤولة.
فالدولة وفقها الله قد أنفقت مليارات الدولارات من أجل تشييد واحدة من أفضل وأرقى شبكات الطرق في العالم، ووفرت عناصر السلامة على الطرق وإعدادها بمقاييس تحمي حياة مستخدميها قدر المستطاع، لكن هذا لا يُوجب إساءة استغلال الطرق بالسير عليها كالصواريخ أرض أرض، وليكن شعارنا (لا تسرع وعُد سالما)، وكفى الله الجميع شرور التهور والسرعة.
(*)المشروع السعودي لتبادل المعلومات إلكترونياً |