* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد الصادق - محمد حسين:
ثمن عدد من الوزراء ونواب البرلمان ومحللون سياسيون وخبراء العلاقات الدولية الجولة الآسيوية التي يقوم بها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى عدد من البلدان الآسيوية ووصفوها بالناجحة الناجزة على طريق إرساء النهج الاستراتيجي للمملكة بإقامة شراكات استراتيجية مع دول العالم قائمة على الاتزان والوزن الاستراتيجي الذي تتمتع به المملكة في قلب الأمتين العربية والإسلامية والعالم.
وقال الخبراء والمحللون إن الجولة الآسيوية لولي العهد تحمل دلالات سياسية واقتصادية مهمة للغاية وخاصة حول اتجاهات الدبلوماسية السعودية نحو تعزيز علاقاتها بما يخدم المحيط العربي ويعزز العلاقات الآسيوية السعودية.
يقول الدكتور مصطفى الفقي المفكر السياسي: إن الزيارة تؤكد النهج السعودي المتميز لإقامة شراكات استراتيجية مع دول العالم كافة انطلاقا من السياسة المتوازنة التي يتبعها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وخاصة تلك الدول التي يدرك قادة المملكة أن دورها الإقليمي ووزنها الاستراتيجي يتعاظم خلال الفترة القادمة على الصعيد العالمي. ومن قبل كانت زيارة الأمير سلطان إلى عدد من البلدان الآسيوية شملت الصين وماليزيا وكوريا وتأتي هذه الجولة بمثابة استكمال للسابق والمضي قدما في النهج الذي يتبعه ولي العهد من أهمية تعزيز العلاقات والتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية إذ يدرك ولي العهد أهمية ووضعية البلدان الآسيوية في عصرنا الحالي، اليابان مثلا كقوة عملاقة، لذا كان حرص المملكة ببصيرة سياسية نافذة على توطيد العلاقات مع البلدان الاسيوية في ذات الوقت أبدت الدول الآسيوية اهتماما وحرصا كبيرين على توطيد علاقاتها بالمملكة العربية السعودية بما يؤكد أنها دولة لها مكانتها وثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم.
وأمام توجهات خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمين على توطيد العلاقات والتعاون البناء مع الدول الآسيوية وإزاء زيارة ولي العهد هذه البلدان فإنها تنظر إلى هذه الزيارة وإلى مكانة المملكة العربية السعودية باعتبارها دولة ذات ثقل بالغ الأهمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط بوجه عام بفضل مكانتها وحضورها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي حيال جميع القضايا العربية والإسلامية وتطوير هذه العلاقات لا ينعكس ثمراته على هذه البلدان وحسب بل على جميع دول المنطقة لأن المملكة دائما ما تضع في اعتبارها الثوابت العربية والإسلامية والقضايا التي تشغل بال الأمة العربية والإسلامية.
قفزة عربية سعودية
الكاتب محمد جمال عرفة المحلل السياسي وخبير الشؤون العربية أكد أن الزيارات والجولات المتتالية للقيادة السعودية ممثلة في جولة الملك عبدالله الأخيرة وجولة ولي العهد الحالية فتحت الباب أمام قفزة عربية سعودية جديدة نحو الشرق ضمن سياسة التوجه شرقًا التي بدأتها العديد من الدول العربية وخصوصًا الخليجية لأسباب اقتصادية تتعلق بالاستفادة من نموذج النمو الآسيوي، وأخرى سياسية ذات دلالة تتلخص في موازنة الضغوط الغربية المتزايدة.
وأكد عرفة أن سياسة التوجه شرقًا التي عكستها زيارة الملك عبدالله وزيارة ولي العهد وحجم الصفقات والاتفاقات التي عقدت خلالهما جاءت ردا على سياسة الازدواجية في السياسة الأمريكية تجاه القضايا العربية وربط المعونات والمساعدات بضغوط سياسية وفرض إصلاحات خارجية خصوصًا عقب هجمات 11 سبتمبر والحاجة لموازنة هذه الضغوط الغربية.
أضاف المحلل السياسي أن أهمية التوجه شرقا تكمن في حجم ووزن المملكة السعودية الاقتصادي والسياسي كقائدة لدول مجلس التعاون الخليجي، ما يشير لتوقع نمو كبير في سياسة (التوجه شرقًا) بين دول الخليج مستقبلاً، وربما يزعج الغرب والولايات المتحدة تحديدًا فالزيارات فضلاً عن مضامينها الاقتصادية المهمة -باعتبارها زيارات اقتصادية للشرق بنكهة سياسية- فهي من النوع الذي يستهدف ما يمكن أن نسميه (تنويع مصادر الاقتصاد والسياسة) بعدما ارتكز التعامل الاقتصادي على مدار نصف القرن الماضي على الغرب، أما المعنى الاستراتيجي للجولات السعودية شرقا فأكبر من ذلك.
وأضاف عرفة أن المعني بعبارة أخرى هي أهداف استراتيجية أخرى أهم من مجرد توقيع اتفاقات اقتصادية، ربما تمتد إلى استكشاف شراكة استراتيجية مع الشرق الآسيوي استعدادًا للتقلبات السياسية في عالم اليوم كما تتميز أهمية هذا التوجه شرقًا بأنه يأتي في ظل الصعود القوي لاقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، خاصة الصين والهند وماليزيا، والنمو السريع الذي لا يقارن في الشرق بشيخوخة الاقتصاديات الغربية التي باتت تعاني تخمة وانخفاضًا في النمو؛ ليصبح من الضروري التوجه أكثر نحو الشرق ليس فقط لتأثر المملكة ودول الخليج بما يجري في الشرق بحكم الجوار، ولكن للاستفادة من هذا التطور الاقتصادي والتكنولوجي العالي فيما يمكن أن نسميه (الطفرة الاقتصادية الثانية للمملكة) والتي بدأت الآن.
فالمملكة العربية السعودية دخلت طفرة اقتصادية ثانية مثل الطفرة الأولي بين عامي 1975 و1985 تقوم على تنمية البني التحتية والقيام بمشاريع اقتصادية ضخمة بفضل فوائض الأرباح الهائلة في ميزانيتي العامين 2005 و2006 نتيجة ارتفاع أسعار البترول والتي بلغت 57 مليار دولار فقط في عام واحد، وبالتالي هي في أشد الحاجة للاستفادة من تجارب الدول الآسيوية وقدراتها التنموية والاقتصادية.
وفي الوقت نفسه تعيش دول مثل الصين والهند وماليزيا واليابان وسنغافورة أزهى عصورها الاقتصادية التي تتطلب تزايدًا في استهلاك الطاقة والنفط والغاز، وهي بدورها في أشد الحاجة للمملكة باعتبارها أكبر مصدر لهذه الطاقة في العالم أكد زيارة خادم الحرمين ولي العهد لهذه الدول الآسيوية لم تكن عفوية أو زيارة مجاملة بقدر ما كانت خطوة كما أن المملكة تدرك أن النفوذ الاقتصادي في عالم اليوم هو نفوذ سياسي. وإذا كانت هذه الدول التي زارها الملك عبدالله وولي العهد والتي يقدر سكانها تقريبًا بربع سكان الكرة الأرضية في طريقها لتصبح قوى عظمى - وفقًا للتقارير الاستراتيجية المستقبلية- فمن صالح المملكة تطوير تعاونها معها وتوثيقه في ظل سياسة تنويع مصادر الاقتصاد -على غرار تنويع مصادر السلاح- وعدم الاقتصار على الغرب والولايات المتحدة، خاصة في ظل التردي المستمر للاقتصاديات الغربية وخطر الاعتماد علي الغرب وحده اقتصاديًّا على الأقل.
وتوقع المحلل السياسي أن تشكل السوق الآسيوية في المستقبل متنفسًا مهمًّا للمنتجات السعودية البتروكيماوية وغيرها، كما أن آسيا عمومًا تشكل سوقًا مهمًّة للصادرات السعودية. وبالمقابل فإن احتياجات آسيا من الطاقة في تزايد مطرد وتتضاعف، وبدون هذه الطاقة التي تمثل الماء لحياة هذه التكنولوجيا المتطورة تموت هذه الاقتصاديات الآسيوية.
وخلص جمال عرفة إلى أن الجولات السعودية في آسيا لم تكن تستهدف فقط التوجه شرقًا من أجل التجارة والنفط، بقدر ما كانت توجهًا أكبر ذا دلالة أعمق على تحول استراتيجي لموازنة علاقات الغرب بالشرق، وإذا كان هذا التوجه قد نبذته المملكة في ظل العهد الشيوعي، فهو الآن أكثر قبولاً واحتمالاً لمزيد من التطور والانفتاح على
اقتصاديات شرق آسيا المتطورة. وطالب أحمد ماهر وزير الخارجية المصري السابق باستثمار جولة ولي العهد الآسيوية بمزيد من التعاون بين العرب والدول الآسيوية مشيراً إلى أن هذا التعاون في جميع المجالات يتفق مع رغبة الطرفين المشتركة؛ إذ إن كل الدول العربية والآسيوية في حاجة ماسة إلى التعاون مع الآخر لمواجهة التحديات الدولية. من ناحية أخرى أعرب ماهر عن إيمانه بأن الحفاظ على استمرار وتعزيز التشاور والتنسيق الوثيق بين الدول النامية ومن شأنه إقامة نظام سياسي واقتصادي دولي جديد عادل ومنصف. وأوضح ماهر أن المجتمع الدولي في حاجة إلى بذل جهود متضافرة تنشط الحوار بين الشمال والجنوب وإضفاء المزيد من المضامين الجوهرية على التعاون القائم بينهما بهدف تضييق الفجوة بما يدفع العولمة نحو تحقيق الازدهار المشترك.
وأشار ماهر إلى أن جولة ولي العهد الآسيوية تسهم بشكل جاد وواضح في إرساء الأمن والسلام الدوليين خاصة أن الدول العربية ذات الثقل مثل القاهرة والرياض تحظى بتقدير واعتزاز من الدول الآسيوية وهذا من شأنه تحسين تنمية مستدامة لدى جميع الأطراف عبر تطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين الطرفين. وأشار الوزير المصري السابق إلى أن الاستقبال الحافل الذي استقبل به ولي العهد دليل على أن هذه الدول الآسيوية تقدر تماماً دور المملكة وثقلها على المستوى الدولي ومن ثم علينا استثمار ذلك في إقامة تحالفات وشراكة اقتصادية وسياسية لمواجهة التحديات.
وأكد الدكتور عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق أن جولة ولي العهد الآسيوية يجب النظر إليها من منظور الأمن القومي العربي حيث إن العدو التقليدي للعرب وهو إسرائيل أصبح يهدد التحالف العربي - الآسيوي بعلاقاته الوطيدة وشراكته الاقتصادية خاصة مع الصين على الرغم من أن الدول العربية ومن منظور اقتصادي بحت كانت هي الأولي بالشراكة مع هذه الدول نظراً للعلاقات الطيبة الممتدة بين هذه الدول والدول العربية والتحالف التاريخي.
فإن جولة ولي العهد وما يشابهها من جولات للحكام العرب لهذه الدول سوف تعيد التحالف الاستراتيجي مع هذه الدول. وطالب الظاهر بتحرك عربي مشترك لمحاصرة التقارب الإسرائيلي مع هذه الدول لأن إسرائيل عندما تتقارب مع الصين والهند ودول أخرى في شرق آسيا فلا معنى لذلك سوى التهديد المباشر للأمن القومي العربي. ومن جهته يؤكد محمد عبد اللاه رئيس لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب الأسبق أن جولة ولي العهد سلطان بن عبدالعزيز تعكس الرؤية من جديد على توازن السياسة الخارجية السعودية التي تتسم بها دوما كما أنها تؤكد على استكمال دورها المؤثر في آسيا خاصة مع الصين والهند وهذا الدور خاصته بعض فترات الانقطاع خلال العشر سنوات الماضية وتحديداً منذ العام 1990 حرب الخليج الأولى وقبل هذا التاريخ وحتى بعده ولكن على فترات متقطعة كانت السياسة السعودية تولي حق الاهتمام لهذه الدول، ومن ثم تأتي الزيارة لتعميق وتوطيد هذا الاهتمام وتؤكد على هذا التوازن الإيجابي في سياستها فليست علاقاتها مع الولايات المتحدة الامريكية هي الوحيدة في هذا العالم فهناك علاقات المملكة الأخرى المميزة أيضاً وهذا ما يتضح في زيارة ولي العهد لهذه البلدان وخصوصاً أن خادم الحرمين الشريفين سبق أن قام بجولة آسيوية كان لها ثمارها العديدة.
ويضيف أن الزيارة تحمل دلالات ومعاني كثيرة سواء على صعيد العلاقات السياسية أو في التبرعات وتحمل هذه الزيارة تأكيداً على مواصلة هذا الدعم والتعاون لكون المملكة هي قلب العالم الإسلامي كما أن آسيا لها مواقفها المساندة والمتضامنة مع القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية والعراقية وغيرها فتكتسب الزيارة أهميتها من أحداث التوازن في التعامل مع القضايا العربية بما يتيح التحرك على الساحة العالمية بما يعود بالنفع على المنطقة.
استثمار ناجح
أحمد يوسف مدير معهد البحوث الآسيوية قال: إن الجولة الآسيوية لولي العهد تكتسب أهمية خاصة ليس فقط في إطار العلاقات السعودية ولكن في إطار العلاقات العربية - الآسيوية بشكل عام.
فعلى الرغم من الإدراك العربي العام بتصاعد دور القوى الآسيوية في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي فإن هذا الإدراك لم تتم ترجمته عمليا إلى الآن في أطر تعاونية مستقرة تتلاءم وطبيعة التحولات الهيكلية التي يشهدها النظام الدولي عقب انتهاء الحرب الباردة ثم مرحلة ما بعد سبتمبر 2001م.
وأشار أحمد يوسف إلى أن أهمية تطوير مثل تلك الأطر تتجاوز الحاجة إلي التشاور والتفاهم الدولي بشأن مختلف القضايا الدولية, باعتبارها حاجة طبيعية لجميع الفاعلين الدوليين, لتشمل وضوح خطوط تماس وتقاطع الأمن القومي العربي بشكل عام, والخليجي بشكل خاص , مع التطورات الاستراتيجية المتلاحقة في بعض الأقاليم خاصة في جنوبي وشرقي آسيا.
هذه التطورات تتطلب تحركات عربية مهمة ربما تكون الزيارة السعودية مقدمة مهمة في هذا الإطار مؤكداً أنه يجب اتخاذ هذه الخطوة كبداية لإرساء علاقات عربية آسيوية وطيدة لإلغاء الفكرة التي سيطرت على السياسة الدولية المبنية على عالم القطب الواحد إذ إن العالم بات في حاجة إلى أقطاب أخرى لإحداث توازن في السياسات الدولية افتقدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الماضي.
ويرى الدكتور ماهر قابيل رئيس الجمعية المصرية للتحليل السياسي أن الجولة الآسيوية التي قام بها ولي العهد تعكس الرؤية السياسية الواضحة والملتزمة التي تعتمدها المملكة منطلقاً أساسياً في تحركاتها وسياستها الخارجية تجاه العالم كما تؤكد على الخطوات التي اتخذتها المملكة في الآونة الأخيرة للنهوض بالقضايا الدولية بدلا من الاعتماد على طرف واحد في المعادلة الدولية التي تهيمن عليها أمريكا ومن هذه الخطوات خلق أجواء جديدة سواء في المحيط الخارجي أو في محيط دول الجوار وكذلك إطلاق المبادرات الساعية نحو تحقيق السلام والتحرك سعودياً وعربياً للتعامل مع الموضوعات والقضايا التي تؤرق المنطقة، وأصبح لا يمكن الحديث عن سياسة فاعله أو قيادية من دون أن يشمل الحديث الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين ورؤيتهما السياسية والدعوة المتكررة إلى التطوير والمشاركة السياسية الفاعلة، لذا فهذه الجولة الآسيوية تعد تاريخية وتسهم في تعزيز العلاقات السعودية الآسيوية وتنعكس إيجابيا على المنطقة كلها.
|